حضورٌ طاغٍ وتشخيص مُتقن وانفعالات تتغيّر بسلاسة من دور إلى آخر، استطاع معها المُشخِّص والفنان المغربي محمد خيي (61 عاماً)، أن يقف على أرض صلبة بعالم التمثيل والفن.
وُلد بمدينة قلعة السراغنة (شمال مراكش بـ84 كيلومتراً)، ومنها انتقل طفلاً نحو العاصمة الرباط حيث استقرت أسرته، وانطلقت أولى شرارات نبوغ خيي الفنية بـ"دار الشباب مدغشقر" (مؤسسة عمومية تحتضن أنشطة ثقافية وفنية ورياضية)، قبل أن يخطو نحو مرحلة مسرح الهواة.
في العام 1979، شاءت الأقدار أن يُفتتح قسم "الثقافة المسرحية" بمسرح محمد الخامس في الرباط، وكان الشاب محمد خيي آنذاك واحداً ممن تقدموا للمباراة واجتازوها بنجاح، لتنطلق مسيرة نجاح رفقة أستاذه ومُلهمه الراحل عباس إبراهيم.
لا يُخفي محمد خيي فضل أستاذه ومعلمه الأول، عباس إبراهيم، في شحذ أدواته الفنية وصقل موهبته وتوجيهه رفقة زملائه بالشكل الصحيح، يقول لـ"عربي بوست" عنه: "لن أنساه ما حييت، أثَّر في مسيرتي بشكل كبير، علَّمنا التشخيص والبحث عن مفاصل الشخصية، لقد أعطانا كل ما في جُعبته".
كوّن إلى جانب صديقه ورفيق دربه الفنان الراحل محمد البسطاوي وآخرين، فرقة مسرحية تحمل اسم "الشمس"، حيث تمكن من إثبات جدارته وموهبته على خشبة "الرُّكح شابا" قبل أن تتوالى العروض ويلمع اسم محمد خيي ويأتي الدور على الدراما والسينما التي استطاع أن يحفظ بصمته المتفردة فيهما.
"عربي بوست" التقى الفنان المغربي محمد خيي وأجرى معه الحوار التالي:
نال الجزء الأول من مسلسل سلمات أبو البنات نجاحاً كبيراً، كما تحظى حلقات الجزء الثاني بمتابعة واسعة، هل من توليفة وراء هذا النجاح؟
التوليفة تكمن أولاً في تمكُّن المخرج هشام الجباري من أدواته، لأنه صاحب الفكرة وكاتب السيناريو، إلى جانب السيناريست كوثر المطواح. المخرج متمكن من قصته ويعرف خيوطها وتفاصيل الأحداث، إضافة إلى أن المُشخِّصات والمشخصين كانوا في المستوى وكل منهم يحرص على إتقان دوره وتقديم فن صادق وعميق، وهذا ما ظهر خلال العمل.
كل هذا المجهود كان وراءه الإنتاج الجيد، الذي وفَّرته المنتجة فاطنة بنكيران، وكانت حريصة على توفير جميع الأجواء والظروف لجميع العاملين تقنيين وفنانين، ما جعلنا نشتغل بأريحية وفي ظروف ملائمة، إضافة إلى التعاون والرغبة الجماعية في تقديم عمل ينافس المسلسلات العربية.
هناك غيرة على الدراما المغربية، وعلينا جميعاً أن نعمل بتفانٍ وإخلاص وأن نبذل مجهوداً، كلٌّ في تخصصه، لتقديم أعمال في المستوى تعود بالنفع على الفنان المغربي وعلى الفن والدراما بالمملكة.
الملاحَظ أن هناك تطوراً نوعياً وكمّياً بخصوص المسلسلات المغربية المعروضة خلال شهر رمضان وخارجه كذلك، هل الدراما المغربية بخير؟
الدراما المغربية تسير بخطى ثابتة خلال السنوات الأخيرة، ذلك أنها أصبحت تنافس "درامات" أخرى. لن أقول إن الدراما المغربية وصلت لمُبتغاها، ذلك أنها لا تزال في حاجة للعمل والاشتغال والاجتهاد، والمخرجون وكُتاب السيناريو والفنانون يحاولون أن يبذلوا ويقدِّموا أفضل ما عندهم.
وكمُمثلين نحن مجبرون على تطوير أنفسنا ومهاراتنا، ومن اللازم المواظبة على الاشتغال على ذواتنا ودواخلنا حتى نكون في مستوى تطلعات المشاهدين والجمهور.
الأمر نفسه بالنسبة للمخرجين، ممن يجب أن تجمع بينهم التنافسية، من أجل تقديم وإبداع أعمال ذات جودة وفي المستوى.
المغرب يتوفر على مخرجين جيدين قادرين على الإبداع والعطاء والتجديد، ينضاف إليهم فنانون لديهم تجارب كافية ومهمة إلى جانب وجوه جديدة أبانت عن إمكاناتها وقدراتها، ما يمكِّن من تمازج التجارب وتقديم الإفادة للشباب.
هذا التعاون يجب أن يبقى دوماً متاحاً ومفتوحاً بين المبتدئين ومن يملكون التجربة، لهذا فالحاجة مُلحَّة لأعمال مكتوبة تضم شخصيات مختلفة ومن فئات عمرية متنوعة، هنا يأتي دور وأهمية كتابة السيناريو، ما يخلق نكهة جميلة لدى المشاهد حين يرى هذا الاختلاف في السن والتجارب.
