الفوائد العلمية للموسيقى الكلاسيكية

سادت في أوربا آنفاً قناعةٌ تقول بأنّ تشغيل موسيقى موزارت Mozart للأطفال الرُضَّع تزيد من ذكائهم! حسناً، هذا ليس صحيحاً تماماً، لكنّ دراسات علمية عديدة أثبتت أنّ الاستماع للموسيقى بشكلٍ عام، والكلاسيكية منها بشكلٍ خاص.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/12 الساعة 01:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/12 الساعة 01:07 بتوقيت غرينتش

سادت في أوربا آنفاً قناعةٌ تقول بأنّ تشغيل موسيقى موزارت Mozart للأطفال الرُضَّع تزيد من ذكائهم! حسناً، هذا ليس صحيحاً تماماً، لكنّ دراسات علمية عديدة أثبتت أنّ الاستماع للموسيقى بشكلٍ عام، والكلاسيكية منها بشكلٍ خاص، له فوائد كثيرة جسمانية ونفسية. ويتعامل الكثير من الناس مع الأمر بالفطرة إذ يلجأون إلى أنواعٍ متعددة من الموسيقى أو الأغاني في أوقاتٍ محدّدة لإشباع مشاعر خاصّة.

لآلاف السنين كانت الموسيقى أداة تعبير أساسية عن مشاعر وحالات يصادفها الإنسان في حياته مثل الحب والعداء، الحزن والفرح، السعادة والحداد.. ولعلّ في الموسيقى الكلاسيكية تعبيراً صادقاً عن كلّ تلك المشاعر، خصوصاً أنّ ظهورها ترافق مع طورٍ حساس في نموّ المجتمعات البشرية. لكن اليوم، قد تثير رؤية شابٍّ يستمع إلى هذا النوع من الموسيقى الدهشة لدى العديد من الناس الّذين يعتبرونها صنفاً مندثراً أو "منتهي الصلاحية"، حيث ابتعدت معظم الأجيال الحديثة -خاصّة في الدول العربية- عن الاستماع لموسيقى باخ Bach، بيتهوفن Beethoven وشوبرت Schubert وغيرهم.. مكتفية بمتابعة ما هو حديثٌ يلائم الذوق العام وروح العصر.

من الفوائد المثبتة والشائعة للموسيقى: تخفيض ضغط الدم، تحسين أداء العضلات وإفراز الدوبامين Dopamine في الدماغ، الّذي يولّد بدوره شعوراً بالسعادة. لكن للموسيقى الكلاسيكية Classical Music تحديداً آثاراً خاصّة في العديد من مناحي الحياة، وهذا ما أثبتته عدّة دراسات أكاديمية أودّ استعراض أبرزها هنا، لكن قبلاً يجدر بنا الحديث بإيجاز عن الخلفية التاريخية والفنّية لهذا النوع من الموسيقى..

عند الحديث عن الموسيقى الكلاسيكية ينبغي التفريق بين الإطار العام للعبارة، الّذي يشمل الموسيقى التقليدية المتأصلة في الحضارة الغربية والّتي تعود نشأتها إلى القرن الحادي عشر للميلاد، وبين الموسيقى الكلاسيكية الأوربية الّتي امتدّت من القرن السابع عشر وحتّى بداية التاسع عشر، سبقتها حقبة موسيقى الباروك وتلتها حقبة الرومانتيكية (الرومانسية).

تعد الموسيقى الكلاسيكية مطوّرة عن موسيقى الباروك من خلال تعديل وتبسيط بعض حركات التعدّدية الإيقاعية وإدخال الإصبع الخامس أثناء عزف البيانو القيثاري، تجسّد الفنّ العقلاني، وأغلب آلاتها وترية (قيثارية)، في حين تجسّد الموسيقى الرومانتيكية الفن العاطفي (الروحاني)، وأغلب آلاته نفخية مثل المزمار.

أمّا عن الفوائد العلمية للموسيقى الكلاسيكية، فهاكم أبرزها:

1. للموسيقى الكلاسيكية آثار إيجابية على النشاط الجيني للإنسان!

في دراسة أجراها علماء من جامعة هلسنكي University of Helsinki، أخذوا عيّنات من دماء أشخاص قبل وبعد الاستماع لكونشرتو الكمان الثالثة لموزارت Mozart's Violin Concerto No.3 in G Major K.216، واكتشفوا أنّ الموسيقى أثّرت بشكل مباشر على الـ RNA الخاص بهم، وكان هذا الاكتشاف انعطافةً تاريخية في أثر الموسيقى على الجسم حيث بات مرتبطاً بشكل مباشر بالكيان البيولوجي للإنسان.

