هناك الكثير من أسرار التاريخ الغامضة التي لم يجد لها المؤرخون والعلماء حلاً حتّى الآن، وقد نشرنا لكم سابقاً مجموعةً من الأسرار العجيبة، يمكنكم قراءتها هنا وهنا. وفي هذا الموضوع نأخذكم في جولةٍ أخرى من هذه الأسرار التاريخية، وفق ما نشره موقع History Extra الذي جعل 20 مؤرخاً وكاتباً يختارون السرّ التاريخيّ الذي حيّرهم ولم يجد له العالم حلاً حتى الآن.
لماذا كان الأوروبيون يرقصون حتى الموت؟
اختارت هيلين كار، وهي مؤرخة متخصصة في العصور الوُسطى ومنتجة تلفزيونية، سراً مثيراً للغاية: فلماذا رقص الناس حتّى الموت في أوروبا في العصور الوسطى؟
ففي عام 1518 بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، خرجت امرأةٌ تُدعى فراو تروفيا من منزلها وشقّت طريقها في شارعٍ ضيّق، ثم بدأت في الرقص على نغمتها الجامحة الغاضبة بدون موسيقى، واستسلمت لجنونٍ انتشر كالنار في الهشيم.
يبدو أنّ الآخرين سمعوا النداء الصامت، وسرعان ما بدأ نحو 400 شخص آخر في القفز حول المدينة وسط سُعارٍ من الرقص والتمايل. وسيطر على الحشود، التي تحوّلت فجأةً إلى كتلةٍ من الجثث، دافع أجبرهم على الرقص دون راحة، أو طعامٍ، أو ماء.
وهذه ليست المرة الأولى التي يضرب فيها وباءٌ من هذا النوع المعروف باسم "طاعون الرقص" أوروبا. إذ وصفت الروايات منذ عام 1374 موقفاً مُشابهاً: "أولاً يسقطون على الأرض وهم يزبدون (يخرج الزبد من أفواههم)، ثم ينهضون مرةً أخرى ليرقصوا حتى الموت".
لم تُفسّر تلك الظاهرة الغريبة بالكامل مطلقاً. إذ عُزِيَت تاريخياً إلى التأثير الشيطاني، أو حتى البِدَع. في حين اتّجه مُؤرّخو القرن الـ19 إلى العلم في محاولةٍ لتشخيص الراقصين باضطراب الرقاص الثانوي، وهو اضطرابٌ يتميّز بحركاتٍ سريعة غير متناسقة وفجائية تُؤثّر بشكلٍ أساسي على الوجه واليدين والقدمين.
في العقود الأخيرة تمّ التحقيق في أمر المُحفّزات العضويّة، ومنها تناول الإرغوت: وهو فطرٌ طُفيلي له خصائص المؤثرات العقلية واشتهر استخدامه بين الأشخاص الذين أظهروا سلوكاً هستيرياً، مما أسفر عن محاكمات السحرة الجماعية في أوروبا بين عامي 1692 و1693.
التفسير الآخر الذي قدّمه علماء النفس أول الأمر، قبل أن يتبنّاه المؤرّخ جون والر، هو تفسيرٌ مقنعٌ أيضاً: هو أنّ طاعون الرقص كان نتيجة مرضٍ جماعي نفسيّ. وتُحفِّز الضغوطات العاطفية والعقلية ظهور هذا الاضطراب، إذ كانت فترة العصور الوسطى مليئةً بالحروب والطاعون والمجاعات في أوروبا.
وفي القرن الـ14، شهد فيضان نهر الراين ارتفاع منسوب المياه إلى نحو 10 أمتار ليغمر ستراسبورغ ويُسبّب الدمار، الذي أعقبه انتشار المرض والمجاعة. وهي ظاهرة قد تفسّر أنّه خلال العقد الذي سبق رقصة عام 1518 التي ذكرناها سابقاً، كان الطاعون والمجاعة وتفشّي مرض الزهري الشديد قد فتك بستراسبورغ ليترك الناس في حالةٍ من اليأس.
