لم تكد الحلقات الأولى من مسلسلات رمضان 2023 تنطلق، حتى انطلق سيل من السخرية اللاذعة التي طالت الجميع، مع رصد دقيق للأخطاء بأنواعها، سواء كانت فنية، أو تاريخية، أو حتى شخصية، تواصلت حتى منتصف الشهر الكريم، لكن السؤال: هل ساهم هذا النقد في خدمة هذه الأعمال، أم أنه على العكس، قلل من شعبيتها، وهل تستحق تلك الأعمال المشاهدة حقاً؟
مسلسل سره الباتع
بمجرد الإعلان عن عرض مسلسل سره الباتع للمخرج خالد يوسف، وقبل حتى عرضه، تبنى كثيرون وجهة نظر معارضة للعمل، الذي مثل، بالنسبة للبعض، صفعة أخلاقية لهم، على خلفية أزمة سابقة متعلقة بمقاطع فيديو مسربة، تمت على إثرها محاكمة فنانتين شابتين في مصر هما منى فاروق وشيما الحاج.
فيما سافر وقتها المخرج الشهير خالد يوسف إلى فرنسا، مؤكداً أن سفره ليس هرباً، لكن القصة بالكامل تحولت إلى "ندبة" في حياة الجميع، وعلى رأسهم المخرج خالد يوسف، والذي اعترف بنفسه أن ثمة حالة "ترصد" لمسلسل "سره الباتع" وأن هناك أناساً لا يحبونه كـ "موقف أخلاقي".
لكن على المستوى الشخصي أعجز عن فصل الفنان عن عمله، لهذا لم يكن المسلسل على قائمتي للمشاهدة هذا العام، حتى ولو كان الأفضل، وفوجئت أن مثلي كثيرون، وقد تأكد لي صواب رأيي حين عثرت على هذا التصريح للمخرج الذي أكد أنه مثير للجدل طوال حياته، وأن هذا كله "ولا يفرق معاه".
لكن الصدف قادتني، غير مرة إلى مشاهد من العمل، سواء عبر التلفزيون، أو صفحة حسابي الشخصي الرئيسية على فيسبوك، والحق أنني توقفت غير مرة أمام "الكادرات" التي بدت لي، مع مروري السريع، لوحات جميلة، ويبدو أن هذا لم يكن رأيي وحدي.
هكذا قلت إن المسألة لا تتعلق بالمخرج وحده، ولكنّ هناك فنانين آخرين، أحب عملهم، كأحمد السعدني مثلاً، فلماذا لا أتابعه على سبيل التجربة، والتي لم تكن في صالحه أبداً.
الكثير من الكليشيهات خرجت على لسان الأبطال بطريقة لا تتناسب مع الزمن أو مستوى التعليم، مثل تلك الجملة على لسان فلاحة بسيطة تقف في ساحة قريتها لتقول: "كنت لازم تسألوا عن الأرض دي قبل ما تيجوا، تشوفوا طحنا فيها كام معتدي ودفنا في ترابها كام ظالم".
جعلتني أشعر بـتكلف، نعم الصورة جميلة، لكنها لم تخلُ من الأخطاء، التي لم أرصدها وحدي، وإنما تكفل رواد مواقع التواصل برصدها على مدار الحلقات، مع تعمد لإثارة الجدل، كما هو الحال مع ظهور الممثلة "رانيا التومي"، بملابس لافتة وزوايا تصوير مستفزة، ناهيك عن مشهد الجنود الفرنسيين الذين لم يبدو فرنسيين، بعضهم أسمر البشرة، ويتحدثون العامية المصرية بطلاقة.
هذا بالإضافة لظهور المخرج خالد يوسف بنفسه، في لقطة قديمة له، داخل المسلسل، فضلاً عن بعض الأخطاء الأخرى المتعلقة بحقائق تاريخية ولعل أبرزها، ذلك المشهد لجندي فرنسي من القرن الماضي، ينتعل "كوتشي" حديثاً!
انتهيت إلى أن الصورة الجميلة والتمثيل الجيد، لا يعني بالضرورة عمل جيد، وقد تأكدت وجهة نظري تماماً، مع الأزمة الأخيرة للمسلسل، الذي قام مخرجه بتغيير الموسيقى التصويرية للعمل دون الرجوع لمؤلفها المبدع راجح داوود، مع إضافة أجزاء ليست من تأليفه، ما دفع الأخير لإصدار بيان استنكر فيه ما جرى، وأخلى فيه مسئوليته عن العمل وتفاصيله، وأيده فيه عدد كبير من الموسيقيين المصريين الذين اعتبروا ما جرى اعتداء!
مسلسل الهرشة السابعة
كاد هذا المسلسل، الذي يلاقي قبولاً جماهيرياً أن يخرج من قائمة المسلسلات الضعيفة، لولا مجموعة من الأمور التي استوقفتني كثيراً، وجعلتني أتساءل "لماذا ؟" وإلى من في الواقع، يتم توجيه هذا العمل؟
في العام قبل الماضي، قام المخرج كريم الشناوي، بصحبة ذات المجموعة تقريباً، مع استثناءات بسيطة، بتقديم مسلسل "خلّي بالك من زيزي"، كانت طريقة الكلام، المتقطعة، المتصنعة، التي تضايقني جداً، مسيطرة على "أمينة خليل وعلي قاسم" بالأساس، ثم راحت تتسرب شيئاً فشيئاً لأبطال العمل وقتها.
الحق أن هذا تكرر هذا العام، وبصورة أكبر في مسلسل الهرشة السابعة، والذي يناقش مجموعة من التفاصيل الحساسة والمهمة جداً، في مسألة الزواج والإنجاب، والطلاق، لكنني لم أستطع أن أبتلع من جديد طريقة الكلام.
هكذا كان الممثلون في الحلقات الأولى، يتحدثون بطريقة عادية، ثم راحوا لاحقاً يتحدثون، تماماً كأمينة خليل، وعلي قاسم من جديد، على رأسهم الممثل الموهوب محمد شاهين كأنها لعنة، ربما لهذا قامت الممثلة الشابة "جيلان علاء"، بالسخرية من طريقة الكلام تلك عبر مقطع فيديو قارب على المليون مشاهدة، مع تأمين عام من المشاهدين أن طريقة الكلام تلك غير موفقة.
نقطة أخرى استوقفتني وهو التكرار، رغم الإجادة، كريم الشناوي، مخرج مميز، ومتمكن، لكنه يكرر نفسه لن تشعر بفارق يذكر، حين تشاهد كلاً من مشهدي الطلاق في مسلسلي "خلي بالك من زيزي، والهرشة السابعة"، ذات التفاصيل تقريباً، وذات الأجواء، رغم قوة المشهدين، وإثارتهما للجدل، إلا أن تكرار كل شيء، حتى الممثلين في أعماله، تستوقفني وتجعلني أتساءل هل هو استسهال أم خوف من التجريب؟
مع مرور الحلقات، وجدتني أتساءل: هذا المسلسل موجه إلى من حقاً؟ رغم إعجاب قطاع كبير بالعمل، إلا أن طريقة الكلام الغريبة، والتي يفترض أنها لطبقة بعينها، وهو أبناء المدارس الأجنبية الذين يجاهدون للحديث باللغة العربية، انقلبت مع الوقت لتصير أجنبية تماماً، في مشاهد كاملة كانت بحاجة إلى مترجم!
هكذا انتهيت إلى أن المشاهد العادي، ابن المدارس "العربي" الذي لا يجيد الإنجليزية، ولا يتعامل مع طبقات أخرى تجاهد لتتحدث العربية، ليس مستهدفاً من هذا العمل.
دلل على ذلك تفصيلات أخرى تتعلق بطبيعة عمل المشاركين في المسلسل، كـ"نادين" مثلاً، والتي تعمل كمعلقة صوتية، والتي أظهر المسلسل أن راتبها من هذا العمل سوف يساعدها في دفع مصاريف مدارس أطفالها "الأجنبية" وهو ما أثار حالة من السخرية اللاذعة، من جانب العاملين في مجال التعليق الصوتي، والذين خرجوا ليتحدثوا عن "الملاليم" التي يتقاضونها والتي ربما لن تكفي لربع قسط واحد من مدرسة عربي وليس مصروفات مدرسة دولية!
مسلسل الإمام الشافعي
كان الأول على قائمتي للمشاهدة من مسلسلات رمضان 2023 هو مسلسل الإمام الشافعي، فقد أعجبتني الحلقات الأولى بالفعل، كان ثمة روح طيبة، وتمثيل جيد جداً من الجميع، وكل التفاصيل مبشرة جداً، إخراج لافت، وتقمص مذهل من خالد النبوي.
لكنني فجأة تهت، فلم يكن ثمة أحداث تجبرني على انتظار الحلقة التالية، ثم بدأت مجموعة من المآخذ، التي راح المتابعون يعددونها، باعتبارها تارة "أخطاء" وتارة أخرى "فضائح".
البعض أرجع الهجوم إلى أن المسلسل "مصري حتى النخاع" لكن التأكيد على أخطاء المسلسل، وعلى رأسها "اللغة" لم تأتِ على لسان المشاهدين العاديين وحدهم، ولكنها امتدت للمتخصصين.
الهجوم الشديد، من جمهور عادي، وشيوخ، عرب ومصريين، بسبب أخطاء تتعلق بأحداث غير حقيقية ولغة غير متسقة مع الزمن، وصلاة فجر من دون سنة.
لكن الخطأ الأكثر فداحة، وهو استخدام أبيات شعر للشاعر السوري حذيفة العرجي على أنها للإمام الشافعي، دفع صناع المسلسل إلى محاولة الهروب من المأزق بجملة، قاموا بإضافتها في المقدمة، بدءاً من الحلقة الخامسة، تقول: "هذا العمل رؤية درامية مستوحاة من أحداث تاريخية بعض حكايات وشخصيات العمل من وحي خيال المؤلف للضرورة الدرامية".
