أعلنت شبكة Netflix مؤخراً عن طرحها مسلسل The Spy (الجاسوس) الذي يمتد لموسمٍ واحدٍ من 6 حلقات، وحددت 6 سبتمبر/أيلول 2019 موعداً لعرضه؛ ويتناول سيرة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي وصل بعلاقته لدوائر صنع القرار في الحكومة السورية بحسب الرواية الإسرائيلية؛ والذي كُشف أمره وحُوكم؛ وأُعدم علناً عام 1965.
لكن أكثر ما أثار فضول المتابعين هو إسناد دور البطولة في مسلسلها إلى الممثل البريطاني ساشا بارون كوهين؛ ليس لكونه من أصول يهودية بالطبع؛ ولكن نظراً إلى كون ساشا كوهين ممثلاً كوميدياً في الأصل؛ اشتهر بأدوار ساخرة فظة، تعتمد على التنميط العرقي والثقافي؛ وهو ما جعله يبدو كآخر اختيار ممكن لدور جاسوس يعتبره الإسرائيليون "بطلاً قومياً"، ويعتبره السوريون جاسوساً دخيلاً أُعدم جزاء تعاونه مع العدو.
Netflix.. أعمال الجاسوسية الإسرائيلية على قائمة الأولويات
المتابع بشكل جيد للشبكة الشهيرة يلاحظ فوراً اهتمام Netflix الواضح بتقديم أعمال فنية تتناول أعمال التجسس الإسرائيلي ضد العرب؛ ومن أشهرها فيلم The Angel (الملاك) الذي تناول سيرة رجل الأعمال المصري أشرف مروان، الذي تدّعي إسرائيل أنه عمل لصالحها داخل أروقة الدولة المصرية؛ في حين تُصر الدولة المصرية على أنه كان عميلاً مزدوجاً يعمل لصالحها.
فيلم آخر هو The Red Sea Diving Resort (منتجع غوص البحر الأحمر) عرضته Netflix، من بطولة الممثل الأمريكي كريس إيفانس – ممثل دور كابتن أمريكا الشهير في أفلام مارفل – ويتناول عملية استخباراتية إسرائيلية قام بها الموساد لإنقاذ وتهريب مجموعة من اليهود الإثيوبيين اللاجئين إلى إسرائيل عبر الأراضي السودانية.
وآخر أعمال التجسس الإسرائيلي التي تطرحها شبكة البثّ الشهيرة، مسلسل The Spy الذي يتبنّى الرواية الإسرائيلية لسيرة جاسوسها الشهير إيلي كوهين؛ أو الذي عُرف في سوريا باسم كامل أمين ثابت.
ساشا كوهين من الكوميديا الفظة إلى أروقة الموساد
ساشا بارون كوهين ممثل بريطاني من أصولٍ يهودية اشتهر بأدواره الكوميدية، التي يمكن وصفها بأنها غير صائبة سياسياً أو غير لائقة؛ نظراً إلى كونها تتناول الأنماط الثقافية بشكل ساخر فظ فيه كثير مما يوصف بالإساءة؛ من أشهرها دور بورات Borat في الفيلم الساخر الذي يتقمّص فيه دور صحافي كازاخستاني يسافر في رحلة إلى أمريكا؛ يظهر خلالها مدى تخلُّف وعنصرية وجهل الشخص الكازاخستاني، ما تسبب في أزمة كبيرة وقتها وأثار غضب الشعب الكازاخستاني وبعض شعوب المنطقة، بالنظر إلى أن معظم "العادات" التي أوردها كوهين في الفيلم لا تمت بصلة لكازاخستان.
ولكن سرعان ما أعجب ساشا بردّ الفعل هذا بشكل ما، وقام ببطولة فيلم الديكتاتور The Dictator؛ والذي أدى فيه دور الجنرال "علاء الدين" أحد الحكّام الوهميين لدولة وهمية "شرقية الثقافة" في الشرق الأوسط بالنمطية والسخرية ذاتها.
