مثلما هو حال العديد من جوانب البروتوكولات الملكية، يتطور دور المربية في العائلة الملكية مع كل جيل، منذ عهد الملكة فيكتوريا، عندما كان من المتوقع أن تتولى الحاضنات والمربيات السلطة الكاملة في الحضانة، ويكرّسن حياتهن بالكامل لهذه المسؤوليات، إلى الجيل الأحدث من آباء وأمهات العائلة الملكية، الذين يتبعون نهجاً عملياً أكثر تدخلاً في تربية أطفالهم، والاستعانة بالمربيات فقط لملء الفجوات.
ما بين الرسمية والحداثة
من نواحٍ كثيرة تُعتبر اختيارات رعاية الأطفال في العائلة الملكية مؤشراً جيداً على مرّ العصور كما يقول موقع Stuff النيوزيلندي. فالأمير ويليام، على سبيل المثال، لَطالما اتَّبع أسلوباً حديثاً كلياً مع ابنه، مقارنة بوالديه اللذين منحا أبنائهما تنشئة رسمية للغاية، قديمة الطراز.
في الواقع، كان دوق ودوقة كامبريدج محور الأحاديث في الدوائر الاجتماعية، عندما أعلنا حاجتهما إلى مدبّرة منزل عامة، وليس مربية، عقب ولادة الأمير جورج (على الرغم من تعيينهما وقتها المربية ماريا بورالو، خريجة كلية نورلاد لرعاية الأطفال، بدوام كامل).
والآن، حان الوقت لدوق ودوقة ساسكس للخوض في حقل ألغام الأبوة والأمومة. تعرَّض الزوجان بالفعل للنقد بسبب العديد من الخيارات، على الرغم من أن مزاعم تجربتهما لعدد متتابع من المربيات بالفعل لا أساس لها.
وكشفت الصور التي نشرتها صحيفة The Sun البريطانية، هذا الأسبوع، عن مُربّيتهما البريطانية الجديدة، التي تعمل معهما الآن بدوام كامل، ومن المنتظر أن تظهر في جولتهما الخريفية، وترافقهما في رحلتهما إلى فرنسا.
ثنائي عصري
وتقول بيني جونور، كاتبة السيرة الذاتية الملكية: "يصل إليك الانطباع بأن زوجي ساسكس ثنائي عصري للغاية، وأن الدوقة لديها أمور تودّ أن تفعلها، تريد ميغان الخروج إلى العالم، ولهذا السبب تحتاج إلى المربيات. لقد كانت في ويمبلدون من وقت قريب، بينما معظم الأمهات في تلك المرحلة يسعين فقط إلى اختلاس لحظات للنوم" .
وأضافت جونور: "يبدو أيضاً أن كيت أم عملية ومشاركة على نحوٍ جميل، إنها أقرب إلى الأم العاملة الطبيعية، تستعين بوالديها لرعاية أطفالها، مثلما يفعل كثير من الآباء. وربما لا يكون ذلك متاحاً لميغان وهاري، حيث تقيم دوريا، والدة ميغان، في لوس أنجلوس" .
خلال تنشئتهما، استعان والدا وليام وهاري بمجموعة متتابعة من المربيات، آخرهن تيغي ليج بورك، التي كانت ضيفة مميزة في زفاف كل منهما. كانت تيغي خياراً غير تقليدي، استعان بها الأمير تشارلز عام 1993 عقب انفصاله عن ديانا، أميرة ويلز، عندما احتاج إلى شخص يساعده في العناية بابنيه، اللذين كانا في مرحلة سنيّة أكبر من الحاجة إلى مربية.
وبدلاً من السيطرة على مقاليد الحضانة الملكية، أصبحت تيغي الشابة بمثابة الأخت الكبرى وصديقة للأميرين، ورافقتهما في رحلاتهما مع والدهما، الأمر الذي جعل ديانا تشعر بالتهديد من تيغي، حتى إنها كتبت خطاباً لحارسها الشخصي، بول بوريل، ظهر لاحقاً خلال التحقيق في وفاتها، زعمت فيه أنَّ الأمير تشارلز يخطط لقتلها، لكي يستطيع "الزواج من تيغي" .
الغيرة من المربيات
وكتبت الأميرة ديانا: "زوجي يخطِّط لـ "حادث" بسيارتي… لكي يفسح لنفسه طريقاً للزواج من تيغي". وقالت إنها سرَّحت إحدى مربيات ابنيها السابقات، باربرا بارنس، لأنها شعرت بالغيرة بسبب ارتباط ويليام الوثيق بها.
وقالت كاتي نيكول، الصحفية وكاتبة السِّير الذاتية الملكية، في فيلم وثائقي صدر العام الماضي: "كان هناك جانب من (شخصية) ديانا يشعر بالغيرة من المربيات وعلاقاتهن بطفليها" .
كانت ديانا تتبع المدرسة الأرستقراطية التقليدية في التنشئة، خاصة أنها قضت سنواتها الأولى في جناح الحضانة في منزل "بارك هاوس"، بالقرب من مقاطعة ساندرينغهام. كان الأطفال في ذلك الوقت يقضون كلّ لحظة من يومهم مع مربيتهم. ولم تبتعد ديانا عن تلك المدرسة القديمة في التنشئة، عندما تعلَّق الأمر بولديها.
قالت جونور: "كانت محبّة للغاية، وكان هناك عناق كثير، لكن الطفلين كانا يعيشان في جناح الحضانة بعيداً عنها، ويتناولان الوجبات مع المربية" .
