على غير عادتهما أعلنت نقابتا "المهن التمثيلية" و"المهن الموسيقية" الحرب على مغنِّيَين صاعدين هما "حمو بيكا" و"مجدي شطة"، ووصل الأمر إلى الاستعانة بالشرطة والقضاء، وتهديد أي أحد يحاول الاستعانة بهما.
نقابتا "الفنانين" و"المهن الموسيقية" اعتادت تجنُّب اتخاذ مواقف بهذه الجدية من قبل، رغم ظهور العديد من المغنين بنفس مستوى بيكا وشطة أو أسوأ، ولعل موقفها الذي شبَّهه نقاد بـ "عسكري الشرطة" يرجع -بحسب النقاد والعديد من الشواهد- لتوجه الدولة ومحاولة التقرب لها.
بداية الحكاية مع بيكا وشطة
تبدأ الحكاية عندما انتشر فيديو لشخص يغني أغنية "رب الكون ميزنا بميزة"، ولكن كان ينطقها "رب الكون ميسنا بميسة" ليصبح مثار سخرية على شبكات التواصل الاجتماعي. من رحم السخرية ولد "مغنٍّ" جديد يدعى حمو بيكا، نجح في اعتلاء صدارة اليوتيوب، بعدما أصدر العديد من أغاني "المهرجانات".
ومن البريق الذي أحيط به حمو بيكا، وُلدت نجومية "مجدي شطة" حين أعلن مقاطعته الغناء في حفل دعا له حمو بيكا بالمجان في إسكندرية، ونظراً لطريقته الغريبة في الاعتذار اكتسب "مجدي شطة" هو الآخر شهرة واسعة.
رد فعل عنيف
المزحة تحوَّلت لواقع، وأصبح ينظم من أجلهما حفلات وعروض مغرية لدخول مجال السينما، فانتفضت نقابة "المهن الموسيقية" بقيادة نقيبها هاني شاكر، مستعيناً بالأجهزة الأمنية لإلغاء حفل حمو بيكا بالإسكندرية، الجمعة 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وحرَّرت لجنة الشؤون القانونية بالنقابة محضراً يحمل رقم 13812 لسنة 2018، ضد حمو بيكا واتهامه بالغناء من دون ترخيص وتلويث الذوق العام.
ورفض هاني شاكر الاعتراف بـ "بيكا" و"شطة" كمغنِّيَين شعبيَّين، نافياً أن يكونا حصلا على تصاريح من النقابة من أجل الغناء.
ولم يكن موقف نقابة "الفنانين" أقل تشدداً، فبعد أن تعاقد المنتج أحمد السبكي مع حمو بيكا للمشاركة في بعض أفلامه المقبلة، حذَّرت نقابة المهن التمثيلية السبكي من التعاون مع مطرب المهرجانات، وأرسلت خطاباً شديد اللهجة بأنها لن تسمح بتواجد بيكا في عالم التمثيل، ووصل الأمر بالتهديد بوقف الفيلم، أو وقف نشاط السبكي بالكامل إن أصرَّ على استخدام بيكا في أفلامه.
تجاهل في السابق
ولم تتخذ أي من النقابتين أي موقف حين استعان نفس المنتج أحمد السبكي بفرقة "أولاد سليم اللبَّانين" في فيلم "عيال حريفة"، لسعد الصغير ومحمد لطفي وبوسي وصافينار منذ ثلاث سنوات مضت، رغم حملة الانتقادات التي طالت هذه الفرقة، واتهمت حينها بأنها تهبط بمستوى الفن.
ولكن في الآونة الأخيرة، سعت الدولة المصرية جاهدة لمحاولة السيطرة على الفن، وكانت أبرز هذه المحاولات تشكيل لجنة الدراما المنبثقة عن المجلس الأعلى للإعلام، المتهم دوماً بتقييد حرية الإعلام.
ولاقت هذه اللجنة هجوماً أشد وطأة من قبل العاملين في الحقل الفني؛ إذ رأوا أنها تقتل حرية الإبداع، ونتيجة لهذه الحملة استقال أعضاء اللجنة، ولم يجد المجلس الأعلى للإعلام بدائل للمستقيلين.