هذا وأثبت بعض الباحثين الفنلنديين أنّ الموسيقى الكلاسيكية تحديداً تسهم في التأثير على التعبير الجيني للدماغ، مما يسبب عدّة آثار إدراكية كتقوية الذاكرة وزيادة القدرة على التعلّم، كما بيّنت دراساتهم أن الاستماع للموسيقى الكلاسيكية يخفّض نشاط خلايا مثل SNCA مما يساهم في تنشيط إنتاجية الأعصاب في الجسم، ويبعد احتمالية الإصابة بداء باركنسون لدى من يخضعون لـ "العلاج بالموسيقى Music Therapy".

2. مستمعو الموسيقى الكلاسيكية أكثر انفتاحاً!

بحسب دراسة أجرتها جامعة في إدنبره Edinburgh على 36000 شخص، تجعل الموسيقى الكلاسيكية سامعها أكثر راحةً، وأكثر تصالحاً مع نفسه، كما بيّنت أنّ مستمعي الكلاسيك يكونون عادةً مبدعين أكثر من غيرهم، وأكثر انفتاحاً.

3. للموسيقى الكلاسيكية آثار صحية على النوم!

أثبتت دراسة هولّندية أنّ الموسيقى الكلاسيكية الناتجة عن آلات كالهارب والبيانو برفقة أوركسترا تزيد من الاسترخاء والراحة أثناء النوم خاصّة لدى الراشدين والكبار في السن. كما تحسّن مستوى طلّاب جامعيين بعد تعريضهم لـ 45 دقيقة من النوم على أنغام الموسيقى الكلاسيكية في جلسات للعلاج بالموسيقى.

4. الاستماع للموسيقى الكلاسيكية يزيد التنبّه الذهني وسعة الذاكرة!

اكتشف العديد من الباحثين أنّ الطلّاب يؤدّون امتحاناتهم بشكلٍ أفضل عند استماعهم للموسيقى الكلاسيكية، فيما بات يعرف
بـ"أثر موزارت Mozart Effect"، فهؤلاء الّذين يستمعون إلى تلك الموسيقى يكتفون بوقتٍ أقلّ ليعطوا نتاجاً أفضل في الامتحانات، كما يطوّرون معدّلات ذكائهم IQ بشكل تدريجي.

فبحسب دراسة صادرة عن جامعة نورثومبريا Northumbria University، لدى تشغيل حركة "الربيع Spring" من سيمفونية "الفصول الأربعة لفيفالدي Vivaldi's Four Seasons" على مسامع عيّنة من المبحوثين، استطاعوا أداء مهام مسندة إليهم بشكلٍ أدقّ وأسرع من آخرين طُلِب منهم أداء المهام عينها لكن دون موسيقى.

5. الاستماع للموسيقى الكلاسيكية يخفّف من حدّة التوتّر!

تجري في ألمانيا، تجارب على استخدام موسيقى موزارت للتخفيف من عدوانية بعض السائقين على الطرقات السريعة! كما أفادت دراسة تايوانية أنّ النساء الحوامل اللاتي يستمعن للموسيقى الكلاسيكية يعانين اكتئاباً بنسب أصغر بكثير من تلك الّتي تواجهها باقي السيدات.

وأشارت دراساتٌ أخرى إلى أنّ الآثار الفيزيولوجية للاسترخاء والاستماع للموسيقى الكلاسيكية هي ذاتها الآثار الناتجة عن المسّاج Massage، فهذه التكنيكات العلاجية البسيطة تسبّب ردود فعل كيميائية في الدماغ تساعد على التخفيف من حدّة التوتّر والاكتئاب.

هذه الفوائد المثبتة وغيرها، تشكّل دليلاً قاطعاً على أهمّية الموسيقى الكلاسيكية ودورها الحسّاس في التأثير على الدماغ والجسم البشري إضافة إلى نفسية الإنسان، فهي ليست تقديراً للجمال وعمقاً في الإحساس فحسب، بل أسلوب حياةٍ يُثري وجود صاحبه. ولعلّ الوقت قد حان لكي يجد الشباب متّسعاً صغيراً من الوقت للإصغاء إلى ما أبدعه شوبان وهاندل وهايدن وغيرهما، بدلاً من إلغاء هذه الأعاجيب الفنية لصالح أعمال أخرى وإن لم تقلّ عنها أهمّية في نظرهم ونظر الأغلبية.

تمّت صياغة وتنسيق المعلومات من خلال الاستعانة بالمصادر التالية:

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد