عاد برنامج "الدحيح" للبث من جديد، واحتفى جمهور صانع المحتوى العلمي بإعلانه عن موعد الحلقة الأولى له عبر يوتيوب بعد فترة غياب.
لكن بعد الإعلان عن هوية منصة النشر المقدمة للبرنامج، انقلب جزء من هذا الاحتفاء الذي قوبلت به عودة "الدحيح" إلى انتقادات لدى البعض، وصلت في بعض الحالات إلى دعوات لمقاطعة ظهور الشاب المصري أحمد الغندور مع منصة New Media.
المعترضون على تعاون الغندور مع منصة New Media، يبررون موقفهم بإدانة اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة (BDS) أنشطة المنصة الإماراتية سابقاً، والتي اعتبرتها تمثل "تواطئاً صريحاً مع الجهود الإسرائيلية لغزو عقول الشعوب العربية وتلميع جرائم إسرائيل".
دعنا نأخذ خيط هذا الطيف الغاضب من جمهور "الدحيح" من نهايته – أو قبل نهايته بقليل -؛ عندما دعت لجنة المقاطعة الفلسطينية لمقاطعة منصة "نيو ميديا" الإماراتية المستضيفة لبرنامج يوتيوب المعروف.
دعوة BDS لمقاطعة New Media الإماراتية
في سبتمبر/أيلول 2020 كانت المرة الأولى التي تدين فيها اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة بـ BDS، نشاط أكاديمية "نيو ميديا" الإماراتية التي أنشأها حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم قبل شهرين فقط من بيان لجنة المقاطعة.
بيان الإدانة والمقاطعة جاء بعد أسابيع من اتفاق التطبيق الإماراتي – الإسرائيلي، وقد ركزت لجنة المقاطعة فيه على المطالبة بمقاطعة برنامج "Nas Daily – ناس ديلي" الذي عقد اتفاقية شراكة مؤقتة مع New Media؛ وقالت اللجنة إن "Nas Daily – ناس ديلي" يهدف "لتوريط صانعي المحتوى والمؤثرّين/ات في التطبيع مع إسرائيل والتغطية على جرائمها" – حسب تعبير الحركة الفلسطينية -.
واعتبرت أن مشروع "ناس ديلي" والمشاريع المماثلة تهدف لـ "استعمار العقول العربية وترويج القبول بالاستعمار الإسرائيلي للأرض العربية كقدر، ضمن خطوات عدّة لتصفية القضية الفلسطينية وتبييض جرائم الاحتلال".
لجنة المقاطعة التي أيدتها معظم القوى والأحزاب السياسية الفلسطينية الرئيسية بعد إنشائها في العام 2005، أشارت إلى أن إسرائيل ومعها الأنظمة العربية المطبعة تحاول "اختراق وعي الشعوب العربية المؤمنة بأن تحرّرها وتقدّمها ونضالاتها من أجل العدالة مرتبطة بحرية الشعب الفلسطيني".
بيان اللجنة أضاف أن "إسرائيل تنفق مبالغ هائلة على حملات إعلامية تطبيعية مضلّلة من خلال نشر محتوى (غير سياسي) يُظهر إسرائيل وكأنها دولة طبيعية متطوّرة يمكنها مساعدة (جيرانها) العرب بعيداً عن كل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية والعداء التاريخي معها كنظام استعماري وعنصري".
أما في نقطة إشارتها إلى أكاديمية New Media الإماراتية، فقد أدانت تمويلها لبرنامج تدريب أطلقته "ناس ديلي كان يهدف إلى تدريب 80 صانع/ة محتوى عربي/ة من خلال "أكاديمية ناس" التي تضمّ إسرائيليين من ضمن طاقم الإشراف والتدريب الذي يرأسه الاسرائيلي جوناثان بيليك، وذكرت لجنة BDS مثالاً عن صانع المحتوى نصير ياسين، الذي يصور الصراع مع إسرائيل كصراعٌ بين طرفين متكافئَيْ القوة، ويتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني – بحسب الحركة الفلسطينية -.
وقد اعتبرت لجنة المقاطعة أن "الدعم من قبل النظام الإماراتي الاستبدادي يشكّل تواطؤاً صريحاً في الجهود الإسرائيلية لغزو عقول شعوبنا وتلميع جرائم نظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، فضلاً عن تسويق اتفاقية العار التي أبرمها النظام مع الاحتلال"، وذلك في بيانها المنادي بمقاطعة البرنامج وداعميه، والتي اعتبرتها واحدة من أنجح حملاتها للمقاطعة في عام 2020.
قد يهمك أيضاً: ما هي حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، ومن يدعمها؟ وهل تنجح حملاتها؟
إنشاء شركة New Media
أكاديمية الإعلام الجديد أو New Media تُعرف نفسها عبر موقعها الإلكتروني بأنها "مؤسسة تعليمية تطرح مجموعة واسعة من البرامج العلمية في مجال الإعلام الرقمي باستخدام تقنيات التعليم عن بعد"، وتستهدف "تعزيز مهارات المنتسبين لبرامجها المتنوعة بهدف تخريج أفراد مؤثرين ومبدعين مؤهلين لقيادة قطاع الإعلام والمحتوى الرقمي".
افتتح الأكاديمية نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، في يونيو/حزيران 2020.
