بعد عرض موسمه الأول شديد النجاح في ربيع 2017، استغل مسلسل The Handmaid's Tale (قصة خادمة) – المبني على رواية The Handmaid's Tale للروائية الكندية الشهيرة مارغريت آتوود -، أصداء عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الملائمة لقصته.
فإضافة إلى النجاح الجماهيري، نجح المسلسل في حصد جوائز إيمي لأفضل عمل درامي، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو، فضلاً عن غالبية جوائز التمثيل.
نجاح The Handmaid's Tale القاتم القاسي في اكتساح موسم الجوائز بهذا الشكل يرجع – بحسب كثيرين – إلى ملائمة توقيت عرضه للأحداث. إذ بدأ عرضه بينما كانت إدارة ترمب التي تولت ادارة البلاد منذ شهور قد بدأت العمل بأقصى جهدٍ لفرض سياسة تقيم الحواجز حول أميركا، كما يوضح جيك نيفينز الناقد الفني بصحيفة The Guardian البريطانية، في مقاله النقدي للموسم الثاني من المسلسل.
كانت المقاومة أيضاً قد بدأت تتبلور.
صارت صورة الخادمة في ردائها الدامي الحُمرة، وغطاء الرأس الأبيض الذي يحجب الرؤية رمزاً، نوعاً من الدعوة السياسية لمعارضة سياسات إدارة ترمب. ففي مظاهراتٍ مناهضة للرئيس الأميركي، ارتدت النساء أردية الخادمات التي تفتقر للشكل والتفاصيل، في إشارةٍ لوعيهن بمشاكل العدالة الاجتماعية، وكونهن معارضات لسياسة ترمب.
وربما يكون هذا هو السبب في أن آتوود قالت إن حكم ترمب ساهم في زيادة مبيعات روايتها التي تعد من نمط روايات الديستوبيا أو المدن الفاسدة (عكس اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة). ورغم أن حكم ترمب لا يمكن وصفه بالفاشية إلا أن الأجواء الغريبة التي سادت بعد فوزه توحي بأميركا مختلفة يخاف منها صانعو المسلسل وربما يخشون من تحول أميركا إلى أرض خصبة لفاشية من نوع ما.
إلى الظلام بالداخل.. أو إلى الضوء
لم تكن الخادمات في ذلك المسلسل كغيرهن من خادمات المنازل، بل كن نساء يتمتعن بالخصوبة والقدرة على الإنجاب يعشن في"غيلياد"، ذلك المكان البائس المحكوم بنظام ثيوقراطي تتعرض فيه النساء لحياة محفوفة بالمخاطر، وغير آدمية. بدايةً، من التعامل معهن بالضرب كما لو كنّ من الماشية، وصولاً إلى التعذيب الوحشي أو الشنق.
وبالنسبة لجون (تؤدي دورها الممثلة إليزابيث موس)، التي رفضت بشدة في نهاية الموسم الأول رجم إحدى رفيقاتها من الخادمات، كان ذلك يعني ركوب شاحنةٍ سوداء تمضي إلى المجهول في نهاية المسلسل، لا نعرف ما هي وجهتها. وهي النهاية التي تصفها الرواية الكلاسيكية لمارغريت آتوود عند هذا المنعطف الغامض ذاته بهذا السطر: "into the darkness within; or else the light"، أو "إلى الظلام بالداخل، أو إلى الضوء". لكنَّ هذا الغموض الموحي بكثير من الأفكار أتاح قدراً كبيراً من احتمالات النجاح في الموسم الثاني.
وفي الموسم الثاني رعب أكثر سوف يجيء
مع بداية الموسم الثاني، نكتشف أنَّ الشاحنة كانت متوجهة إلى فينواي بارك، حيثُ نمت الأعشاب على ما كان يوماً ما ملعبا للبيسبول، وحيثُ تنتظر المشانق الخادمات المُعارضات. وعلى نغمات اللحن الحزين المثير لأغنية This Women's Work لكيث بوش، يستمر مشهد البداية لثمان دقائق كاملة، وهو ما يبدو للمشاهدين وكأنه حلقة كاملة.. ولكنَّه يهيئك نفسياً لما سيأتي لاحقاً، وهو أكثر قتامة وقسوة ورعباً من الموسم الأول للمسلسل.
في أجواء كابوسية تشبه الفاشية تعيش أغلب النساء في غيلياد، حيثُ أصبحت الخصوبة من الموارد القومية، ويقوم القادة باغتصاب خادماتهم بصورةٍ ممنهجة، فيما يتم إرسال "من لم يعدن يتمتعن بالخصوبة" لتنظيف المخلفات النووية في "المستعمرات"، حيث لا يُمكن أن تكون آمال الحصول على الخلاص أقل تدنياً، الأمر الذي يُنتِج تجربة مشاهدة باعثة على الكآبة.
