الفن هو كل عملٍ أُنجز بصورة مميزة وفريدة بعيدة عن الرتابةِ والروتين، لتخاطب النفس البشرية للتمعن فيها، والتدقيق في تفاصيلها، ومهما كانت ميول الإنسان، فإن له ميولاً فنية أو ما يُعرف بــ "درجة التذوق الفني"، وبالتأكيد فإن هذه الدرجة تختلف من إنسان إلى آخر، فبعضهم قد يميل إلى الموسيقى، والبعض الآخر يميل إلى الفن التشكيلي أو السينما، أو إلى أكثر من لونٍ فني.
فإن جوانب الحياة المختلفة تؤثر بشكلٍ مباشر، في حياة الإنسان، سواء بالسلب أو الإيجاب، وهذا التأثير سيبرز بشكلٍ واضح على سلوكيات البشر، من تعامُل وآراء وغيرها، وبالتأكيد فإن الإنسان سيبحث عن أي مَنفذ للتخلص من السلبيات المحيطة به، من خلال الأدوات والطرق المتاحة، وهنا سيبرز دور "الفن"، حيث سيُمثِّل أداة فعالة لشعور الإنسان بالرضى النفسي الذي يحقق حالة السلام الداخلي للنفس البشرية.
قد يختلف البعض في طريقة التعبير الفني، وهو ما يجعل تذوقه متبايناً لفئة دونما أخرى، لكن يبقى في المحصلة النهائية وسيلة فعالة للتأثير والتأثر، فالفن سلاح ذو حدين إذا ما تم استخدامه بشكلٍ صحيح، فهو بكل الحالات والأوجه يمثل "رسالة فنية بحتة"، لكن في بعض الأحيان يتم استخدامه لشيطنة فئة أو جهة معينة بهدف خلق تأثير سلوكي ضدهم، ومثال ذلك، في أغلب مشاهد الأفلام الأجنبية كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط تكون صورته نمطية (صحراء-جمال-راعٍ-مسلحون بلثام-حياة بدائية)، في حين أن الواقع مختلف بعض الشيء -هذا لا يعني أن المنطقة تعيش رفاهية- لكن الهدف صنع صورة نمطية للحياة هناك، وقد نجد في المقابل أن الحياة في الغرب مشابهة للحياة بالشرق نوعاً ما، من حيث وجود المشردين والفقر وقلة المدارس وارتفاع معدلات العنف وغيرها.
أو تكون طرق التعبير الفني إيجابية، ومثال ذلك بعض صفحات التواصل الاجتماعي التي تعرض كيفية الاستفادة من المواد والأدوات الموجودة حولنا بدل إتلافها أو رميها، أو قد تكون طرق التعبير واقعية جداً، كصنع مجسم من نفايات البلاستيك لحيوان الحوت، ووضعه بالقرب من الشاطئ، في إشارة إلى التلوث البيئي الذي نعيشه اليوم.
أهمية الفن ليست بما يطرحه بقدر الفكرة الضمنية الإنسانية التي يحاول إيصالها، فالتأثير لا يشمل المتلقي فقط؛ بل يشمل حتى صاحب الفكرة (الفنان)، الذي تأثر بموضوعات معقدة معينة وحاول التعبير عنها بطريقة خاصة ومميزة، لتنتج عنها حالة من الرضى النفسي والمعنوي للفنان.
إن الاهتمام بالفن أصبح يلقى رواجاً أكبر في الفترة الأخيرة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد ثورات الربيع العربي التي شهدتها بعض البلدان، فالانفتاح والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كانت خير معين لهذه النقلة النوعية؛ بل أصبحت هناك طرق وأدوات جديدة للتعبير الفني فيما عدا الطرق التقليدية الأخرى.
برغم كل ذلك فإن النظام التعليمي في أغلب البلدان الشرقية ما زال غير مهتم بهذه المادة، معتبراً إياها نوعاً من "التفاهة"، أو مَضيعة للوقت، والاهتمام فقط بالكيمياء والفيزياء والرياضيات والأحياء، كأن الجميع خُلق ليكون طبيباً أو مهندساً أو عالِماً! التعليم يجب أن يكون متنوعاً برغم الاختصاصات المهمة المذكورة آنفاً.
الفن تبرُز أهميته في محاكاة الواقع الذي لم نعشه سابقاً، فهو يعبر عن الفلكلور والتراث الشعبي لأي تجمُّع بشري، من ملابس وأدوات وعادات وتقاليد وغيرها، والهدف من ذلك هو التعبير عن هوية الشعوب وعرض التغييرات والأمور التي تبدلت في حياتهم، أو قد يكون معبراً عن الواقع الحالي الذي نعيشه اليوم والمتمثل بعصر التكنولوجيا والتطور الرقمي، الذي جعل الناس تشعر بضعف الأواصر الاجتماعية بسبب الحداثة.
الفن وإن تعددت صوره وأشكاله، فهو جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، والاهتمام به وتطوير أساليب إنتاجه مسؤولية كبيرة ومهمة، فهو أحد أسباب التأثير المباشر في النفس البشرية وأهمها، لأنه لغة يفهمها كل سكان العالم، وفي المحصلة النهائية لا بد من الإقرار بأن الحياة بلا فن مثل الحياة بلا ماء.
بكر محيي هو صحفي فني، مهتم بالفلكلور والتراث الشعبي، وأيضاً الجانب الاقتصادي، خريج كلية الفنون التطبيقية 2013.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.