تشبه قصة الحب التي جمعت الممثلين المصريين عمر الشريف وفاتن حمامة إلى حد كبير قصص الحب التي نشاهدها في أفلام الأبيض والأسود، فقد بدأ غرامهما من النظرة الأولى، وتضمنت حكايتهما الكثير من التضحيات، منها تغيير الشريف لدينه، وابتعاد فاتن عن وطنها.
لكن على عكس نهايات أفلام الزمن الجميل، لم يتمكن الحبيبان من العيش بسلام، فقد ساهمت الغيرة وبريق النجومية والظروف السياسية في إنهاء زواجهما، على الرغم من أن أياً من ذلك لم يستطع إخراج فاتن من قلب عمر.
تعالوا نروِ لكم الحكاية من البداية:
قصة حب عمر الشريف وفاتن حمامة
من حسن حظ ميشيل شلهوب، الشاب ذو الأصول اللبنانية الحالم بالنجومية، أن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة قد اعترضت على مشاركة الممثل شكري سرحان لها في بطولة فيلم "صراع في الوادي"، ومن حسن حظه أيضاً أنه كان صديقاً وزميل دراسة ليوسف شاهين مخرج الفيلم الذي رشحه لدور البطولة عوضاً عن سرحان.
لم تعترض فاتن حمامة على ميشيل، الوجه الجديد في عالم السينما – والذي بات يعرف لاحقاً بـ"عمر الشريف" – وبدأ تصوير الفيلم الذي تغيرت معه حياة فاتن إلى الأبد.
قبل تصوير هذا الفيلم كانت فاتن حمامة متزوجة من المخرج المصري عز الدين ذو الفقار، إلا أن زواجهما لم يكن سعيداً، إذ كان ذو الفقار يكبرها بعدة أعوام، وكان انجذابها نحوه على حد تعبيرها انجذاب تلميذة مبهورة بأستاذها.
ومع بداية تصوير "صراع في الوادي" الذي عرض في عام 1954، وقع الطلاق بين الزوجين، ووقعت فاتن في غرام عمر الشريف.
عرف عن فاتن حمامة خلال مشوارها الفني رفضها التام لمشاهد القبلات، إلا أنها لم تمانع مشهد القُبلة التي جمعتها بعمر الشريف في هذا الفيلم، والتي كانت شرارة الحب الأولى بينهما.
كان يتطلب المشهد أن يغمى على البطل بعد أن تقبله البطلة، وتقول الشائعات إن قبلة فاتن حمامة تسببت فعلاً في إغماء عمر الشريف، وبالرغم من أنها قد تكون مجرد مبالغات لا أكثر، فإن حبهما بالتأكيد كان حباً من القُبلة الأولى.
من المسيحية إلى الإسلام لأجل فاتن
بدأت الشائعات تلاحق عمر الشريف وفاتن حمامة بعد عرض الفيلم الأول الذي جمعهما سوياً، خاصة أن فاتن قد طُلقت من زوجها الأول خلال تصوير الفيلم.
لكن الشائعات لم تكن كاذبة هذه المرة فقد أغرم الحبيبان ببعضهما فعلاً، ولم يكن غراماً عابراً، فقد غير الشريف ديانته من المسيحية إلى الإسلام ليتاح له الزواج من فاتن، وعقدا قرانهما في عام 1955.
بعد ذلك قدم الثنائي العديد من الأفلام سوياً كان منها "أيامنا الحلوة" و"لا أنام" و"سيدة القصر" و"نهر الحب"، وأنجبا طفلاً يدعى طارق.
وكان ينظر إلى قصة حبهما على أنها أعظم قصص الحب في تاريخ السينما المصرية، لكن حالها كحال جميع قصص العشق العظيمة، لم تحظ هذه القصة بنهاية موفقة.
الغيرة والشهرة وجمال عبدالناصر
بعد تخرجه في كلية فيكتوريا في الإسكندرية، عمل عمر الشريف مع والده بتجارة الأخشاب، ودخل إلى عالم السينما والتمثيل من خلال فيلمه الأول مع فاتن حمامة، دون أن يدري آنذاك أن شهرته ستصل إلى العالمية.
فبعد أن قدم العديد من الأفلام في السينما المصرية، التقى في بداية الستينيات بالمخرج العالمي دافيد لين، الذي اكتشف موهبته ورشحه للتمثيل في فيلم لورنس العرب الذي عُرض للمرة الأولى عام 1962 ولاقى شعبية واسعة جعلت من الشريف نجماً في هوليوود كما هو في مصر.