ساشا أيضاً لم يسء إلى مواطني الشرق الأوسط فقط، بل سخر من المثليين في فيلمه Bruno الذي أدى فيه دور عارض أزياء مثلي الجنس ونمط حياته غير المهتم إلا بالشهرة ولو على حساب الأطفال الذين يتبناهم للتظاهر فقط؛ كما سخر من مشجعي كرة القدم البريطانيين في فيلم Brothers Grimsby.
ولكن فاجأ ساشا كوهين جمهوره وترك أدواره النمطية، ليجسّد دوراً درامياً جاداً لسيرة الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين، والذي يعتبر أول دور رئيسي غير كوميدي له على الإطلاق.
ويبدو أن أداء ساشا كوهين في الأدوار الدرامية لم يعجب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فقالت في مراجعتها المبكرة لـ The Spy إن المسلسل مخيّب للآمال، ووصفته بأنه عمل متوسط الجودة لم يوحِ للمشاهد بالحقبة الزمنية؛ وقدم أداء مقنعاً ولكن غير الافت، وأن المسلسل من النوع الذي تحب الحكومة ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الوقوف خلفه، لما فيها من استعراض بطولة، رغم انتهاء حياة إيلي كوهين بالافتضاح والإعدام العلني.
ولكن صحيفة "جاروزاليم بوست" الإسرائيلية الأخرى كتبت في إحدى مراجعتها المبكرة – قبل طرح المسلسل – تحديداً:
"يصوّرهذا المسلسل في حلقاته الست، تمكُّن هذا (الأسطورة) في رحلته بذكائه من جعل إسرائيل توقف سوريا عن بناء برنامج نووي، وساعد إسرائيل في معرفة أماكن الهجوم بالتحديد في حرب الأيام الستة. لكن نجاحه لم يستمر، فقد كُشف وأُعدم في عام 1965".
الصحيفة الإسرائيلية ذكرت أنه ساعد في إنجاح النكسة العربية، على الرغم من أن إعدامه جاء قبل عامين من النكسة العربية عام 1967.
كوهين الجاسوس الذي فشل ولكن تحب إسرائيل التفاخر به
إسرائيل تعتبر إيلي كوهين إحدى معجزاتها، وأصدرت طابعاً بريدياً تذكارياً يحمل اسمه وصورته، ويُعتقد أنها تقف خلف إنتاج الفيلم الأمريكي الشهير The Impossible Spy (جاسوس المستحيل) في 1987 الذي تم تصويره في إسرائيل، كما أنشأت موقعاً إلكترونياً رسمياً خاصاً به باللغة العبرية.
كما قامت إذاعة الجيش الإسرائيلي عام 2018 بإذاعة بيان بنجاح الموساد في شراء ساعة يد كان يمتلكها:
"إن ساعة اليد تلك تم الحصول عليها في عملية استخباراتية، وهي العملية التي وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها عملية خاصة نفذها عناصر الموساد بحزم وشجاعة"، كما قام بتهنئة الموساد، الذي أعاد إلى إسرائيل تذكاراً من مقاتل عظيم قدّم الكثير لتعزيز أمن دولة إسرائيل.
ولكن على جانب آخر وكما تنص قواعد عالم الجاسوسية، فإن كشف أمر جاسوس وإعدامه هو الفشل الذريع بعينه في عالم يعتمد على الخداع، وتنجح ضرباته بالسرية، وهو ما يطرح التساؤل الشهير: هل نجح إيلي كوهين في مسعاه بالتقرب من دوائر السلطة السورية، أم فشل بعد اكتشاف أمره وإعدامه؟
تهوّن الروايات الرسمية السورية من قيمة الجاسوس إيلي كوهين، وتقول إن ما أرسله إلى إسرائيل كان في معظمه معلومات عامة، وإنه فشل في اختراق القيادات العسكرية والسياسية حسبما يُشاع، واقتصرت علاقاته على الضابط معز زهر الدين الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، إضافة إلى مدني يُدعى جورج سالم سيف.