خاطر ضوا: غنّى لبيروت وعينه على دمشق

"الثورة أغنية لا تموت، وإن سكت كل المغنين" هكذا قال المغني السوري خاطر ضوا، الذي عرف الجمهور السوري والعربي صوته للمرة الأولى عندما غنى للطفل الشهيد حمزة الخطيب ابن السنوات العشر، أول شهداء الثورة السورية، في 2011.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/10 الساعة 06:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/10 الساعة 06:00 بتوقيت غرينتش

"الثورة أغنية لا تموت، وإن سكت كل المغنين"

هكذا قال المغني السوري خاطر ضوا، الذي عرف الجمهور السوري والعربي صوته للمرة الأولى عندما غنى للطفل الشهيد حمزة الخطيب ابن السنوات العشر، أول شهداء الثورة السورية، في 2011.

ومنذ حادث حمزة وخاطر لا يتوقف عن الغناء لوطن جميل لا يفرق بين أبنائه بحسب الدين أو المعتقد السياسي.

خاطر الذي عرفه الجمهور ابناً شرعياً للمقامات والغناء العربي الطالع من أوتار العود، بعد أن تلقى أصول الموسيقى على يدي العراقي الكبير نصير شمه، قدّم الأسبوع الماضي تجربة جديدة أثارت جدلاً حول مسيرته الصاعدة.. فقد قدم أغنية "راب" عن بيروت، في الوقت الذي يختلف السوريون كثيراً حول موقف بيروت من ثورتهم وأحلامهم.

لكن ضوا قال لـ"عربي بوست" إنه بيروتي الهوى، لأن بيروت عنده "هي الناس والشعب لا السياسات".
هذه قراءة سريعة في محطات المغني الشاب الذي صرخ يوماً "نحن طلوع الشمس"، وآمن دائماً أن سوريا أغنية عصية على السكوت..

المحطة الأولى


"حكايتي مع الفن بدأت مبكراً في حياتي، فقد كنت في العام 1995 وعمري وقتها كان حوالي خمس سنوات. كنت أذهب للجامع القريب من بيتنا لتلقي دروس في تجويد القرآن".

ويكمل "كنت فرحاً بما أتعلمه لأنه كان تجربة جديدة بالنسبة لطفل. وكنت عندما أعود للبيت أُسمع أبي ما تعلمته من قواعد تجويد القرآن، فاكتشف أبي ما أسماه "حلاوة صوتي" وقدرتي على الغناء، خاصة وأن أشقائي كانوا يتعلمون الموسيقى في الوقت الذي كنت أتعلم فيه قواعد التجويد. وبعد أن كبرنا استمرت نزعة الفن في العائلة. فأخي الكبير خالد صار نحاتاً، وهو دارس للعزف على العود. وأخي علي درس الإخراج السينمائي، وهو ماهر في العزف على الكمان.

كنت صغيراً وقتها وشقياً جداً، ولكني كنت أنصت لصوتين، صوت القرآن بالجامع مع الشيخ أتعلم منه قواعد النطق والترتيل والتجويد، وفي البيت استمع لصوت الموسيقى مع عزف شقيقيّ ودروسهما الفنية، وفي الوقت نفسه كان المناخ الفني في البيت يلعب دوراً في تكويني الغنائي والموسيقي حيث كان أبي يفرض علينا الأغاني الطربية لكبار المطربين السوريين والعرب.. ولم يكن يسمح لنا بالاستماع لأصوات قليلة القيمة أو أصوات الموضة. وبسبب هذا التكوين كان طبيعياً أن أتجرأ وأتعلم الموسيقى مثل شقيقي، وأتجرأ أكثر وأغني، وأستقل بنفسي فناناً يرفض تقليد الآخرين."

المحطة الثانية


في العام 2008 وضوا يقترب من عامه العشرين قرر السفر خارج سوريا، لاستكمال حلمه الفني وتلقي التعليم على أيدي متخصصين في العالم العربي. وكان هنا يشبه كثيراً من أبناء بلده الذين تركوا سوريا بحثاً عن الرزق أو التعليم في كل أنحاء العالم.

وكان طبيعياً أن يفكر خاطر في القاهرة التي أسس فيها الفنان العراقي الكبير نصير شمة بيتاً للعود، يؤمه كثير من شباب الفنانين لتلقي قواعد العزف والتلحين على أصولها. وبالفعل وصل ضوا للعاصمة المصرية بعد عامين من مغادرة سوريا، والتحق ببيت العود وصار تلميذاً مقرباً من شمة الذي يعتبره ضوا أباً روحياً له، لما تعلم منه، ولما لقيه من رعاية إنسانية وفنية من الموسيقي الكبير خلال إقامة ضوا بالقاهرة.


ويرفض خاطر الربط بين إقامته بالقاهرة والكلام عن الهرب من سوريا أو أنه كان يعيش في منفى قاهري، فهو كما يقول لـ"عربي بوست" وصل القاهرة قبل اندلاع الثورة في سوريا، كما أن القاهرة تاريخياً هي الوطن الثاني للسوريين، سواء كانوا فنانين يزخر بهم تاريخ الفن المصري أو كانوا تجاراً لقوا ترحاباً من أشقائهم المصريين، والقاهرة ليست منفى لأي عربي وخاصة للسوريين، كما يؤكد خاطر ضوا.


