فيلم دونكيرك (dunkirk) يحكي القصة الحقيقية لعملية إنقاذ أكثر من 300 ألف جندي بريطاني من شاطئ دونكيرك في فرنسا أثناء حصار القوات النازية لهم براً وجواً، والذي يعتبر معجزة عسكرية في الحرب العالمية الثانية.
واضح من عنوان المقال أن الحديث عن الفيلم سيكون سلبياً، والحقيقة أنني كنتُ متحمساً للفيلم ومنعتُ نفسي عن سماع الآراء المختلفة عليه؛ كي يكون رأيي خالصاً بعيداً عن أي تأثر بانطباعات أخرى، ولرأيي السلبي أربعة أسباب رئيسية:
أولاً: عدم جدوى نسبية الزمن
يقوم سرد الفيلم على ثلاث وجهات نظر من البر والبحر والجو، الثلاثة خطوط مختلف زمنها عن بعضها البعض، لكن تتشارك الرؤية السردية في الفيلم، وبطبيعة الحال كان هناك إعادة لبعض المشاهد مرتَين من وجهة نظر مختلفة.
فالسؤال هنا: هل كانت نسبية الزمن فعّالة؟! في رأيي لا؛ لأنه لم يقدم أي فائدة من وجودها على مستويات أربعة، وسأعطي أمثلة ناجحة من أفلام نولان السابقة:
1- عدم التأثير في الأحداث
عرض الزمن المختلف لم يضِف الكثير على مستوى الأحداث؛ لأنه لو افترضنا جدلاً أننا أعدنا صياغة السرد بخط مستقيم عادي لن نجد أي إضافة على الأحداث، عكس فيلم انسيبشن الذي كانت طبقات نسبية الزمن مؤثرة جداً.
2- عدم وجود مشاعر درامية نابعة منها
تلاقي خطوط السرد في بعض النقاط لا بد أن يكون له تأثير على العاطفة التي تنتج منه، مثل فيلم انترستلر وقت حديث رائد الفضاء مع ابنته، لكن التأثير العاطفي في تلاقي الخطوط في دونكيرك لا يثير أية مشاعر.
3 – عدم الإضافة في رؤية الحدث من شخص مختلف
من المفترض عند رؤية نفس الحدث مرتين تارةً من السماء وتارةً من البحر أن تكون هناك إضافة مختلفة في رؤية الحدث، لكن في فيلم دونكيرك لم يعرض أي رؤى مختلفة من شخص لآخر، مما يعني أنه لا ضرورة لرؤية المشهد مرتين، والذي يعني أنه لا ضرورة لأخذ الخط النسبي للزمن.
4- عدم وجود إبهار سردي
كفنان يرسم لوحة بالمقلوب أو شخصاً يتفنن في وضع قطع البازل بغير ترتيب ليزيد التحدي والإبهار الأخير، لا بد عندما ينتهي من عمله أن ينبهر المشاهد بمدى التناغم والتناسق الموجود في الصورة النهائية، مثل فيلم ميمنتو، الذي كان يسير بخطوات ثابتة في طريق مقلوب، والذي كان من السهل متابعته بسهولة رغم تعقيده عن فيلم دونكيرك.
لهذه الأسباب الأربعة أرى أن فعالية نسبية الزمن -معتادة الإبهار- في فيلم دونكيرك كانت غير فعالة.
ثانياً: عدم قوة أدوار بعض الشخصيات
وأهمهم الطيار والقبطان، لو افترضنا أن ممثلين آخرين غير توم هاردي ومارك ريلانس قاما بهذين الدورين، هل كنا سنشعر بفرق كبير؟! في رأيي لا؛ لأن الأدوار لا تتطلب أي مهارة تمثيلية فريدة أو مرتفعة الأداء، بالتالي الأدوار كانت شبه عادية وغير قوية على مستوى الدراما.
ثالثاً: الرتابة في بعض المشاهد
من رحم الرغبة في الإبداع والتجديد أتت الرتابة في الفيلم، تحديداً من مشاهد الطائرة التي كانت متماثلة من حيث الخطورة والقتال، وعدم وجود أي استراتيجيات وتكتيكات قتالية جوية تلفت الانتباه، سوى مشهد واحد بسيط ومحدود.
رابعاً: كثرة مصادفات الإنقاذ
في الفيلم أكثر من أربع مصادفات تم إنقاذ فيها شخصيات مختلفة، أغلب الأفلام التاريخية التي تقوم على أحداث معروفة النتيجة تجذب اهتمام المشاهد تجاه الشخصيات، نحن نعرف نتيجة الحرب، لكن لا نعرف مصير الشخصيات، هل سيكون الموت أم النجاة؟! وهذا يخلق حالة من حالات التفاعل والخوف والترقب لمصير الشخصية، لكن عندما تكثُر مصادفات الإنقاذ تُفقد الإثارة بها.
مع ذِكري وفردي للسلبيات وجب الإشارة إلى بعض الإيجابيات التي أراها بالفيلم:
– عدم إظهار القوات النازية، والاكتفاء بذكر العدو دون ظهور له بصرياً أو لفظياً، وهذا لشيء جد راقٍ ويختلف عن كثير من أفلام الحروب التي تمجد الجنود وتحقر الآخرين، هنا تُمجد النجاة ويحقر الموت.
– عدم إضاعة الوقت في تقديم خلفيات الشخصيات، وكان ذلك فعالاً في إثارة الانتباه والتعاطف مع الشخصيات والتي -للأسف- بهتت وخفتت مع المصادفات، كما ذكرت.
– الإخلاص للواقع، تم تصوير الفيلم في شاطئ دونكيرك نفسه وبمجاميع (كومبارسات) حقيقية بدون مؤثرات بصرية، وبالطبع التجربة البصرية المبهرة بكاميرات آي ماكس.
– من الأشياء التي لفتت انتباهي هي الإحاطة بالتفكير العام في هذه الفترة لبريطانيا، تحديداً عندما نلتمس خوف بريطانيا التي كانت تستعد لغزو نازي عليها، وهذا أحد الأسباب التي جعلتها لا تخاطر بأغلب السفن الحربية لإنقاذ الجنود في دونكيرك.
في النهاية نحن أمام فيلم تتباين وتختلف وجهات النظر عليه بشدة، فيجب أن تجرب المشاهدة وتحكم عليه بنفسك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.