لم تختلف طفولة الأمير تشارلز كثيراً، إذ نشأ مع سلسلة من المربيات، ظلَّت إحداهن (مابل أندرسون) تحظى بمكانة كبيرة لدى أطفال الملكة الأربعة. وأشير إلى مابل أندرسون ذات مرة بأنها "المرأة الأكثر تأثيراً في حياة الأمير تشارلز"، بينما وصفها هو بـ "الملاذ الآمن، الملاذ الرائع" .
وكانت قريبة أيضاً من الأميرة آن، التي عادت من أجلها من "تقاعدها" مؤقتاً لمساعدتها في تربية ابنها، بيتر فيليبس. وقيل إنَّ أندرسون هي أول مربية تحظى بخبز القمح الكامل على طاولة إفطار أطفال العائلة الملكية. وتقاعدت أخيراً في عام 1981، بعد 32 عاماً من الخدمة.
لكن كانت هناك بعض المربيات الملكيات أقل حظاً، مثل هيلين لايتبودي، المربية الاسكتلندية الصارمة، التي فُصلت عام 1956 بسبب خلافها مع الملكة حول مدى ملاءمة نوع معين من حلوى البودينغ لمعدة الأمير تشارلز، ذي الثماني سنوات آنذاك.
إنه أمر متكرر، هناك مجموعة كبيرة من مربيات القصر صُرفوا من أعمالهن بسبب مزاعم تجاوزهن الحدود. مربية الملكة نفسها، ماريون كراوفورد، التي كان يُطلق عليها "كراوفي المحبوبة"، سُرِّحت من الخدمة عندما بدأت الكتابة عن الأميرات في المجلات الأمريكية (وكانت الأميرة إليزابيث قد تزوَّجت في ذلك الوقت، ولم تعد بحاجة إلى مربية).
كانت الملكة إليزابيث غاضبة، وأعلنت أن كراوفي "تصرفت بطريقة خاطئة" ورفضت رؤيتها مرة أخرى. وبعدما أدركت أنه لا سبيل للعودة، نشرت كراوفي في العام التالي كتاب "The Little Princesses"، عن إليزابيث الثانية، الجادة والأنيقة، والصغيرة المبتهجة مارغريت روز. وتقاعدت لاحقاً في مدينة أبردين الاسكتلندية، حيث اشترت منزلاً على بعد 180 متراً من قلعة بالمورال. وعلى الرغم من مرور أفراد العائلة الملكية بانتظام من أمام بابها في طريقهم إلى القلعة، لم يقدموا على زيارتها قط.
ويقال إن والد الملكة جورج السادس، وإدوارد الثامن تعرَّضا للإساءة من إحدى مربياتهن الأوائل، وهو ما يظهر في فيلم The King's Speech، عندما يقول جورج، الذي يؤدي دوره الممثل كولين فيرث، لمعالج النطق إن مربيته الأولى كانت تقرصه لكي يبكي قبل أن تسلمه إلى والديه. مما كان يدفع والديه لإعادة الطفل الباكي إلى المربية، التي تستمر حينها في تعذيب ومضايقة الأمير الصغير. وقال فيرث في الفيلم: "لقد استغرق الأمر ثلاث سنوات لكي يدرك والديّ ذلك".
وظيفة المربية في القصور الملكية تغيّرت كثيراً
وبطبيعة الحال، تغيرت الشهادات والواجبات المطلوبة من المربية لدى العائلة الملكية على مر القرون. على سبيل المثال؛ اضطر تشارلز الأول إلى تغيير المربية الأولى لابنه الأكبر، كونتيسة روكسبورغ، بسبب اعتراض الجمهور البروتستانتي على توّلي كاثوليكية رومانية مسؤولية تربية ملكهم المستقبلي، تشارلز الثاني. بينما في حالة لويز ليهزن، مربية وحاضنة الملكة فيكتوريا (التي كرست نفسها 20 عاماً من أجل الأميرة)، فقد اختارتها دوقة كنت خصيصاً للعناية بأميرتها الصغيرة لأنها بدت من النوع الذي يُنفّذ ما يُطلب منه.
وكانت الدوقة، في ذلك الوقت، تُصرّ على منصب الوصاية، الذي يتيح لها حكم البلاد من خلال ابنتها. ويُقال إن ليهزن تولت حماية ربيبتها الشابة، وعندما تولت فيكتوريا عرش بريطانيا أخيراً عام 1937، كافأت المربية ذات الثلاثة وخمسين عاماً بمنصب السكرتير الشخصي، إلى جانب دفاتر الحساب ومجموعة المفاتيح. وكان الأمير ألبرت يرى أن زوجته تخضع لسيطرة خادمة مغرورة متجاوزة الحدود، وأشار إليها بـ "العجوز الشمطاء"، ولكنها لم تتفهم وجهة نظره على الإطلاق.
وينتمي دوق ودوقة ساسكس إلى الجيل الجديد من آباء العائلة الملكية الذين يصرون على الموازنة بين واجباتهم الملكية وعلاقتهم المقربة مع أطفالهم. ويبدو أن حلهم لمشكلة القرن الحادي والعشرين للموازنة بين العمل والحياة سيكون نهجاً عملياً للتربية مع الكثير من المساعدة من مربيات بدوام جزئي وأفراد العائلة (من المرجح تقدم والدة الدوقة، دوريا، يد المساعدة كلما كانت في بريطانيا).
لكن يبدو أن اختيارهم لمرافق دائم لطفلهم، آرتشي، سيكون حاسماً في النهاية. تلعب المربية دوراً مهماً في حياة أي طفل، وعندما يجد الطفل نفسه وعائلته تحت الرقابة العامة المستمرة، قد يوفر "الوالد الثالث" مصدراً كبيراً للاستقرار.
وجد والد طفل ساسكس وجده الراحة والسكينة لدى مربياتهم خلال الأوقات الصعبة. فهل تكون مربية آرتشي الجديدة مثلما كانت تيغي لوالده؟