والتر وايت.. لماذا تعتبر من أعظم الشخصيات الإجرامية في تاريخ الدراما الأمريكية؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/21 الساعة 09:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/22 الساعة 11:14 بتوقيت غرينتش
شخصية والتر وايت التي ظهرت في المسلسل الدرامي الأمريكي Breaking Bad.

تنويه: يتضمن المقال نوعاً من الحرق لأحداث المسلسل.

بعد الانتهاء من مشاهدة مسلسل بريكينغ باد، والتي امتدت معي لمدة سنة، تملَّكني شعور بالإحباط في عدد من الحلقات، إلا أنني صمدت في مواجهة البطء الشديد من أجل معرفة ما سبب الاحتفاء الشديد بالمسلسل، وبشخصية والتر وايت، والحقيقة أن ما أكتبه قد تعتبره رثاء لأحد أعظم الشخصيات التي رأيتها بعد الدون مايكل كورليوني في الأب الروحي.

إنسان فينيس غليغان

أبدع مُخرج العمل فينيس غليغان في تصوير بطل العمل والتر وايت باعتباره أحد تجليات عصر الحداثة، والرأسمالية، حيث الرجل النمطي التابع لمؤسسة انضباطية كالمدرسة، وفي نفس الوقت يعمل في مغسلة من أجل جني الأموال، هنا تصبح حياة "والتر وايت" نمطية، لذلك تعلّقنا بالرجل لأنه يُشبهنا في رحلة حياتنا التقليدية، القائمة على إيجاد وظيفة، ثم العمل، ثم الزواج (مسار تقليدي إن صح التعبير).

لكن إنسان فينيس غليغان الذي عبَّر عنه والتر وايت وآخرون في أعمال مثل:

 "سول جولدمان" Better call soul

 "جيسي بينكمان" EL camino

ما هو إلا صرخة ضد التنميط والمؤسسية التي أنتجتها الحداثة وعملت على تقييدها في إطار وظائف محددة، ومن خلال مؤسسات أبرزها: الرأسمالية لُتجهز على هذا الإنسان.

 هنا معضلة إنسان فينيس غليغان الحقيقية، والذي رغم انتمائه لأسرة فإنه يعتبر وحيداً في مواجهة هذا العالم.

أتت لحظة السرطان لتكشف لنا عن ماضي والتر الذي يستعيده في بعض الحلقات، لنرى أن حياة الرجل لم تكن صدفة في توجهه، فتلك اللحظة تعتبر بالنسبة لي صرخة الاستعادة لحقيقة والتر الضائعة بين جدران التدريس والمغسلة، وأحلامه التي باعها في صغره.

جاء الانتماء الأُسري كما عبَّر عنه المسلسل كاستمرار لحالة الفشل الداخلي الذي ظهرت عند والتر، وبشكل أوضح عند جيسي، إلا أن أول لقاء بينهما لم يكن إلا استعادة لماضي الرجلين، وأن والتر وايت كان مدرس الكيمياء لعدد من الطلاب ومنهم جيسي.

إنسان فينيس غليغان من "والتر وايت" مروراً بـ"جيسي بينكمان" لـ"مايك إيرمانتراوت" أمام معضلة الحياة/الموت يقف وحيداً كفارس "دون كيشوت"، يقاتل أشباحاً (طواحين الهواء والتنانين)، ورغم غرابة أهداف "دون كيشوت" التي اختلفت مع طموحات والتر فإن الاثنين خسرا ما يُريدانه.

هل نكره سكايلر حقاً؟

تتفق أغلب التعليقات على كراهية العنصر النسائي في المسلسل، لكنني وإن كنت أتشارك معهم هذه الكراهية إلا أن نموذج سكايلر يستحق الإعجاب، خاصة في رحلتها مع والتر، والتي تلخَّصت في الجزء الخامس، بعدما اختطف ابنته ليتصل بها ويخبرها عن حقيقتها، بأنها لم تكن شاكرةً لأي شيء فعله لأجل العائلة، هنا جوهر العلاقة بين والتر وسكايلر منذ البداية.

رغم انتماء والتر لعائلة فإنه انتماء كاذب من أجل إكمال صورة "والتر وايت" المفتقد إلى الدفء الأسري، والذي حاول أن يقيمه من خلال إمبراطورية الميثفتامين، فحياة والتر منذ البداية تتعرض لصدامات متتالية، وإن تقاطعت أزمنتها منذ مرض والده الذي لم يؤمّن له مستقبلاً، وظلَّ هذا الهاجس في مخيلة والتر من أجل تأمين مستقبل لأسرته حتى آخر لحظة، وبيعه لحصته في أول شركة مقابل خمسة آلاف دولار، إلى أن يتعرض للسرطان، ومع تلك الأحداث تظهر لنا خيانة سكايلر مع عشيق سابق "تيد"، وإعطاؤها أموال والتر له ليدفع الضرائب المتأخرة عليه.

كانت سكايلر بالنسبة لوالتر قيمة للفقد أكثر من العطاء، حتى وإن اشتركت معه في إدارة إمبراطوريته، ورغم الخيانة مع تيد فإن سكايلر أظهرت قيمتها الحقيقية عند ولادتها لابنتهما الصغيرة، وظلت تعلّمها كلمة "ماما"، رغم تلك الملاحظة البسيطة فإنها تعبر عن رؤية سكايلر لنفسها، وتؤكد على صحة كلام والتر لها.

