يُصادف الـ17 من فبراير/شباط من كل عام، ذكرى ميلاد الممثلة والمغنيّة المصرية الراحلة ليلى مراد التي قدّمت مسيرة فنية حافلة حازت خلالها العديدَ من الألقاب، مثل "قيثارة الفن"، و"سندريلا الشاشة العربية"، و"سيدة السينما".
ورغمّ أنها كانت واحدة من أبرز الفنانين الذين خرجوا من العصر الذهبي للقرن الـ20 في الوطن العربي، فإنها تعرضت خلال مسيرتها إلى بعض المواقف المحرجة بسبب أصولها اليهودية.
من هي ليلى مراد؟
وُلدت الممثلة والمغنية المصرية ليلى مراد واسمها الحقيقي ليليان موردخاي في العام 1918، لأسرة يهودية، والدها هو المغني والملحن إبراهيم زكي موردخاي، المعروف باسم "زكي مراد"، ووالدتها المصرية من أصل بولندي جميلة روشو.
بدأت ليلى مراد مشوارها الفني وهي في سنّ الـ9، وفقاً لما ذكره موقع الجمعية التاريخية للطائفة اليهودية في مصر، وذلك عندما غنّت لأول مرة في صالة البديعة في القاهرة، والتي كانت حينها واحدةً من أنجح القاعات الموسيقية في مصر، أما أول ظهور لها في السينما فكان في العام 1932 من خلال فيلم الضحية.
بعد ذلك التقت ليلى مراد بالفنان محمد عبدالوهاب، الذي تبنّى موهبتها، فوقّع معها عقداً لإنتاج 10 أسطوانات غنائيّة، لتبدأ معها رحلتها الفنية، التي تعاونت خلالها مع عشرات الملحنين والشعراء.
وقعت بحبّ محمد عبدالوهاب لكنّه صدّها
في العام 1938 تشاركت ليلى مراد مع محمد عبدالوهاب أدوار بطولة فيلم "يحيا الحب"، الذي ألّفه عباس علام وأخرجه محمد كريم.
أدَّت ليلى مراد دور نادية، التي تقع في حب فتحي، وكما يبدو فإن ليلى لم تقع في حب فتحي وحسب، بل وقعت في حب عبدالوهاب الذي كان يؤدي دوره.
وأثناء التصوير اعترفت ليلى له بحبها، لكنّه صدمها عاطفياً، لاسيما أنه كان من المعجبين بأدائها وصوتها.
ورغم ذلك فإن ليلى مراد اعترفت بتلك الحادثة قبيل وفاتها، مؤكدة أنّ لعبدالوهاب فضلاً كبيراً عليها.
زواجان علنيّان وآخر سرّي
في العام 1945 تزوجت ليلى مراد لأوّل مرة من الممثل والمخرج المصري أنور وجدي الذي تعرفت عليه من خلال تصوير فيلم "ليلى بنت الفقراء"، الذي كان يشاركها بطولته.
استمر زواجها الأول من وجدي نحو 8 سنوات، قبل أن ينفصلا لأسباب غير معروفة، ولكن يُشاع أن معاملته لها كانت سيّئة، إضافة إلى خيانته لها، وأيضاً احتكاره لأعمالها، ورفضه تقديم أي فيلم مع شركات أخرى.
أما زواجها الثاني فكان من الطيار وجيه أباظة، ولكن بشكل سرّي، بسبب ممانعة أسرته لهذا الزواج، وقد أنجبت منه ابنها أشرف، لكنها انفصلت عنه مرة أخرى بعدها بعام.
أمّا زواجها الثالث فكان من فطين عبدالوهاب، وذلك عندما تعرفت عليه أثناء إخراجه لأحد الأفلام الذي شارك فيه شقيقها منير مراد، فانجذبا إلى بعضهما من النظرة الأولى، وفقاً لما قاله ابنها زكي فطين عبدالوهاب خلال لقاء تلفزيوني على قناة CBC المصرية.
كانت تحبّ الإسلام حتى قبل اعتناقه
في العام 1946، أي بعد عام من زواجها الأول من أنور وجدي، فاجأت ليلى مراد محبيها بإعلان تخليها عن اليهودية واعتناقها الدين الإسلامي.
ووفقاً لكتاب "الوثائق الخاصة بليلى مراد"، للباحث والمؤرخ السينمائي أشرف غريب (يمكنك تحميله من هنا)، فإن ليلى نطقت بالشهادتين لأول مرة في منزل زوجها أنور، أمّا إشهارها للإسلام فتم في العام 1947 أمام المحكمة الشرعيّة بحضور القاضي الشرعي حسن مأمون والشهود الشيخ محمد أبوالعيون أحد علماء الأزهر، وأحمد حسن أحد محرري جريدة البلاغ.