فهل كانت تلك الصعوبات حينها هي السبب في ظهور مَرضَى طاعون الرقص وكأنّهم ينفصلون عن أجسادهم ويتوهون في لحنٍ موسيقيٍّ حالمٍ عجيب، وهم مُصابون بالكدمات الدامية ويقفزون دون راحة لفترات وصلت لأسابيع أحياناً؟
لاشكّ أنّ هذا الدافع القويّ للرقص ربما كان نتيجة نوعٍ من اضطرابات ما بعد الصدمة. لكنّ استخدام هذه الوسائل لفهم ظروفهم الصعبة كان أمراً خطيراً: إذ مات العديد من الراقصين نتيجة الإرهاق، أو الجفاف، أو الجوع. في حين خرج آخرون من حالة الرقص المحموم هذه وعادوا إلى أرض الواقع مرةً أخرى.
ورغم أنّ تلك الحالات الغريبة قد تُسلّط ضوءاً جديداً على تاريخ الاستجابات النفسية الغامض للضغوطات الجسدية والعاطفية الشديدة، لكنّنا لا نعلم على وجه التأكّيد سبب اجتياح طواعين الرقص لأجزاءٍ من أوروبا في القرنين الـ14 والـ16. وفي الوقت الحالي على الأقل، سيظل السبب الحقيقي وراء رقص الناس في الشوارع في أوروبا في العصور الوسطى وتمايلهم حتى الموت لغزاً محيّراً.
لماذا فرَّ خليفة ماو من الصين؟
أمّا رنا ميتر أستاذ التاريخ والسياسات الصينية المعاصرة بجامعة أوكسفورد، فقد اختار حدثاً قريباً علينا وقع في 13 سبتمبر/أيلول 1971، عندما سقطت طائرةٌ صينية في أجواء منغوليا وتحطَّمت في الصحراء. قُتِل كل من كان على متنها وقد كانوا تسعة، بما في ذلك القيادي البارز بالحزب الشيوعي الصيني والجنرال بالجيش، لين بياو.
لم يصدم إعلان وفاة لين بياو الصين وحسب، بل العالم كله. لأنَّ الجنرال كان هو الخليفة المُختار للزعيم الصيني ماو تسي تونغ، الذي تولّى قيادة الصين منذ الثورة الشيوعية عام 1949.
كان لين قائد جيش التحرير الشعبي، وجنرالاً أسطورياً عن جدارة: فقد أسهمت تكتيكاته في الانتصار الشيوعي خلال الحرب الأهلية الوحشية بين عامي 1946-1949. وارتفعت مكانة جيش التحرير الشعبي بقيادة لين أكثر في الستينيات والسبعينيات.
لكن عند فجر يوم 13 سبتمبر/أيلول 1971، أسرع لين وثمانية آخرين، من بينهم زوجته، يي كون، ونجله، لين ليغو- من منزلهم إلى الطائرة التي كانت تنتظر. أقلعت الطائرة بنجاح، لكن فيما كانوا يسرعون للمغادرة، لم يعيدوا تزويد الطائرة بالوقود، وتحطّمت الطائرة.
لكنّ لين كان واحداً من أكثر الزملاء الموثوقين لماو تسي تونغ، لماذا قد يفرُّ إذاً؟ التفسير الرسمي الصيني هو أنَّ لين كان يتآمر للإطاحة بماو، وكان يحاول مغادرة الصين قبل إلقاء القبض عليه. ومن المفترض أنَّه كان مغادراً نحو الاتحاد السوفيتي، الذي كان يمثل دولةً معادية للصين في تلك الفترة رغم كونهما دولتين شيوعيتين. وقد دُمِّرَت كل السجلات الصينية بعد فترة وجيزة من وفاة ماو، لذا لا توجد وثائق تتعارض مع الرواية الرسمية للأحداث!
لكنّ هناك جوانب غير منطقية في القصة. فلماذا قد يريد لين بياو قيادة انقلابٍ متسرِّع؟ إذ كان المرض بادياً على ماو في مطلع السبعينيات، ولابد أنَّ زملاءه كانوا يعرفون أنَّهم لن يضطروا للانتظار طويلاً لإيجاد خليفةٍ له.
