أثار مسلسل الحشاشين الجدل منذ عرض أولى حلقاته، بسبب تباين الأحداث التاريخية بين الروايتين العربية والغربية، بالإضافة إلى الأخطاء التي تم رصدها خلال التصوير، واللغة المصرية العامية المستعملة عوض الفصحى.
"عربي بوست" تواصل مع مجموعة من النقاد المصريين للحديث عن النقاط التي أثارت الجدل في مسلسل الحشاشين، الذي يوثق لحركة أثارت الجدل في التاريخ الإسلامي، والذي يُعتبر واحداً من أبرز أعمال رمضان 2024.
يقوم ببطولة مسلسل الحشاشين كل من كريم عبد العزيز، وفتحي عبد الوهاب، وأحمد عيد، وكتبه المؤلف عبد الرحيم كمال وأخرجه بيتر ميمي.
الاعتماد على الرواية الغربية
أول الانتقادات التي وُجهت لمؤلف مسلسل الحشاشين اعتماده على الروايات الغربية التي تحدثت عن صداقة تجمع بين حسن الصباح ونظام المُلك الطوسي وعمر الخيام، في حين أن الروايات العربية الصحيحة قالت إن نظام المُلك ولد قبل حسن الصباح بعشرين عاماً، وفي روايات أخرى فإن عمر الخيام أصغر من ابن الصباح بعشرين عاماً.
كما أن الروايات الغربية تحدثت عن جنات أعدها حسن الصباح لأتباعه بها قصور وجوارٍ وأنهار من العسل واللبن وكان ينقلهم إليها مخدّرين ليقضوا فيها عدة أيام ثم يعيدهم إليه، ليقنعهم بأنه أرسلهم ليروا الجنة التي سيعيشون فيها باقي حياتهم عندما يموتون في سبيل دعوته، ولكن الروايات العربية نفت هذا الأمر، وأنه لم تكن هناك تلك القصور والجواري، وغيرها من الفروق الجوهرية بين الروايتين.
الناقدة ماجدة خير الله قالت إن مسلسل الحشاشين عمل فني جيد وجاد، ويعتبر خطوة رائعة للعودة بالتاريخ إلى مناطق مجهولة بالنسبة لأغلبية الجمهور الذي لا يعرف شيئاً عن الدولة الفاطمية ولا عن جماعة الحشاشين ونشأتهم، وهي أول جماعة انتهجت القتل والعنف في العالم الإسلامي.
وفيما يتعلق بحقيقة العمل وما ظهر فيه من بعض المبالغات قالت خير الله لـ"عربي بوست": لا بد أن يكون للمؤلف مساحة يخرج فيها إبداعه، فهذا ليس كتاب تاريخ، وحتى كتب التاريخ نفسها لا تكون متشابهة ويكون بينها اختلافات.
وأضافت المتحدثة أنه من الطبيعي أن تجد في المسلسلات أشياء يتم الاختلاف عليها، فعلى سبيل المثال ثورة يناير التي عايشناها تتم حكايتها من وجهات نظر كثيرة ومختلفة، وإذا تحدثنا عن حدث أقدم منها مثل ثورة يوليو مثلاً فستجد وجهات نظر وحكايات أكثر، فالتاريخ به وقائع ثابتة ولكن التفاصيل تختلف من رواية لأخرى، فما بالك بعمل يتحدث عن تلك الحقبة القديمة.
أما الناقد أحمد سعد الدين فقد قال لـ"عربي بوست" إن قصة الحشاشين تمت كتابتها 6 أو 7 مرات، كل مرة بشكل مختلف عن الآخر، ووجهة نظر الشيعة في القصة مختلفة عن وجهة نظر السُّنة، والرواية نفسها حالة جدلية.
وقال المتحدث عندما نقدم مسلسل ليس شرطاً أن يقدم الحقائق بنسبة مئة بالمئة، فهناك جزء يكون درامياً، وأعتقد أن عبد الرحيم كمال، مؤلف مسلسل الحشاشين، قد استند لرواية أمين معلوف التي قدمها في الثمانينيات، وهي قريبة جداً مما نشاهده على الشاشة في المسلسل.