الفريق الرئيسي من الخبراء والمتخصصين القائمين على المؤسسة معظمهم أجانب، فبينهم كيلب غاردنر، الذي قاد فريق الإعلام الرقمي للحملة الرئاسية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكذلك نيل باتل المتخصص في التسويق الإلكتروني، وألف كتباً بمجال تخصصه صنفت بعضها أكثر الكتب مبيعاً في قوائم صحف أمريكية مثل The New York Times (زار نيل إسرائيل في مايو/أيار 2015 ضمن جولة عمل، استضيف حينها في وسائل إعلام إسرائيلية وشبكات استثمارية بينها Viola Group، وهي مجموعة إسرائيلية استثمارية في أسهم الشركات التكنولوجية)، بالإضافة لمتخصصين آخرين في مجالات صناعة البودكاست ويوتيوب وتحرير الصور والفيديوهات وصناعة الأفلام الرقمية.
عودة "الدحيح" عبر New Media
عودةً إلى برنامج "الدحيح"، هو برنامج يوتيوب يقدمه الشاب المصري أحمد الغندور بشكل مستمر منذ صيف 2014، وقد اشتهر لتقديمه محتوى علمياً بطريقة الـ Popular Science أي "العلوم الشعبية"، وهي طريقة يقدم بها المحتوى العلمي بلغة شعبية بسيطة يفهمها غير المتخصصين من الجمهور العام.
الشاب الذي درس علم الأحياء في كلية العلوم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة شوهدت مقاطع الفيديو التي ينتجها ما يقرب من 30 مليون مرة عبر قناته الرسمية على يوتيوب، ليتعاقد لـ 3 سنوات مع شبكة AJ+، وهي قناة تبث محتواها عبر الإنترنت، وهي تابعة لشبكة "الجزيرة"، قبل أن تعلن في مطلع عام 2020 انتهاء التعاقد مع الشاب المصري وفريقه بسبب "عدم سماح الخطط الإنتاجية خلال مرحلة صعبة يمر بها العالم والمؤسسات الإعلامية".
بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2020، كان الغندور يبث أولى حلقاته من برنامجه الجديد "متحف الدحيح"، عبر منصة "شاهد" التابعة لمجموعة قنوات MBC السعودية، واقتصر موسم البرنامج على 5 حلقات، كل واحدة تزيد بدقائق عن 50 دقيقة، وهي مدة تزيد على ضعفي مدة برنامجه على AJ+ الذي كان يتراوح بين 10 دقائق إلى 15 دقيقة، ويصل إلى 20 دقيقة مع بعض الحلقات.
لكن البرنامج لم يقدم مواسم لاحقة على منصة "شاهد" التي تقدم خدماتها باشتراك شهري.
وبعد نحو عام على انتهاء عرض الموسم الأول من "متحف الدحيح"، عاد "الدحيح" بحلة جديدة ليعرض حلقاته على يوتيوب مجاناً بمتوسط مدة العرض القديمة، لكن عبر منصة New Media الإماراتية، ما جعل البعض من رواد الشبكات الاجتماعية يطلقون حملة تحت هاشتاغ #قاطع_الدحيح، لربطهم بين تعاون المنصة الإماراتية مع "ناس ديلي"، والاتهامات بالتطبيع مع إسرائيل، رافضين إطلاق برنامج الغندور عليها.
كما طالب بعض المغردين بـ "مراجعة المصادر"، لكن هذه المرة "مصادر التمويل"، وليس "مصادر المعلومات"، وهي جملة الغندور الشهيرة التي يطلب بها من جمهوره مراجعة مصادر معلوماته.
مع حملة المناداة بمقاطعة برنامج الدحيح الجديد، فقد حققت أولى حلقات البرنامج أكثر من 1.6 مليون مشاهدة عبر قناة "نيو ميديا" على يوتيوب في أقل من 24 ساعة على نشر الحلقة، وهو متوسط أكبر مرتين من أكبر رقم حققته قناة "نيو ميديا" منذ إطلاقها في 13 يونيو/حزيران 2020.
فقد حقق أكثر فيديوهات القناة مشاهدةً ما يزيد بقليل على 580 ألفاً، أما متوسط المشاهدات الطبيعي على قناة "نيو ميديا" (التي يتابعها 400 ألف بتوقيت كتابة التقرير) فيتراوح بين عدة آلاف وتصل إلى 70 ألفاً في أفضل المتوسطات، أما إجمالي الفيديوهات التي جاوزت الـ 100 ألف مشاهدة فكانت 21 مقطع فيديو فقط، من عشرات مقاطع الفيديو ضمن 9 برامج تقدمها القناة.
وإذا طرحنا إجمالي عدد مشاهدات أولى حلقات الدحيح حتى الآن (1.6 مليون) من الرقم الإجمالي لعدد مشاهدات جميع برامج القناة على مدار عام كامل (7.410.754)، فهذا يعني أن إجمالي ما حققته القناة بجميع فيديوهاتها وصل نحو 5.8 مليون مشاهدة، أي أن حلقة واحدة من برنامج اليوتيوبر المصري حققت في يومٍ أكثر من ربع ما حققته القناة كاملةً في عام واحد. هذا بخلاف حساب الأكاديمية الإماراتية على إنستغرام التي ارتفع عدد متابعيها إلى 36 ألفاً، كما وصل عدد مشاهدي إعلان الحلقة لأكثر من 60 ألفاً، وهو رقم أعلى بأضعاف من متوسط المشاهدات عبر منصة إنستغرام الناشئة.