كل الخادمات تحت عين الأخ الأكبر
وفي حين يظَّل مسلسل The Handmaid's Tale عملاً درامياً مصنوعاً بمثالية، ويتضمن أداءً تمثيلياً رائعاً، كأداء اليزابيث موس التي قدمت مرةً أخرى أفضل أداء منفرد على شاشة التلفزيون، ومع ذلك فإن إطراء العمل بعباراتٍ رنانة سيكون تضليلا للقاريء. فالمسلسل لا يشبه الإدارة الأميركية الحالية إلى هذا الحد (إذا شاهدت المسلسل ستعرف أنَّ الروابط المفترضة بينها فيها الكثير من المغالاة، إذ لم تُناقش مسألة العرق تقريباً بالمسلسل)، وكذلك لأنََ صناعه مصممون على عرض أماكنَ مألوفة، مثل حديقة فينواي بارك التي كانت يوما ملعبا للبسبول أو صالةٍ رياضية في مدرسة متهالكة، كمواقع للتعذيب والاضطهاد، وغالباً ما تُصوَّر تلك المواقع من الجو، في إشارةٍ إلى "العين" التي تعيش تحت رقابتها الخادمات.
والسترات الواقية للجلادين
سار الموسم الثاني للمسلسل على خطى سابقه – الذي أخرجته ببراعة المخرجة ريد مورانو قبل أن ترحل عن طاقم العمل -، وذلك باستخدام درجات ألوان ثابتة، وزوايا حادة في التصوير، وفن الترتيب البصري. ويبدو أنَّ منتج المسلسل بروس ميلر قد ضاعف رهانه على ما وصفته الكاتبه سوزان سونتاج ( 1963-2004) في مقالٍ لها عن المخرجة الالمانيه ليني ريفنشتال المقربة من هتلر بـ "الجمالية الفاشية" – إن صح التعبير – التي "تأخذ فيها علاقات الهيمنة والاستعباد صورة طقوسٍ احتفالية خاصة". ولذلك يحتشد المسلسل بهذه الفكرة، كما هو الحال في مشاهد المستعمرات، حيث يعامل جلادو "غيلياد" – في ستراتهم الواقية وأقنعة الغاز – من لم يعدن يتمتعن بالخصوبة" بوحشية.
هذا هو الفرق بين "الحرية والتحرر"
من خلال مشاهد المستعمرات التي تمت الإشارة إليها في الموسم الأول، وسَّع المسلسل نطاقه بصورةٍ كبيرة. فها هي إيميلي (تقوم بدورها الممثلة أليكسيز بلدل)، التي أُجبِرَت على الخضوع لعملية ختان في الموسم الأول، تمضي أيامها وهي تحفر لإزالة المخلفات المشعة. وقد أبدعت بلدل في أدائها مرةً أخرى، كما هو الحال بالنسبة لماريسا تومي (التي ظهرت ظهوراً شرفياً في حلقةٍ واحدة)، وآن دود التي تؤدي دور ليديا، وهي مؤمنة مخلصة تُعلِّم الخادمات الفرق بين "الحرية والتحرر". ونحصل كذلك على لمحاتٍ من لوك ومويرا (يؤدي دوريهما أو تي فاغبنلي وسميرة وايلي) زوج جون وصديقتها المقربة، وكلاهما لاجئان يعيشان في كندا.
بعد استنزاف تفاصيل رواية آتوود في الموسم الأول (ورغم استشارة الروائية في الموسم الثاني)، أصبح الموسم الثاني من مسلسل The Handmaid's Tale أوسع نطاقاً في أحداثه، وأكثر ومرونة، وكشف عن العديد من آليات الاستبداد الأخرى في غيلياد. ونرى أيضاً في سلسلةٍ من مشاهد توضيحية من الماضي كيف وصلت غيلياد لتلك الحالة، ولكنَّ هذه المشاهد أقل نجاحاً، إذ تبدو تقريباً مثل نداءات الاستغاثة للمقاومة في الوقت الراهن.
بالطبع حصل المسلسل على دفعةٍ كبيرة بسبب توقيته عرضه المناسب للأحداث، إلا أنَّ ميزته الحقيقة لا تكمن في هذا. فأكثر ما يلفت الانتباه هو أنَّه عملٌ درامي "بغيض".. لكن يستحق المشاهدة بلا شك، وهو إنجازٌ فني يعيد تقديم فكرة مشاهدة الأعمال الفنية للاستمتاع بنقدها.