أعلنت وزارة الثقافة الجزائرية، الخميس، أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وافقت على تسجيل فن "الراي" كتراث جزائري ثقافي، لا مادي للإنسانية.
وكان الخلاف بين الجزائر والمغرب قد اتخذ منحى ثقافياً بسبب فن الراي، وذلك عندما تقدّمت وزارة الثقافة الجزائرية قبل سنوات بطلب رسمي إلى منظمة اليونسكو لتسجيل هذا الفن موروثاً وطنياً خالصاً للجزائريين.
وكان مقرراً أن تنظر في الملف الدورة الـ15 للجنة الحكومية المشتركة لحماية التراث الثقافي اللامادي، المقرّر انعقادها افتراضياً من 14 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول 2020، غير أن وزارة الثقافة الجزائرية سحبت الملف، بحجة أنه "ناقص في العناصر المكوّنة له، وهو ما يُضعف أسباب نجاحه".
حُسِم الأمر.. فن الراي جزائري
نشرت وزارة الثقافة الجزائرية بياناً أعلنت من خلاله أن "الجزائر حققت، عن جدارة واستحقاق، مكسباً ثقافياً عالمياً بعد موافقة لجنة اليونسكو على تسجيل أغنية الراي (فن موسيقي) كتراث جزائري ثقافي لا مادي للإنسانية".
وأضافت: "بهذا التصنيف تنال الجزائر شهادة حاسمة باعتراف العالم بهذا النوع الموسيقي الثقافي، وتؤكد أصالته الجزائرية بلا منازع، وهو بما يتمتع به من عراقة وشاعرية وتنوع موسيقي رسالة محبة وسلام للإنسانية جمعاء".
ووصفت الوزارة هذا القرار بـ"الانتصار"، وشكرت "الدول الأعضاء ضمن لجنة اليونسكو على هذا الإنصاف التاريخي والمستحَق".
وسنة 2016، أعلن وزير الثقافة الجزائري حينها، عز الدين ميهوبي، تقديم وزارته ملفاً لليونسكو لتصنيف فن الراي موروثاً غنائياً شعبياً للجزائر، من أجل الحفاظ عليه وحمايته.
وأبرز المسؤول الجزائري السابق أنه من حقّ أي جزائري أن يغار على موروثه الثقافي، مشيراً إلى أن خطوة تقديم الطلب لليونسكو جاءت إثر "قلق الجزائريين على تراثهم من محاولة السطو عليه".
اتهامات المسؤول الجزائري كانت موجّهه إلى الجار المغرب، بعد أن أصبح يُروّج لفن الراي، خصوصاً من خلال "المهرجان الدولي للراي"، المنظم في مدينة وجدة الحدودية مع الجزائر، والتي استطاعت في وقت وجيز استقطاب نجوم معروفين في ساحة موسيقى وغناء الراي.
وكان وزير الثقافة الأسبق بالمغرب، محمد الأعرج، اعتبر في إحدى دورات "المهرجان الدولي للراي" بمدينة وجدة (شرق المغرب)، أن الراي "تراث فني مغاربي عريق ولج بكل تَمَيُّز مدارج الانتشار العالمي".
وأشار الوزير الوصي السابق عن الثقافة في المغرب، أن هذا الفن يحمل تعابير وجدانية عميقة للجهة الشرقية من المملكة خصوصاً، وللامتداد المغاربي عموماً".
من جهته، كشف الباحث الموسيقي المقيم في فرنسا، محمد الريصاني، في حديثه مع "عربي بوست" أن "الجدل حول أصول فن الراي لم يكن ليظهر لولا أن "المهرجان الدولي لفن الراي بوجدة" استطاع أن يغطي على مهرجان وهران للراي الذي توقّف لمدة كبيرة، إذ استقطب مهرجان المغرب الجمهور الجزائري المحبّ لهذا الفن، وكذا كبار الفنانين المقيمين في فرنسا والدول الأوروبية".
فن الراي.. امتداد ثقافي
في وقت كانت تجتهد فيه الجزائر والمغرب لنسب هذا التراث إليهما، يرفض باحثون أكاديميون هذا النقاش، مؤكدين أن هذا الفن لا ينتمي لأية دولة أو جهة، باعتباره من الإبداعات الفنية والثقافية التي تميّز الجهة الشرقية للمغرب والغربية للجزائر، ويشكل امتداداً لثقافة سائدة في المنطقة الجغرافية ما بين البلدين.
ويرى الباحث الموسيقي المقيم في فرنسا، محمد الريصاني، أن "كل ما يتعلق بالتراث بين الجارتين الجزائر والمغرب هو مشترك، بالخصوص في المناطق غرب الجزائر وشرق المغرب".
ويبرز الباحث الموسيقي في حديثه مع "عربي بوست" أن كل ما أنتج في تلك المناطق "يعدّ تراثاً محلياً مشتركاً، بالنظر إلى العلاقات الدموية التي تجمع بين ساكنة شرق المغرب وغرب الجزائر، إضافة إلى اشتراك المنطقتين في اللهجة وطرق العيش وطقوس الأفراح والأحزان أيضاً".
وأضاف المتحدث أن "كل الإنتاج الشعري الشعبي، وما يرافقه من إيقاعات وآلات محلية للعزف، أو كل أشكال التعبير الثقافي الشعبية، لا يمكن أن تختلف بين منطقتين جغرافيتين قريبتين جداً".
فن الراي.. صراع قديم
وأمام الصراع الثقافي الذي كان قائماً بين الجارتين حول فن الراي، يُرجع بعض الباحثين الجزائريين تاريخ هذا الطّبع الغنائي القديم إلى زمن التدخل الإسباني في الجزائر في القرن الـ18، إذ نشأ هذا الفن في مدن غرب الجزائر، كمدن وهران، وسيدي بلعباس، وعين تموشنت، ثم غليزان.
مقابل ذلك، يرجعه آخرون إلى قيام دولة الموحّدين في المغرب العربي، إذ بدأ فن الراي كنتاج ثقافي عن امتزاج الثقافة العربية بالأندلسية بالأمازيغية، وصورته الأولية كانت أبياتاً من الشعر المنشود في الشوارع والحواري للعامة.
يقول الإعلامي والباحث الجزائري، سعيد خطيبي، في كتابه "أعراس النار.. قصة الراي": "لم يكن الأمر سهلاً أن نبحث في جذور هذه الموسيقى المثيرة للجدل، التي كانت من الطابوهات، ولكنها أصبحت الوجه الآخر للجزائر في العالم".
وبحثاً عن الجذور لم يكن للكاتب سوى مسألة الموسيقى الوهرانية من خلال لقائه بالفنان بلاوي الهواري، والموسيقى البدوية القديمة من خلال تراث الشيخ حمادة وغيره، ومن خلال النصوص الأولى التي شكّلت مجد الأغنية الوهرانية والبدوية وفن الراي في وقت لاحق، مثل نصوص سيدي لخضر بن خلوف، ومحمد بن مسايب ومصطفى بن إبراهيم المعروف بشاعر بني عامر وغيرهم.
ويسجل صاحب "أعراس النار.. قصة الراي" أن "موسيقى فن الراي جزء من التراث الشعبي لمدينة وهران، التي نَظّمت عام 1985 أول مهرجان لفن الراي"، مضيفاً أنها "موسيقى تستمد بعض جذورها من الأغنية الوهرانية، على أيدي الشيخات، أما الحصاد والشهرة فنالها نجوم الجيل الجديد الذين يطلقون على أنفسهم الشاب والشابة تمييزاً عن الجيل المؤسّس".