كانت إحدى الروايات التي قُدِّمَت في السنوات اللاحقة هي أنَّ لين، شأنه شأن زوجة ماو، جيانغ كينغ، كان يعارض العلاقات الدافئة مع أمريكا، بينما كان رئيس الوزراء الصيني، تشوان لاي، مؤيداً بقوة لها.
تتمثل إحدى النظريات في أنَّ المعارك الجانبيّة التي اندلعت بسبب هذا الخلاف داخل النظام قادت عائلة لين للهرب قبل أن تسقط ضحية لمؤامرات سياسة التملُّق والمداهنة. وهناك أيضاً أدلة على أنَّ لين كان قد ضاق ذرعاً بالسياسة بحلول عام 1971، لكنّ زوجته وابنه هما مَن كانا يستعدّان لخسارة مكانتهما السياسية.
وظهرت المزيد من الأدلة في السنوات الأخيرة، بينها تحقيق سوفيتي تمّ في موقع التحطُّم، وتسبب في تعقيد الأمور أكثر. فعلى سبيل المثال، بدا في أول الأمر أنَّ الطائرة كانت متجهة جنوباً من بكين، وليس شمالاً، ما يشير إلى أنَّ الاتحاد السوفيتي ربما لم يكن الوجهة الأصلية لها.
مع ذلك، لا يوجد تفسير نهائي للتحطُّم. لكنّ ما تظهره "حادثة لين بياو" هو أنَّ التحالفات طويلة الأمد داخل القيادة الصينية إبَّان الستينيات تفككت وتحولت إلى جحر ثعابين يسوده انعدام الثقة بين الفرقاء. لذا ربما لا عجب في أنَّ قادة الحزب الشيوعي الصيني اليوم يعتبرون تلك الفترة كانت كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معاني.
هل كانت حرب طروادة حقيقة أم خيال؟
أمّا ديزي دان، وهي ناقدة ومؤلفة ومؤرخة في الأدب والتراث الكلاسيكي فقد اختارت أن تأخذنا في رحلة زمنية للتاريخ البعيد، فقد اختارت حرب طروادة التاريخيّة. إذ إنّها تعتبر أنّ أكبر لغزٍ لم يُحَل في العالم القديم حتّى الآن هو ما إذا كانت حرب طروادة قد وقعت فعلاً أم لا؟!
انتهت الحرب بعدما صنع الأعداء حصاناً كبيراً وخبّأوا داخله فرسانهم، وأوهموا الطرواديين أنّهم انسحبوا بسفنهم، وعندما فتح الطرواديون أبوابهم وأدخلوا الحصان تسلل فرسانهم في ظلمة الليل واحتلوا المدينة.
وقد شغلت الحرب مكاناً مهماً في الخيال القديم، وهي موضوع الملحمة الشعرية الشهيرة لهوميروس "الإلياذة". يُقال إنَّ الحرب نشبت بين اليونانيين والطرواديين لمدة 10 سنوات. لكن بعيداً عن النظر إليها باعتبارها مجرّد خيال، يميل مؤرخون يونانيون مثل ثيوكيديديس إلى الاعتقاد بأنَّ الصراع شكَّل جزءاً من تاريخهم الحقيقي القديم.
اعتبر المؤرخ هيرودوت أنَّ حرب طروادة اندلعت قبل 800 سنة تقريباً من زمانه؛ أي في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
كما أنّ بعض التفاصيل الواردة في "الإلياذة" حافلةٌ بذكرياتٍ من تلك الحقبة التاريخية العامة. فحجم وروعة قصر الملك بريام، على سبيل المثال، يستحضر في الأذهان القصور الفخمة التي بناها القدماء في شبة جزيرة البيلوبونيز التي تقع جنوبي اليونان.
لكنَّ شعر هوميروس ليس سجلاً تاريخياً. إذ اكتملت الملحمة الشعرية بعد نحو 400 سنة من الفترة التي وقعت فيها المعركة! وتتحدث عن عالم تختلط فيه الآلهة مع البشر، وينتمي أبطال الملحمة إلى عصر الأبطال الأسطوريين. فبأي شكل إذاً يمكن أن تكون حرب طروادة التي تحدّث عنها هوميروس حقيقية؟
حُدِّد موقع طروادة التاريخية بأنَّه يقع في منطقة حصارليك قرب مضيق الدردنيل على الساحل الغربي لتركيا. وقد نُقِّب عنها ووُجِّد أنَّها تحتوي على العديد من الطبقات الأثرية. واكتُشِف بضعة رؤوس أسهم وبعض العظام البشرية المكسورة في الطبقات الأثرية التي تعود إلى فترة حرب هوميروس. وكانت هناك أيضاً دلائل واضحة على حدوث حريق مدمر، ربما هو نفس الحريق الذي يقول هوميروس إنَّ الإغريق أضرموه بعد اقتحامهم قلعة طروادة.