التحدث بالعامية وأخطاء الديكور
ومن بين ما أخذه الجمهور على صناع مسلسل الحشاشين تحدث الأبطال بالعامية المصرية بدلاً من الفصحى، وبعض الأخطاء في ديكور بعض المشاهد، وحقائق تاريخية حول أسماء بعض المدن مثل "باريس" التي ذكرت في المسلسل ولم يكن قد أطلق عليها هذا الاسم في ذلك الوقت، ومثل ظهور أبو الهول في طريق حسن الصباح أثناء قدومه لمصر من الشام، رغم أن الأهرامات وأبو الهول في الناحية الغربية من النيل.
وقالت الناقدة ماجدة خير الله لـ"عربي بوست" إن العامية ليست سُبة، فالمقصود من استخدام العامية هو وصول المسلسل لأكبر قدر من الجمهور الذي قد تستهويه الأعمال التاريخية، ولو تم تقديم المسلسل بالفصحى سيفقد جزءاً كبيراً من الجمهور، ومعظم الأحداث تدور في بلاد فارس وبغداد والشام ومصر، فمن الأفضل أن يتم تبسيط الأمر على الجمهور، وقطاع كبير من الجمهور معجب بالمسلسل.
وعن نجاح المسلسل وتشجيعه للمنتجين على تقديم أعمال تاريخية في المستقبل قالت الناقدة ماجدة خير الله: ستكون لدينا أعمال تاريخية، ولكن ليست كثيرة، وذلك لأن المسلسل التاريخي مكلف جداً.
وقالت إن المسلسل يحتاج إلى وقت كبير، فهو ليس كالمسلسلات الأخرى التي يؤلفها المؤلف من رأسه، ولكنه يحتاج لمراجع وبحث وأشياء كثيرة، فكتابته ستأخذ فترة كبيرة وكذلك تنفيذه على أرض الواقع سيحتاج لفترة كبيرة.
للحديث عن بعض السلبيات في المسلسل قالت: عندما نقيم العمل فعلى المستوى الفني من حيث الإخراج والتصوير والتمثيل والمونتاج فهو جيد جداً، باستثناء بعض الحالات التي عليها اختلافات بسيطة.
الناقد أحمد سعد الدين قال لـ"عربي بوست": تعوّدنا على مشاهدة الأعمال التاريخية باللغة العربية الفصحى، ولكن منذ عامين بدأنا نشاهد الأعمال التاريخية باللهجة العامية المصرية، بداية من مسلسل "رسالة الإمام"، فهل هذا لأنه لم يعد هناك ممثلون مصريون يستطيعون التحدث بالفصحى بشكل سليم، أم أنها وجهة نظر المؤلف والمخرج.
وأضاف المتحدث في تصريحه لـ"عربي بوست": أعتقد أنه من الأفضل أن يتم تقديم الأعمال التاريخية بالفصحى، أما الشيء الثاني فله علاقة بالديكور، وكثيرون تحدثوا عن أن بعض الديكورات تخص عصوراً أخرى.
أما النقطة السلبية الأخرى فكانت متعلقة بشخصية حسن الصباح، والكيفية التي ظهر بها في المسلسل، وقال أحمد سعد الدين: لقد أظهر المسلسل حسن الصباح أن له كرامات، وأنه ينظر في وجه الشخص فيستطيع معرفة تاريخ حياته، وأظهره بشكل خارق لدرجة غير طبيعية.
وهنا هو صبغ الأمر بطابع فانتازي خيالي، وكان من الأفضل أن يلتزم المؤلف بكون الشخصية طبيعية من لحم ودم، أو لو أن لديه دليلاً على أن حسن الصباح كان كما أظهره، فليُخرج لنا بياناً يقول لنا فيه المصادر التي ذكرت أن حسن الصباح كان خارقاً بهذه الدرجة.
مسلسل الحشاشين والتدقيق التاريخي
وبالانتقال إلى التدقيق التاريخي، يقول الدكتور محمد إبراهيم، المتخصص في التاريخ الإسلامي والفاطمي: إن التفاصيل تختلف من حقبة لحقبة، ولو قرأتها في مراجع عربية ستجد كلاماً مختلفاً عما ستجده إذا قرأت عنها في مراجع أجنبية، سواء في المسميات أو في التواريخ، لذلك فهناك روايات كثيرة تتحدث عن الحشاشين وتاريخهم.
وأكد الدكتور محمد إبراهيم أن صناع مسلسل الحشاشين عالجوا بعض الأحداث سريعاً، دون التمحيص فيها والتركيز عليها وإظهارها بالشكل الصحيح، مثلما حدث في بداية المسلسل عندما ذهب حسن الصباح لمصر لمقابلة الخليفة المستنصر، وبعدها حدث صراع بينه وبين بدر الدين الجمالي، وتم قتل نزار بن المستنصر في الإسكندرية في الوقت نفسه.
وأضاف المتحدث أن هذه الأحداث لم تكن صحيحة، فنذار لم يقتل في عهد بدر الدين الجمالي، بل في عهد ابنه الوزير الأفضل بن بدر الدين، وبعض الروايات تؤكد أنه بعدما انهزم نذار في معركة الإسكندرية أتى به الأفضل ووضعه في حجرة وأغلقها بحائط حتى مات نذار وتحلل بالداخل.
ويوضح الدكتور محمد إبراهيم أن هناك بعض الأخطاء الأخرى في المسلسل متعلقة بالزمن، منها عندما أظهروا كريم عبد العزيز وهو ذاهب لمقابلة الخليفة المستنصر، وكان من المفترض أنه يمر من باب القصر، فقاموا بتصوير تلك اللقطة في مدرسة فرج بن برقوق المملوكية، وهي مدرسة تم بناؤها في عصر المماليك.
كما أن المخرج كان يقدم نظرة عن أبواب القاهرة الفاطمية في بداية ظهورها في المسلسل، ولكنه أظهر عدداً من المآذن المملوكية، وهذه المأذن لم تكن قد بُنيت في ذلك العصر، فهي بُنيت بعد عصرين من العصر الفاطمي الذي تلاه العصر الأيوبي ثم العصر المملوكي.
وفيما يتعلق بشخصية حسن الصباح والشكل الذي ظهر به في المسلسل، قال إن إظهاره بأنه شخص له كرامات لم يكن حقيقياً، ولكن هذا أمر درامي أضافه صناع المسلسل، وكذلك تصدير صورة عنه بأنه منذ طفولته يتميز بالفراسة ويستطيع معرفة الكثير عن الناس لم يكن حقيقاً، والسير التي كُتبت عن حسن الصباح، سواء التي كتبها العرب أو الأجانب، لم تذكر هذا الأمر مطلقاً.
وبالحديث عن الروايات الغربية والعربية، فقد أكد الدكتور محمد إبراهيم أن الروايات العربية هي الأصح عن الروايات الغربية في قصة حسن الصباح، وأنه كان هناك فرق كبير في العمر بين نظام الملك وحسن الصباح، وليس حقيقاً أنهما كانا صديقين ومعهما عمر الخيام وأنهم تعاهدوا على مساندة بعضهم البعض.
وكذلك الأمر المتعلق بأن حسن الصباح قد أنشأ ما يشبه الجنة لأتباعه فهو أمر ليس صحيحاً، ولكن ماركو بولو عندما زار القلعة وكتب عن جماعة الحشاشين أضاف للأمر بعض الخيالات من رأسه، ووضع الكثير المغالطات والأساطير في كلامه عنهم، وهي أشياء لم تحدث في الواقع.
وفي النهاية أكد الدكتور محمد إبراهيم أنه من الواضح جداً أن هناك إسقاطاً في المسلسل على جماعة الإخوان المسلمين، وأن هناك تشبيهاً ما بين حسن الصباح وحسن البنا، وفكرة الإسلام السياسي وجماعاته التي لديها مشروع سياسي يتبنى فكرة العنف والقتل، مستندين على المبدأ الميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة".