هل تذكرون "مفيد الوحش" الذي قطع ذنَب حمار بقريته في أولى محاولاته لإثبات نفسه "كرجل"، في مسلسل "نهاية رجل شجاع"؟
إذا كنتم قد شاهدتم المسلسل، فأكاد أجزم بأنكم تذكرون عديداً من مشاهده، خصوصاً مشهد أطفال القرية الذين يتبعون مفيداً وهم يقولون "مفيد الوحش اللي قطع دنب الجحش"، وبالتأكيد تذكرون المشهد الأخير عندما يدفع "مفيد" بكرسيه المتحرك باتجاه البحر، ليغرق ويغرق معه من حاول استغلال ضعفه.
ليس من السهل نسيان تلك المشاهد، فـ"نهاية رجل شجاع" من الأعمال الدرامية التي حُفرت بذاكرة عديد من السوريين والعرب، والتي شكَّلت تحولاً في تاريخ الدراما السورية.
كيف لا وقد اقتُبس العمل عن رواية "نهاية رجل شجاع" للروائي السوري المعروف حنا مينة، وأخرجه نجدت أنزور.
"نهاية رجل شجاع" عن رواية حنا مينة
صدرت رواية الكاتب السوري حنا مينة "نهاية رجل شجاع" في العام 1990، وقد لمع نجم هذه الرواية في أنحاء سوريا كافة بعد 4 سنوات، عندما اقتبس منها التلفزيون السوري مسلسلاً درامياً يحمل الاسم نفسه في العام 1994.
تدور القصة حول "مفيد"، الشاب العنيد والثائر الذي يعيش في قرية من قرى الساحل السوري والذي جاهد والده ليعلِّمه ويؤدبه، لكنه فشل في مسعاه؛ لاتخاذه من العنف سبيلاً في تربية مفيد.
انعكست قسوة الأب على شخصية مفيد، الذي بات بدوره شخصاً صعب المراس وعنيفاً وعدوانياً، حتى إنه قطع ذنَب حمار في القرية، ليصنع منه "كرباجاً" كذاك الذي رآه في أيدي الدرك، وما كانت فعلته هذه إلا محاولة من محاولات عديدة لاحقة، لإثبات ذاته وتحدي المجتمع الذي يعيش فيه.
وكما هو متوقع، عاقبه أبوه عقاباً قاسياً جزاء فعلته، بربطه وجلده، ولقَّبه أهل القرية بالوحش، وسارت على ألسنة الأطفال عبارة "مفيد الوحش اللي قطع ذنَب الجحش"، والتي لا يزال كثيرون ممن شاهدوا المسلسل يتذكرونها حتى اليوم.
ترك مفيد القرية وسُجن "عندما جاء المحتل الفرنسي" سنتين، وبعد خروجه من السجن تزوج بامرأةٍ اسمها لبيبة، ثم عمل في ميناء اللاذقية، وفي أثناء ذلك كله لم يتخلَّ عن طبعه العنيف، ونتيجة مشاجرةٍ سُجن مرة أخرى خمس سنوات، أصيب خلالها بمرض السكر؛ مما أدى إلى قطع ساقه.
وبعد خروجه من السجن، زهد مفيد الوحش في الحياة، لكنه لم يسمح لأحد بأن يكسره أو يستغل ضعفه مع ذلك، فخاض آخر معاركه على كرسي متحرك، وقتل شخصاً كان يحاول استغلاله ثم انتحر.
حافظ المسلسل على الخط الدرامي للرواية مع بعض التعديلات.
ربما اضطر كاتب السيناريو إلى أن يغيّر في سير الأحداث كي يستطيع المخرج استبدال سعد مينة بأيمن زيدان، فلعب على الزمن وجعل الحكم الأول بالسجن خمس سنوات؛ كي يتقبل الجمهور شكل مفيد بعد خروجه من السجن في الحلقة الرابعة.
الدور الذي نقل أيمن زيدان إلى النجومية
كان هذا المسلسل نقطة الانطلاق التي نقلت الممثل السوري أيمن زيدان إلى النجومية، وأصبح من بعده من نجوم الصف الأول.
لم يكن زيدان المدين الوحيد لـ"نهاية رجل شجاع"، فقد شكَّل هذا المسلسل كذلك انطلاقة للممثلة السورية "سوزان نجم الدين" التي قامت بدور لبيبة زوجة مفيد.
كذلك لعب "سعد مينة" ابن الروائي حنا مينة، دور مفيد في شبابه، ليشكل هذا الدور ظهوره الأول بدور بطولة في عمل تلفزيوني.
وضم المسلسل مجموعة من النجوم السوريين مثل "منى واصف، وخالد تاجا، وبسام لطفي، وفارس الحلو، وعبدالرحمن آل رشي".
اللغة البيضاء
يؤخذ على المسلسل التطبيع اللغوي الذي حرصت عليه معظم المسلسلات السورية لترويج لهجة سورية محددة سميت "البيضاء"، حيث تتماهى بقية اللهجات المميزة لكل محافظة وتذوب فلا تكاد تبيّن خصوصية المنطقة التي تدور أحداث المسلسل فيها.. وعلى الرغم من أن بعض المسلسلات التي دارت أحداثها في البيئة الحلبية، قد استُثنيت من القاعدة، فإن أغلب المسلسلات الأخرى حرصت على تصدير هذه اللهجة "البيضاء".
وفي حالة "نهاية رجل شجاع" تدور أحداث المسلسل في قرى بانياس ومدينة بانياس واللاذقية ومع ذلك يتحدث الممثلون بلهجة شامية تختلف كثيراً عن لهجة أهالي تلك المناطق.
الموسيقى بطل آخر في المسلسل
كما كان "نهاية رجل شجاع" نقطة تحوُّل في الحياة المهنية لعديد من الفنانين المشاركين فيه، فقد كان كذلك نقطة تحوُّل في الحياة المهنية للملحن والمؤلف الموسيقي والعازف الأردني الشاب طارق الناصر.
فقد ذاع اسم الناصر بعد أن قام بتأليف الموسيقى التصويرية العبقرية للمسلسل، والتي حازت استحسان المشاهدين الذين لايزالون يذكرونها إلى اليوم، فقد كانت شارة المسلسل لا تقل إثارة عن أحداث الحلقات.
عمل مفصلي قي تاريخ التلفزيون السوري
اعتُبر هذا العمل مفصلياً في تاريخ التلفزيون السوري، فهو من أوائل الأعمال التي يتم تصويرها باستخدام الكاميرا الواحدة أي بأسلوب الإخراج السينمائي، وكان مسلسل "نهاية رجل شجاع" قفزة وتحوُّلاً كبيراً في نوعية الأعمال التلفزيونية السورية والعربية، إذ أبدع المخرج نجدة إسماعيل أنزور بشكل كبير في هذا العمل، كما لقِي صدىً واسعاً في العالم العربي.