المحطة الثالثة: دمشق – القاهرة 2011


في مارس من العام 2011 اندلعت في مدينة درعا السورية تظاهرات ضد قمع النظام لأطفال كتبوا على الجدران عبارات ضد بشار الأسد، وسرعان ما تحولت تظاهرات الاحتجاج ضد تعذيب الأطفال إلى انتفاضة شعبية عارمة، ثم تحولت الانتفاضة إلى ثورة، تأثراً بما يجري في بلدان الربيع العربي، وشعور الشعب السوري أنه آن الأوان للتخلص من النظام الطائفي في البلاد.

هكذا عرفت سوريا الثورة وهكذا عاشها أبناؤها سواء بالداخل أو في الخارج.. وعندما اندلعت الثورة كان خاطر ضوا بالقاهرة للدراسة، فتفاعل معها كبقية الشباب السوري عبر أنحاء العالم، واختار كما يقول لـ "عربي بوست"، أن يكون "صوت من لا صوت لهم" وعندما لحن بالقاهرة أغنيته التي صارت شهيرة "يا سوريا لا تسجلينا غياب"، ربما كان يعبر مبكراً عن أحلام الكثيرين من أبناء الشتات السوري في العودة والمشاركة بالثورة.


كانت الأغنية سلاحه في التعبير عن حلم السوريين في التغيير وتحقيق دولة مدنية لا تفرقة فيها بين مواطن وآخر فكما يقول ضوا.. "الشباب في الثورة عملوا معجزات في الداخل، فكان لا بد أن نساندهم ونكون صوت الذين لا يصل صوتهم إلى سوريا، وأن نعبر عن أحلامنا أيضاً في تغيير النظام؛ لأنه طالما نظام البلد عقائدي فهذا يعني أنه ليس هناك مساواة أو عدالة. وطالما عندي فكر واضح وقدرة وموهبة على الغناء فأقل ما أفعله أن أنادي بالتغيير، ولو بأغنية، لدولة أفضل مبنية على أساس المساواة والعدالة بين أبنائها. وقد اجتهدت وأنا بالقاهرة في تحقيق ذلك، وتعاونت في أغنياتي مع كثير من الفنانين".

في أثناء وجوده بالقاهرة كان لضوا تجارب عديدة مع الفنان الكبير نصير شمة، والفنان رفيق عدلي، موزع ومهندس صوت، والعازفين محمد عاطف وعلي شاكر وهاني بدير ووجد الحموي. كما تعاون مع الشعراء محمد السيد وفادي جومر وشاهر خضرة، والشاعر فرج بيرقدار والكاتب المعتقل من خمس سنوات عدنان الزراعي، والشاعر المصري المعروف زين العابدين فؤاد الذي كان أيقونة مظاهرات ثورة يناير في القاهرة.. "لا شك أن مصر كبلد رائد في استقطاب الفنانين قدم لي تجربة مهمة في صقل موهبتي عبر التعاون الفني مع الموسيقين والشعراء".

المحطة الرابعة: القاهرة كمان وكمان


مع اشتعال الثورة السورية كان المصريون يعيشون عصرهم الثوري الجديد وربيعه، وفي البداية كان هناك تعاطف كبير في الشارع المصري مع الأشقاء النازحين من أحداث الثورة السورية إلى المدن المصرية كالقاهرة والإسكندرية، إلى أن بدأت دائرة العنف في سوريا تلتهم الثورة نفسها كما يقول خاطر ضوا.. "صار هناك تسارع للأحداث بطريقة مخيفة لدرجة أن الناس لم تعد تعرف كيف تواكب الأحداث اليومية، ما أدخل شريحة كبيرة من الناس في نفق مظلم من ضبابية الرؤى. ومع هذا التحول حدث تحول في الموقف المصري من الثورة ومن اللاجئين السوريين. وظهرت للأسف حملات تحريضية ضد وجود السوريين بالقاهرة من بعض المؤسسات الإعلامية ومن أعلاميين بأعينهم، قاموا بالتحريض على أصحاب أماكن تجارية سورية وغيرهم، ما جعل الكثيرين يهربون من القاهرة إلى تركيا أو أوروبا".



المحطة الخامسة: ألمانيا


"في الواقع أنا لم أتعرض لأي مضايقات من أحد بالقاهرة، وعوملت كأنني في بلدي، وهذه ليست مجاملة لمصر، ولكن بعض القلق اعتراني مما لاحظته في الإعلام نتيجة التحريض ضد السوريين، ما جعلني أفكر في السفر خارج مصر. لم يكن لدي خطة لسفر ما، ولم أختر ألمانيا كمنفى، فقد حصلت على دعوة للإقامة في ألمانيا لمتابعة دراستي الموسيقية، وغادرت القاهرة بعد إطلاق البومي الأول "نحن طلوع الشمس" بساعات".