مايكل كورليوني وهايزنبيرغ

هايزنبيرغ

أثناء متابعتي لمسلسل "BREAKING BAD" ظلت صورة الفيلم الأشهر على الإطلاق والمحبب لقلبي "THE GOD FATHER" تلقي بظلالها، فبالرغم من أن الفيلم ينتمي للقرن العشرين فإن مسلسل "BREAKING BAD" يعد النسخة الأحدث من الفيلم، رغم اختلاف الشخصيات.

مايكل كورليوني

 يظل "مايكل كورليوني"، و"والتر وايت" رغم ما اقترافاه من جرائم من الشخصيات المحببة إلى قلبي؛ كونهما أدركا لحظة الواقع، أو ما أسميه "اللحظة التأسيسية" التي أرى فيها تعبيراً عن حقيقة الإنسان مهما حاول الهروب منها، وتعاطفي أيضاً قادم من إدراكهما لواقع الأسرة، والذي يجب أن ينفصل عن عالمهما الإجرامي، وقدرتهما على قيادة الأمور بمعزل عن الأسرة.

المتتبع لسيرة الاثنين يجد أنهما منذ البداية يضعان حداً لأنشطتهما، فمايكل في الجزء الأول من "THE GOD FATHER" يحاول بقدر الإمكان إخفاء حقيقة نشاطه عن زوجته "كاي"، وكذلك والتر الذي منذ البداية وضع قواعد مع جيسي، فالأول يتولى الإنتاج، بينما الثاني يتولى البيع وعدم دخوله في حياته الأسرية، والقيام بإخفاء هاتف للتواصل مع جيسي.

ظلَّ مايكل رافضاً لأنشطة أبيه في البداية، إلا أن التهديد الحاصل لوالده جعله يدرك أنه جزء من لعبة أبيه رغم هروبه منها، وكذلك "والتر" الذي ظلَّ متسامحاً مع حياته، وكانت لحظة السرطان مناسبةً لاسترجاع ماضيه وذكرياته عن أبيه، الذي لم يترك له شيئاً، هنا قرَّر والتر الدخول في عالم المخدرات بإرادته، مثلما قرر مايكل الدفاع عن أسرته.

خنجر من حرير

"أنا خنجر من حرير" محمود درويش، خطب الدكتاتور الموزونة.

 عبّرت تلك المقولة بحق عن "والتر وايت"، الذي جعلنا نتعاطف معه طيلة المسلسل، حتى وهو يرتكب أبشع جرائمه، وطريقته في التحدث، لتظهر لنا شخصية "هايزنبيرغ" بعبقريته وإيمانه بقوته، والتي تجلّت في أشهر عبارة أطلقها المسلسل I am the dander. 

فالملاحَظ في انتقامات والتر وايت هو عدد من النقاط:

  • إن كان الخطر على أسرة والتر كما حاول "جوستافو فرينغ"، و"ويلكر"
  • أو شخص قريب منه كحالة جيسي مع توغو سالامانكا لم يكن هو البادئ في القتل، وإنما كان رد الفعل في جميع حالات الانتقام التي فعلها والتر بنفسه.
  • سالامانكا والربط بين الحاضر والماضي
  • العمل الدرامي الجيد لا ينبع من السيناريو فقط، وإنما من محاولة الاهتمام بالشخصيات الثانوية، أو التي تظهر بين حين وآخر، وهناك أمثلة مهمة في المسلسل، ولكنني أركّز هنا على شخصية "هيكتور سالامانكا" بالتحديد، مع احترام شديد لشخصية "مايك"، الذي قام بدوره العظيم جوناثان بانكس.

لماذا هيكتور سالامانكا؟

هيكتور سالامانك

لم يكن هيكتور سالامانكا مجرد شخصية أو قائد لأسرة أتعبت والتر وايت منذ البداية، وحاولت في مرات التخلص من والتر، ورغم اقتراب الأسرة من اغتيال "والتر" فإنها فشلت، إلا أن "هيكتور" القعيد يعتبر بالنسبة لي شخصية شكّلت مساراً لرحلة "جوستافو فرينغ"، زعيم المخدرات الذي عمل تحت قيادته "والتر" في مرحلة من مراحل حياته قبل أن يغتاله والتر.

قيمة "هيكتور سالامانكا" وتوظيف "فينيس غليغان" ساهما بشكل كبير في تشكيل أحد أعظم مظاهر الانتقام في تاريخ المسلسلات، خاصة أن هيكتور يعتبر الفصل الأول والأخير في رحلة صعود جوستافو فرينغ.

لم يكن مسلسل breaking bad وبطله "والتر وايت"، ومخرجه "فينيس غليغان" مجرد مسلسل عن رحلة صعود وهبوط لهايزنبيرغ "تاجر المخدرات"، وإنما رحلة داخل ذواتنا التي تعاطفت مع هايزنبيرغ وتشاركت معه أحلامه، وجاء تعلقنا بـ"دون كيشوت" تماماً كتعلقنا بـ"هايزنبيرغ".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي علاء
مهتم بالشأن التاريخى الحديث والمعاصر
خريج كلية تربية قسم تاريخ ومدرس، ومهتم بالشأن التاريخى الحديث والمعاصر.
تحميل المزيد