"لا تصالح".. هذا ما كتبه كليب بن ربيعة بدمائه على صخرة، بعد أن طعنه ابن عمه جساس في ظهره، موجهاً نداءه لأخيه الزير سالم أبوليلى المهلهل كي يأخذ بثأره ويبدأ حرباً استمرت 40 عاماً بين تغلب وبني شيبان سميت بـ"حرب البسوس".
إذا لم تكن مطلعاً على تاريخ العرب ما قبل الإسلام، وتحفظ مع ذلك هذه القصة عن ظهر قلب، فلا بد أنك قد شاهدت مسلسل "الزير سالم" الذي أخرجه السوري حاتم علي وأنتجته شبكة MBC في عام 2000.
"الزير سالم" شهرة واسعة في كافة أنحاء الوطن العربي
حاز مسلسل الزير سالم، الذي عُرض قبل 20 عاماً من الآن، شهرة واسعة في كافة أرجاء الوطن العربي، ولعله من الأعمال الدرامية الأيقونية التي لا زالت عالقة في أذهان الكثيرين.
ولا عجب في ذلك، إذ اجتمعت عدة عوامل ساهمت في رواج هذا العمل، أبرزها الحبكة الدرامية الشيقة التي ألفها الراحل ممدوح عدوان، والإبداع الذي أُخرج به العمل من قِبل حاتم علي، واجتماع عدد كبير من نجوم الدراما السورية في هذا العمل مثل سلوم حداد وفاديا خطاب وخالد تاجا وعابد فهد وفرح بسيسو وسمر سامي وسامر المصري وغيرهم.
كما كان "الزير سالم" انطلاقة للعديد من الوجوه الشابة إلى عالم النجومية، كان أبرزهم تيم حسن وتاج حيدر.
40 عاماً من الدماء من أجل ناقة
سالت الدماء على مدار أربعين عاماً (وقيل عشرين ونيف) وقتل أبناء العمومة بعضهم بعضاً، والغريب أن "ناقة" كانت السبب.
إلا أن تلك الناقة لم تكن ناقة عادية، بل كانت ملكاً للبسوس بنت منقذ، خالة جساس بن مرة الشيباني، وقد عقرها ابن عمه وزوج أخته الجليلة، كليب بن ربيعة لأنها كانت ترعى في حماه دون إذن منه.
استبد الغضب بجساس لمقتل ناقة خالته، فذهب وراء كليب معاتباً ومغاضباً، إلا أن الأخير استهزأ به وأدار له ظهره ولم يلتفت لمحادثته، فما كان من جساس إلا أن طعنه بظهره وأرداه صريعاً.
وحين وصل الخبر إلى الزير سالم أقسم بأنه سيقتل جميع من في قبيلة بني بكر مقابل أخيه كليب، فاشتعلت حرب لم تخمد نيرانها إلا عند مقتل جساس بعد عدة سنوات على يد الجرو بن كليب.
سلوم حداد يبكي عند قراءة النص
اشتهر الفنان السوري سلوم حداد بالعديد من المسلسلات الدرامية مثل خان الحرير وحمام القيشاني ومسلسلات الفنتازيا التاريخية مثل الكواسر والعبابيد، لكن دوره في مسلسل "الزير السالم" كان نقلة نوعية في تاريخه الفني، إذ حقق هذا العمل شهرة ونجاحاً لم تكن من نصيب أعمال حداد السابقة.
وقد ذكر الممثل السوري في أحد لقاءاته أنه لم يكن في البداية مقتنعاً بالدور، وأن كثيرين نصحوه بعدم أدائه لما يحويه من مشاهد عنف ودموية وصراع بين أبناء العمومة.
لكن منذ بدأ بقراءة النص لم يتوقف حتى انتهى من حلقاته الأربعين كاملة، وقال إنه بكى كثيراً أثناء القراءة، وأيقن أنه يرغب بشدة بتجسيد هذا الدور.
وقد ذكر حداد أيضاً أن لم يكن يتوقع على الإطلاق النجاح الباهر الذي حققه المسلسل لا سيما في دول الخليج العربي.
تيم حسن لم يكن راضياً عن أدائه
نستطيع القول إن دور تيم حسن في مسلسل "الزير سالم" كان انطلاقته الأولى في عالم الدراما، فقد كان لا يزال طالباً في المعهد المسرحي عندما عرض عليه المخرج حاتم علي أداء دور الجرو بن كليب
وبالرغم من النجاح ونسب المشاهدات العالية التي حققها المسلسل، ذكر تيم حسن في أحد مقابلاته أنه لم يكن معجباً بمشاهده في المسلسل ولا راضياً عن أدائه فقد كان لا يزال في بداياته آنذاك، وأنه تمنى لو لم يحقق "الزير سالم" كل ذلك الانتشار.
مع ذلك لم ينكر تيم حسن أن هذا المسلسل كان فرصته الأولى للوقوف أمام عمالقة الفن السوري مثل خالد تاجا وسلوم حداد وعابد فهد وبسام كوسا وجهاد سعد.
مدخل طاهر ماملي إلى الدراما
إذا كنت قد شاهدت مسلسل الزير سالم، فلا بد أنك تذكر إلى الآن الموسيقى التصويرية الملحمية للمسلسل بالرغم من مرور عشرين عاماً على عرضه، لكنك قد لا تعلم أنها من تأليف الموسيقار السوري طاهر مامللي.
إذ كان مسلسل الزير سالم سبباً في دخول مامللي إلى عالم الدراما السورية من أوسع أبوابها، بفضل عمله المميز في "الزير سالم"، فألف بعد ذلك الموسيقى التصويرية للعديد من المسلسلات السورية نذكر منها "أهل الغرام" و"بقعة ضوء" و"ذكريات الزمن القادم" و"التغريبة الفلسطينية" و"الفصول الأربعة".
مغالطات تاريخية
رصد بعض المهتمين بشؤون التاريخ بعض المغالطات التاريخية التي وقع فيها المؤلف ممدوح عدوان والتي كان بعضها لأغراض درامية لا أكثر.
وأشهر تلك المغالطات هي بيت الشعر الشهير المنسوب للزير سالم عندما قتله العبدان، إذ قال وفقاً لرواية المسلسل:
من مبلغ الحيين أن مهلهلاً لله ردكما ودر أبيكما
إذ يؤكد المؤرخون أن المهلهل هنا ليس الزير سالم، بل هو تاجر عربي قديم في العصر الأموي قتله رفيقه فأرسل لابنتيه هذه الأبيات ليتمكنا من معرفة قتلته، ولا يوجد تأكيد على أن من قالها هو الزير.
ولم يثبت تاريخياً أن كليباً وأعوانه قد دخلوا قصر التبع اليماني لاسترداد الجليلة كما ورد في المسلسل، بل يرجح المؤرخون أن المعركة تمت خارج أبواب القصر، حيث لم تكن جليلة قد زُفت بالأساس إلى الملك، كما ورد في المسلسل.