وهناك بدأ ضوا رحلة جديدة مع الفن يعمل فيها حالياً على مشروع فني مع مخرج ألماني سيقدم عملاً مسرحياً غنائياً مستوحى من الفيلم الأميركي الشهير كازابلانكا، وسيقوم ضوا بالتمثيل فيه والغناء ضمن فريق من الممثلين الأفارقة والإيراينين والأوروبيين.



المحطة السادسة: بيروت والراب


"أنا لا أعرف الهرب ولكني أعشق التجريب" يؤكد خاطر ضوا.. "لم أهرب من بلادي كما قلت ولم أفر من القاهرة، بل عشقت الترحال دائماً. وفي الفن بعد أن قدمت الأغنية الثورية "نحن طلوع الشمس"، أقدم في تجربتي الجديدة أغنية راب عن بيروت وهواها. واللافت أن الكثيرين لم يسألوني عن الراب، بل سألوني عن بيروت ولماذا تغني لها؟ فقلت: "أنا سوري ولا يوجد سوري لا يعشق بيروت، حتى ولو كان ساستها ضد ثورتنا فبيروت ليست الساسة فقط بل الناس والشوارع والذكريات والنموذج".



والراب بالنسبة للمغني السوري الشاب ليس سوى وسيلة فنية لا أكثر، فلن يهجر الغناء التقليدي ثورياً كان أو عاطفياً. وأغنيته عن بيروت عمل مختلف لا أكثر، وسيكرره إن كانت هناك ضرورة فنية لذلك.

"هناك فنانون عالميون كثيرون قدموا أغنيات راب احتجاجية، تعبر عن استيائهم من ظروف وسياسات عالمية معينة، وتعبر عن رفضهم لسياسات الإقصاء التي تطال الكثيرين في العالم.. فالراب فن احتجاجي بطبعه وأقرب إلى روح الشباب. ولدينا في سوريا فنانون يتقنونه ويعبرون به عن الثورة وأحلامها".

المحطة السابعة: لا وصول

يقول المتصوفة إن الطريق أهم من الوصول.. لكن الثورات ليست فكرة صوفية وإن تسلحت بإيمان المتصوفة لتتحمل الطريق الوعرة. ولأن السوريين أهل مغنى فقد صارت الأغنية ثورة بحد ذاتها بعدما تفرعت الطرق أمام الثورة وصار السلاح عشوائياً ومرتبكاً..
ولكن خاطر ضوا المؤمن بالثورة والناس بلا تمييز بينهم، يرى أن سوريا أقوى مما يحدث على السطح من قتل على الهوية ومن قمع ومن بارود.
"ستظل سوريا أغنية ممكنة رغم كل ما حدث.. وما يجري في سوريا الآن سوف نغني له بمستقبل أجمل لأن الفن أداة بناء ولن تصمت الأغنية لسوريا وطناً وشعباً".

وعندما سألته: لكن أغنية الثورة أسكتها الرصاص؟! أجابني: "هذا كلام غير دقيق تماماً. فطالما أن هناك أغاني تصدر عن فنانين كل يوم فهذا انتصار للأغنية والثورة. وما دمنا قادرين على الغناء والعزف وطرح عناقيد الموسيقى، فهذا انتصارنا ليس على النظام السوري ومن يدعمه، بل على كل من يريد مسح سوريا شعباً وأرضاً من الخارطة.. سوريا أغنية عصية على السكوت".



محطة الشمس


"نحنا طلوع الشمس" الألبوم الأول الذي طرحه المغني السوري الشاب خاطر ضوا في وجه نظام الأسد استغرق سنوات لترى الأغاني النور، كما استغرق الأمر سنوات ليعرف السوريون طعم الثورة وغضبها وغبارها في الميادين ويخرجون بلا خوف ليغنوا لحرية مفقودة ووطن بلا طائفية أو ظلم.

لم تكن أغنية ضوا تعبيراً فقط عما يجري على الأرض من عنفوان الغضب، فالأغنية ليست ترجمة إخبارية لدم الثورة، ولكنها ترجمان أشواق حبيسة لآمال لم تفقد بريقها رغم سنوات القمع.


واحتاج الأمر ثلاث سنوات ليظهر الألبوم بعد نجاح أغنيته الأولى "مين بيقرب لك يا حمزة"، ثم أغنيته الشهيرة "سوريا لا تسجلينا غياب" والتي تعكس "حلم المغتربين في المشاركة بالثورة ومحاولة استنهاض إنساني وثوري كنا في شوق إليها في سوريا"، كما يقول خاطر ضوا .
وقد فازت أغنيتاه "شو بيقربك حمزة" و"يا سوريا لا تسجلينا غياب" بالمرتبتين الأولى والثانية في استفتاء برنامج (فنون الثورة) الذي قدمته فضائية "أورينت" في النصف الثاني من عام 2011.

ولم يكن طرح الألبوم إلا بدعم من مؤسسة المورد الثقافي في مصر ومؤسسة الأصفري السورية، في الوقت الذي لم يلق بعدها ضوا أي دعم عربي أو سوري ليواصل الغناء عن أحلام شباب ثائر في بلاده كما في المنافي.

علامات:
تحميل المزيد