لذلك رأى نقاد تصرفات نقابتي "المهن التمثيلية" و"المهن الموسيقية" المغاير عن النهج السابق "مزايدة واسترضاء لتوجه الدولة" التي تعير مسألة السيطرة على الفن أو توظيفه اهتماماً كبيراً.
ووصل الأمر إلى البرلمان الذي أحيلت له طلبات إحاطة بشأن "ظاهرة إفساد الذوق العام والإسفاف والابتذال في الأغاني الشعبية"، وتأثير ذلك على المجتمع، والتي سيناقشها أعضاء لجنة الثقافة والإعلام في حضور مسؤولين بعد اشتعال أزمة "حمو بيكا" و"مجدي شطة".
لن يدخلا التمثيل مهما حدث
أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية قال في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، إن حمو بيكا ومجدي شطة لن يعملا في مجال التمثيل مهما كلف الأمر، وإنهما أخذا أكثر من حجمهما، ولا داعي من الأساس للحديث عنهما.
وعن سرِّ تحرك النقابة في حالة حمو بيكا وعدم اتخاذ مواقف شبيهة من قبل، خاصة في واقعة "أولاد سليم اللبانين"، حاول زكي تفادي الإجابة قائلاً: "لا أعرف، أنا أتحدث عن هذه اللحظة"، معلناً أن بيكا وشطة لن يحصلا على تصاريح للتمثيل.
أما الموسيقار الشهير حلمي بكر، عضو نقابة المهن الموسيقية، فقد طالب بمحاكمة المسؤولين بالنقابة عن منح "مجدي شطة" تصريحاً بالغناء مقابل 3 آلاف جنيه.
"عشوائيون وليسوا شعبيين"
ورفض بكر في حديثه لـ "عربي بوست" الاعتراف بـ "بيكا" و"شطة" كمطربَيْن شعبيين، إذ صنَّفهما كـ "مطربين عشوائيين"، وأن ظهور مثل هذه النماذج في رأيه هو نتاج انتشار العشوائيات بمصر، وهو ما يؤثر على الدولة بالسلب.
وفيما يتعلق بالأسس والمعايير التي يُطلق على أسسها مصطلح "مطرب شعبي" على المغني، يوضح بكر أنه يجب للمغني التقدم بطلب لنقابة "المهن الموسيقية" ويخضع لاختبار، وفي الوقت نفسه رفض أن يتقدم أمثال "بيكا" و"شطة" لمثل هذه الاختبارات من الأساس.
ورأى بكر أن الضوضاء التي أثيرت حول بيكا وشطة تفسد ثمار "مهرجان الموسيقى العربية"، الذي نُظم في مصر وحضره موسيقيون من كل أنحاء العالم.
عسكري الشرطة
بينما شبَّه الناقد الفني طارق الشناوي ما يحدث من جانب نقابتي "المهن التمثيلية" و"الموسيقية" بالعدوى، معتبراً أن أشرف زكي يحاول تقليد ما فعله هاني شاكر.
واعتبر في تصريحات لـ "عربي بوست" أن النقابتين تتقمصان دور "عسكري الشرطة"، بدعوى الحفاظ على الفن الراقي، وهو من وجهة نظره "كلام فارغ" ولا أساس له من الصحة، ويؤثر بالسلب على حالة الإبداع الفني.
وذكر الشناوي أن دور النقابتين هو خلق مناخ صحي ينمو فيه الإبداع، وليس إمساك العصا والمنع والحجب، معتبراً أن الحجب يجب أن يكون مجتمعياً، وحدث ذلك كثيراً عندما قاطع المصريون أفلاماً قدَّم فيها السبكي الراقصة صافيناز كبطلة للعمل، وحقَّقت خسائر.
مزايدات تقرّباً للدولة
واعتبر الناقد الفني أن نقابتي "المهن التمثيلية" و"الموسيقية" تُزايدان لدغدغة مشاعر الدولة، فهما تمارسان نفس الدور الذي كانت تمارسه لجنة الدراما، التي شكَّلها المجلس الأعلى للإعلام، المُشكَّل من قبل الحكومة.
وأردف: "أشرف زكي وهاني شاكر يحاولان تقديم السبت والأحد والإثنين حتى يجدا الثلاثاء والأربعاء"، في إشارة لمحاولة التقرب للدولة أكثر فأكثر.