قد تبدو هذه الاكتشافات ضعيفة، لكنَّها تتعزز بأدلةٍ من مناطق أخرى في آسيا الصغرى. وعلى وجه التحديد، أشارت بعض ألواح "الحيثيين" وهم شعب أناضولي قديم، إلى صراعاتٍ ترتبط بطروادة، التي أسموها "ويلوسا". بل ويذكرون حاكماً هناك يُسمَّى "ألكساندو"، ويُعرَف "باريس" أمير طروادة، في الإلياذة باسم "ألكسندروس".
هذه الأدلة الأثرية، إضافة إلى ثقة المؤرخين القدامى، تُشجِّعنا على أخذ احتمالية أن تكون حربٌ قد وقعت في طروادة في العصر البرونزي المتأخر فعلاً. لكن إن كان وقع صراع، فلابد أنَّه كان مختلفاً تماماً عن ذلك الذي وصفه هوميروس، الذي كتب إلياذته بعد 400 سنة من حرب طروادة.
في النهاية، ما زلنا غير قادرين على التأكُّد مما إذا كان هوميروس نَظَم شعره للحفاظ على الذكريات البعيدة لحربٍ حقيقية خاضها رجالٌ من مختلف أنحاء العالم اليوناني، بعدما أشعلها هروب أميرٍ مع زوجة آخر، أم لا. وتبقى الحقيقة بشأن حرب طروادة، على الأقل في الوقت الراهن، بعيدة عن متناولنا.
ماذا أصاب الأمير أبو بكر وأسطوله؟
يعود بنا غوس كاسيلي هايفورد، وهو مؤرخ ثقافي ومذيع ومدير متحف V&A East المنتظر افتتاحه في لندن عام 2023. إلى عالمنا الإسلامي، حيث إنّ أعظم أسرار التاريخ بالنسبة له هذا الأمير المسلم الذي قرّر استكشاف العالم واختفى أسطوله بكلّ من فيه ولم ينجُ منهم أحد.
في أواخر العصور الوسطى، تطوّرت دولة مالي لتصبح واحدةً من أكبر الإمبراطوريات في إفريقيا جنوب الصحراء التي شهدتها القارة على الإطلاق. وكانت أغنى من أي دولةٍ إفريقية أخرى، وكانت هائلةً حقاً بروابطها التجارية والثقافية التي ربطتها بكثيرٍ من المراكز الرئيسية في عالم العصور الوسطى.
بلغت الإمبراطورية أوجها في القرن الرابع عشر. وفي هذا القرن، ارتقى أبو بكر كايتا، وهو آخر إمبراطور ينحدر من الأسرة الحاكمة، إلى العرش المالي. لكنَّ الإمبراطور المُعيَّن حديثاً واجه تحدياً غير مسبوق: كان طَمُوحاً بقدر أجداده، لكنَّ مملكته كانت تحدُّها الصحراء الكبرى من ناحية، والمحيط الأطلنطي من الناحية الأخرى، الأمر الذي لم يترك له فرص كبيرة للتوسع.
أشار مانسا موسى، الذي عمل مستشاراً لأبي بكر وولياً لعهده، ويقال إنّه كان أخاه الأصغر، إلى أنَّ رغبة الإمبراطور في توسيع مملكته في المناطق القريبة تزايدت بمرور الوقت، إلى أن تفجَّرت وتحولت إلى هوسٍ خاص.
في فترةٍ مبكرة من عهده، رعى أبو بكر محاولة جريئة للإبحار عبر المحيط الأطلنطي من خلال تمويل بناء أسطول ضخم يضم مئات السفن. وبمجرد اكتمال الأسطول، ودَّع أدميرالاته، وقال لقباطينه ألا يعودوا لشواطئ مالي ثانيةً حتى ينجحوا في الإبحار إلى أقاصي الأطلنطي.