شهرة الشريف العالمية كانت اللعنة التي تسببت في انهيار علاقته بحبه الوحيد "فاتن"، فبات دائم الانشغال عنها، وبدأت تشعر بالغيرة الشديدة عليه.
كما فرضت حكومة جمال عبدالناصر قيوداً على سفر الزوجين، وفقاً لما صرحت به حمامة في إحدى مقابلاتها وذلك بسبب رفضها للتعاون مع المخابرات المصرية، الأمر الذي أثر على قرار الشريف في الاستقرار في أوروبا عوضاً عن مصر.
وبالرغم من أن فاتن قررت العودة إلى وطنها بعد وفاة عبدالناصر آثر الشريف البقاء في أوروبا متشبثاً بالنجومية التي كلفته زواجه في النهاية.
فانفصل الزوجان في عام 1966، ثم طُلّقا بشكل رسمي عام 1974.
"سارق قلوب النساء" لم تسكن قلبه سوى فاتن
في عدة مقابلات له أقر الشريف بأن فاتن هي حبه الوحيد، وأنه لم يحب أو يتزوج سواها.
بالرغم من ذلك فقد أحاطت الشائعات بالشاب الذي لمع نجمه في الغرب وبات يشارك أدوار البطولة مع أهم نجمات هوليوود آنذاك.
فعلى سبيل المثال انتشرت شائعات عن وجود علاقة عاطفية بينه وبين النجمة العالمية ذات الأصول السويدية إنغريد برغمان.
وحيكت العديد من القصص حول علاقته بالإيطالية الفاتنة "صوفيا لورين" التي وصفها بقوله "صاحبة أجمل عيون رأيتها في حياتي".
هذا عدا الفرنسية أنوك إيميه، والأمريكيتين باربرا سترايسند وآفا جاردنر، والإنجليزية جولي أندروز، حتى أن هوليوود أطلقت عليه لقب "سارق قلوب النساء".
لكن سارق قلوب النساء هذا لم تسكن قلبه على ما يبدو سوى فاتن حمامة، فقد قال في إحدى مقابلاته إنه لم يقع في الحب الحقيقي ثانية، لأنه لم يعان عند انفصاله عن العابرات في حياته كما عانى وقت انفصاله عن فاتن.
الزواج الثالث لفاتن حمامة
تزوجت فاتن حمامة بعد عام من طلاقها من عمر الشريف طبيباً يدعى محمد عبدالوهاب، وبقيت معه حتى وفاتها عام 2015.
وعلى ما يبدو لم يكن خبر زواج فاتن هيناً على عمر، فبالرغم من طلاقهما فإنها "حب عمره" ولم تكن العابرات في حياته سوى "كومبارسات"، على حد تعبيره.
وقد قال في أحد لقاءاته التلفزيونية التي أجراها بعد زواج فاتن حمامة، إنه ربما سيكون أكثر سعادة لو أنه لم يشارك في "لورنس العرب" ولو أنه لم يصبح مشهوراً عالمياً.
فقد كان -على حد قوله- يملك زوجة رائعة وطفلاً، وكانت لديه حياة رائعة، لكنه أصبح مشهوراً فجأة وفرقته الحياة عن زوجته ومن يومها لم يستطع الوقوع في الحب ثانية.
وأضاف: "ربما كان من الأفضل ألا أكون ناجحاً وألا أكون مشهوراً".
فاتن أقوى من ألزهايمر
توفيت فاتن حمامة في يناير/كانون الثاني 2015، وبعد أقل من 6 أشهر من وفاتها انتشرت أخبار عن معاناة الشريف من مرض ألزهايمر.
ووفقاً لابنه طارق، فإن الشريف لم يعد قادراً على التركيز، ولم يعد يذكر سوى شيئين اثنين، أولهما أنه كان ممثلاً مشهوراً، وثانيهما حبه لفاتن حمامة.
ولم يتمكن الشريف من الصمود طويلاً بعد رحيل حبه الوحيد، إذ توفي هو أيضاً في يوليو/تموز من نفس العام، إثر أزمة قلبية في أحد مشافي القاهرة، لتنتهي واحدة من أجمل قصص حب الزمن الجميل.