ووفقاً لابنها زكي فطين فإن ليلى مراد كانت معجبة بالسيدة نفيسة والسيدة زينب، كما كانت تحب سماع القرآن حتى عندما كانت على يهوديتها.
وأضاف زكي أنّ هناك شيخاً يدعى محمد كان يزور منزل زوجها الأول كل يوم جمعة قبل إسلامها، وكانت تعشق صوته، خصوصاً عند تلاوة القرآن.
عائلتها لم تعترف بإسلامها
وفق كتاب "الممثلون اليهود في مصر" لأشرف غريب (يمكنك تحميله من هنا) فإن فرعاً من أسرة ليلى مراد، الذي هاجر إلى إسرائيل في العام 1949 بقي حتى وفاتها لا يعترف بإسلامها، وقد بذلوا محاولات كبيرة لإقناعها بالهجرة إلى إسرائيل والعودة إلى الدين اليهودي.
وأضاف الكتاب أنّ أولاد عمومتها لا يعترفون حتى بإسلام أبنيها أشرف وزكي كون والديهما مسلمين، ولأن الدين اليهودي يعتبر أبناء الفتاة اليهودية يهوداً أيضاً، ويحاولون دائماً إقناعهم بالمجيء إلى إسرائيل.
هل تبرعت ليلى مراد فعلاً بالأموال للجيش الإسرائيلي؟
في العام 1953، وبعد وقت قصير من اختيارها المطربة الرسمية للثورة المصرية وتفضيلها على أم كلثوم، انتشرت شائعات تقول إنّ ليلى مراد قد زارت تل أبيب في إسرائيل وتبرعت بالمال لجيشها.
ولكونها يهودية الأصل عزز ذلك فرضية أن تكون جاسوسة إسرائيلية فدعت بعض الإذاعات العربية إلى مقاطعتها.
هذا الأمر نفاه بشكل قاطع ابنها زكي، خلال لقائه التلفزيوني، مؤكداً أنّ والدته كانت مسافرة إلى سوريا رفقة أخيها الكبير مراد، وليس إلى إسرائيل، وقد قام أحدهم بتلفيق تلك التهمة بها لأسباب شخصيّة.
وأضاف أنّ والدته لم ترض هذه الإهانة، فاتصلت ببعض المسؤولين المصريين، وطلبت منهم العودة إلى مصر لتُثبت براءتها.
وبالفعل عادت المغنية المصرية إلى بلدها، ولم تثبت التحقيقات معها أي شيء، فأصدر الجيش المصري قراراً أرسله إلى رئيس غرفة صناعة السينما المصرية، يؤكد فيه أنّ ليلى مراد لم تسافر إلى إسرائيل، ولا صحة لما نُشر عن تبرعها بالأموال للحكومة الإسرائيلية.
كما يزعم بعض المؤرخين أن الرئيس المصري جمال عبدالناصر نفسه أصر على أن تنهي سوريا مقاطعتها لأغاني وأفلام ليلى مراد.
أبرز أعمال ليلى مراد
خلال مسيرتها الحافلة التي انتهت في فترة قصيرة، إذ اعتزلت الفن وهي في سن الـ35 فقط، قدمت ليلى مراد الكثير من الأفلام، لعل أبرزها السلسلة التي سُمّيت باسمها، "ليلى بنت الفقراء"، "ليلى بنت الأغنياء"، "ليلى بنت الريف"، "ليلى بنت المدارس"، إضافة إلى أفلام "ليلى في الظلام" مع حسين صدقي، و"شحات الغرام" مع محمد فوزي، كما كانت الأعلى أجراً من بين النجمات الأخريات في ذلك الوقت.
أمّا أبرز أغانيها فهي "ليه خليتني أحبك"، "يا رايح على صحرا سينا"، "أبجد هوّز"، "اسأل عليّا"، "الحب الجميل"، "الدنيا غنوة"، " يا مسافر وناسي هواك"، "سلمى يا سلمى"، و"يا رايحين للنبي الغالي".
توفيت ليلى مراد في العام 1995 عن عمر ناهز 77 عاماً في أحد مستشفيات العاصمة المصرية القاهرة، متأثرة بنوبة قلبية، تاركة وراءها إرثاً فنياً كبيراً، مكوناً من 27 فيلماً ونحو 1200 أغنية.