حسناً بعيداً عن هذه التفاصيل جميعاً، عدت لنفسي، حين لم أجد بي حاجة لاستكماله، ولا رغبة، لن أذهب إلى موعد عرضه لأتباعه، ولن أبحث عنه لأشاهده، فقدت شهيتي له عقب حلقتين اثنتين، ليس بسبب أخطاء، ولكن بسبب غياب الحبكة القوية القادرة على جذب المشاهد ليتابع العمل من البداية للنهاية دون ملل، تلك الحبكة القادرة أن تجعله يصرف نظره عن الأخطاء متعمداً، بسبب جمال العمل وإمتاعه.
مسلسل جعفر العمدة
جاء مسلسل جعفر العمدة من مسلسلات رمضان 2023 خارج حدود العقل والمنطق ومن وراء الطبيعة، جاء لملياردير من منطقة السيدة زينب، يتمسك بأصوله ويعيش داخل المنطقة الشعبية العريقة، لكن المبالغات العنيفة، بدأت مع التتر، حيث تسريحة شعر مفتعلة جداً لجعفر العمدة نفسه "محمد رمضان" غير منطقية أو طبيعية، فضلاً عن عدد من التفاصيل التي سجلها صناع المحتوى باعتبارها مآخذ على المسلسل.
لكنني على المستوى الشخصي، ورغم المتابعة الجارفة للمسلسل، وتلك الحالة التي جعلت فتيات وسيدات كثيرات يتصالحن مع فكرة "التعدد" والحياة مع "ضرة" أو أكثر داخل منزل واحد، شعرت باشمئزاز شديد، شاركني في هذا آخرون مع تصوير نساء جعفر العمدة على أنهن "أشياء" يبتلعن الإهانة، ولا تتحدد مكانة أي منهن إلا بمكانتها عند جعفر ووالدته، حتى أنه تم اتهام المسلسل بالإساءة لصورة المرأة المصرية!
سوف تشعر بعدم المنطقية مع عديد من التفاصيل، أبرزها المكياج الكامل، وتسريحات شعر نجمات السينما التي تعتمدها نساء جعفر العمدة داخل المنزل، كأنهن على الريد كاربت وليس في منزلهن بالسيدة زينب، حيث كل منهن بكامل أناقتها وصيغتها، دون مهام طبيعية تذكر لأي منهن، سوى التأنق.
في مسلسل جعفر العمدة لا مكان للأمن ولا الشرطة، يمكن لجعفر بسهولة أن يقوم بتعليق خصومه في وضح النهار داخل منطقة شهيرة كالسيدة زينب دون مساءلة تذكر، ويمكنه أن يضرب موظفاً في محل عمله، وأن يصفع من يريد أينما يريد!
لن أنكر أنه يلقى رواجاً و إعجاباً، نظراً لشدة الغرابة التي يعتمدها مع كل تفصيلة، والحبكة والتشويق، لكنه في الواقع لن يلقى "احتراماً" على الأقل من جانبي للأفكار التي يحملها طوال الوقت، حيث من السهل الاعتداء على الناس باستمرار، ومن العادي، أن يقوم بـ "تسليف" الملايين للآخرين، مقابل عائد ربوي ضخم.
الرجل الملياردير لا يعمل في الواقع، لا يقدم قيمة تذكر ولا يبذل مجهوداً يذكر، سوى في ترتيب الأيام بين زوجاته والإساءة للآخرين!
مسلسل المداح
رغم الرواج الكبير الذي يحظى به الجزء الثالث من مسلسل المداح الذي يعرض ضمن سباق مسلسلات رمضان 2023، إلا أنه لم يخلُ من الأخطاء، مثل ظهور سيدات يتقدمن الرجال في جنازة والدة صابر، بطل العمل، ناهيك عن المكياج المبالغ فيه لـ "العفاريت" والتي حولت امراة مثل لوسي يفترض أنها عفريتة إلى كيان مضحك، كلما ظهر على الشاشة ارتسمت الابتسامة بدلاً من الخوف.
مقارنة سريعة بين دور العفريتة الذي يقدمه المداح، وذات الدور الذي قدمه من قبل الكبريت الأحمر بواسطة "سيمون" يظهر الفارق الضخم بين التخويف الحقيقي والتخويف المبالغ فيه.
التركيز مع الأخطاء في المسلسل سوف يقودك إلى شخصية "سلمى أبو ضيف" التي يفترض أنها صعيدية، لكنها تتحدث العامية بطلاقة، ولكن مهلاً هل هذه هي حقاً الأخطاء التي يمكن التوقف عندها؟
في رأيي الخطأ الأكبر هو مشاهدة هذا المسلسل، الذي اعترف بطله أن عالم الجن حقيقي وموجود، مؤكداً أن أحداث مسلسله الذي يروج إلى إمكانية زواج الجن من الإنس، بل والإنجاب منهم، حقيقة، أتساءل عن كم أطفال السفاح الذين سيتم نسبهم إلى الجن في السنوات القادمة، وعن كم الأموال التي ستذهب إلى الدجلة والمشعوذين من أجل التخلص من الجن العاشق وسيطرة العفاريت!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.