فالوجوه الجديدة ستمنح المتفرج رغبة في تتبُّع العمل، لكن هذا لا يعني التخلي عن ذوي التجربة والخبرة، بل من اللازم أن يضم العمل فئات عمرية مختلفة توحي بالتنوع في حياتنا اليومية وداخل مجتمعنا.
خيي من أشهر الممثلين المغاربة اليوم وأكثرهم قبولاً لدى المشاهد المغربي، ما نصيحتك للممثلين الشباب ممن يشقُّون طريقهم في هذا الميدان؟
أعتقد أنها حُسن الاختيار. حين يرغب أحد الشباب بامتهان حرفة أو مهنة معينة، لابد أن يحسن اختياره، ليس الجميع له القدرة والموهبة الكافيتان للتمثيل وخوض غمار الفن، الشيء نفسه ينطبق على الإخراج والكتابة والشعر وغيرها.
في حياتنا الاختيارات مهمة، من اللازم الإنصات لما تقوله الدواخل والأحاسيس والجوارح واتباعها، هكذا يمكنني النجاح، ذلك أنني من سأتحمل مسؤولية اختياري، وسأبذل ما في وسعي لإنجاح اختياراتي.
متى يمكنك الاشتغال والتجديد والتطوير من نفسك؟ حين تحب مهنتك، ستشتغل وتجتهد وتبذُل.
الركن الثاني للنجاح متمثل في العمل والاشتغال، أن تَظهر بضع مرات على الشاشة لا يعني أنك وصلت، بالعكس حينها تكبر المسؤولية وينتظر الجمهور الأفضل منك، ما يُلزمك بالاجتهاد أكثر والبحث ومشاهدة أعمال وممثلين جيدين للاستفادة منهم، فهناك أفلام ومسرحيات حين تشاهدها تشعر كأنك تلقيت درساً في التمثيل.
ولا بد من القراءة ومطالعة كتب تتحدث عن التمثيل وكل ما يخصُّ الدراما والسينما، من اللازم أن يُغذي الفنان مخيلته ومعارفه يومياً عبر القراءة والمشاهدة ودقة الملاحظة في المجتمع، الشارع هو المدرسة الأولى، حيث نشاهد شخصيات حية تتحرك أمامنا، ما يسهل علينا لعب أدوار وشخصيات بشكل جيد وصحيح على اختلافها.
أبدع محمد خيي في عدد من الأفلام السينمائية، "حب في الدار البيضاء"، "سميرة في الضيعة"، "أندرومان"، "المسيرة الخضراء" وغيرها، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة مُقل في الظهور سينمائياً؟ لماذا يا ترى؟
من المعلوم أن الجائحة وراء قلة الأفلام المغربية التي تم تصويرها. نعم هناك قلة في الإنتاجات إلا أني أسجل كذلك عدم عرض أعمال سينمائية في السنوات الأخيرة، أحب الأعمال السينمائية ولديّ رغبة كبيرة في الاشتغال بالسينما.
جُل أعمالي تلفزيونية، وإذا ما تواصل معي منتجون أو مخرجون، فلا أشك في أني سأخوض غمار العمل السينمائي في حال نال السيناريو إعجابي.
كيف أثرت الجائحة على الفنان في المغرب، خاصة بعد إقفال دور عرض السينما والمسارح؟
التأثير كبير جداً على الفنانين المغاربة، خاصة منهم من يشتغلون بالأعمال المسرحية، زملاء كُثر لم يشتغلوا هذه السنة، وهذا مشكل عويص، وأرى أن على وزارة الثقافة أن تُمكِّنهم من الدعم والتعويض وتجد حلولاً لفرق مسرحية وتساعدهم على إبقاء رغبة الإبداع والاشتغال لديهم متَّقدة.
معاناة كبيرة يعانيها هؤلاء الزملاء، خاصةً أنهم لا يشاركون في أعمال تلفزيونية، مع العلم أن الجائحة لم تمنع تصوير إنتاجات تلفزيونية عديدة إلا أنها تسببت في إغلاق المسارح، لتتوقف عجلة المسرحيين ممن يُعانون الأمرَّين بسبب احتياجات أسرهم وتعليم أطفالهم، المُشكل كبير ويلزمه الحل، ولمَ لا تُفتح أبواب المسارح وقاعات العروض مع الحفاظ على التباعد الجسدي واحترام الإجراءات الاحترازية؟
ما جديدك الفني دراما وسينما؟
انتهيت من تصوير حلقات الجزء الثاني من مسلسل "سلمات أبو البنات" على MBC5، وأنا بصدد تصوير الجزء الثالث منه، ولا أعلم ما إذا كان سيُعرض بعد رمضان أم سينتظر إلى رمضان القادم.
كما يُعرض لي خلال موسم رمضان، عملٌ آخر يحمل اسم "البيوت أسرار"، يُعرض على القناة الأولى المغربية، وقبيل شهر رمضان انتهيت من عمل سينمائي يحمل اسم "ساعة وسلام"، لمخرجه الشاب مولاي الطيب بوحمامة.