لكن حين لم تعد إلا سفينة واحدة من هذا الأسطول الضخم، ندب أفعاله لكنَّه لم يرتدع عن فكرته أبداً. فترك مساعده الموثوق، مانسا موسى، ليدير إمبراطوريته، وحاول مجدداً عام 1312. وهذه المرة، قاد البعثة شخصياً، وسافر في أسطولٍ أكبر يتكوَّن من آلاف السفن المحمّلة بالكامل.
لكن لم يُرَ الإمبراطور ولا سفنه مجدداً قط! ولا يزال الكثيرون يعتقدون أنَّه نجح في عبور الأطلنطي ليؤسس دولةً ماليةً جديدة، لكن للأسف، لا يوجد دليلٌ ملموس على هذا، باستثناء مجموعة من الأغاني الجميلة التي تستذكر الرحلة.
في حين أنَّنا قد لا نعرف بشكلٍ قاطع ما حدث لأسطول أبو بكر، فإنَّ إرث طموحه الجامح غيَّر طبيعة المشروع الإمبراطوري المالي جذرياً. فمانسا موسى، الذي خَلَفَه، لم يكن يشاطر أبو بكر بصورة كاملة ولعه بتنمية الإمبراطورية من خلال كسب أراضٍ جديدة، وبناء جيش لا مثيل له، وتعزيز الشراكات التجارية. لكنَّه في المقابل كرَّس وقته وطاقته للتغلُّب على نوعٍ مختلف من الحدود.
ففي مدينة تمبكتو المالية، دعم موسى مشروعاً مفعماً بروح المغامرة التي اتسم بها سلفه: قرَّر بناء أكبر مركز للبحث الفكري شهده العالم على الإطلاق. لقد حاول كلا الرجلين آنذاك تغيير شعور مالي بذاتها، لكنَّ الجواب عمّا إن كان أبو بكر نجح أم لا موجود، بلا شك، عند أسطوله الضائع.
ماذا تحاول مخطوطة فوينيتش إخبارنا؟
هل تخيلت يوماً مخطوطةً كُتبت منذ 600 عام، ولم يستطع العالم حتى الآن قراءة حرفٍ واحدٍ منها؟! هذه هي مخطوطة فوينتيش. وقد اختارتها إلما برينر، المتخصصة في شؤون العصور الوسطى بمتحف Wellcome collection البريطاني باعتبارها أعظم أسرار التاريخ.
إن تصفّحت مخطوطة فوينيتش المهترئة، فستجد صفحةً تلو أخرى من النصوص غير المفهومة بالمرّة. وتحتفظ بالمخطوطة حالياً جامعة ييل الأمريكية، وهي مكتوبة بلغةٍ مجهولة لم يتمكَّن أي أحد من التعرُّف عليها حتى الآن، مصحوبةً بسلسلةٍ من الرسوم التوضيحية المفعمة بالحيوية.
وإلى جانب عدم القدرة على فك شيفرة محتويات المخطوطة، لا يعرف الباحثون أيضاً من كتبها؟ أو لِمَ اختار جعلها عصية الفهم بهذا الشكل؟
يرجع تاريخ الورق الذي كُتِبَت عليه المخطوطة إلى القرن الخامس عشر، وكُتِبَت على الأرجح في وسط أوروبا. وبما أنَّنا لا يمكننا فهم النص، فإنَّ الرسوم هي أفضل مؤشر على محتويات المخطوطة. وهي على ما يبدو تحتوي على موادٍ طبية وعلمية؛ فخُصِّصَت صفحاتٌ للخصائص الطبية للنباتات بالإضافة إلى المواد الصيدلانية التي يمكن اشتقاقها منها، وقسمٌ عن علم التنجيم وعلم الفلك.
مع ذلك، يصعب جداً تفسير بعض المواد التصويرية. إذ تُظهِر سلسلة من الرسوم مثلاً أشكالاً أنثوية عارية مستلقية في المياه أو في سائلٍ آخر غير معروف، ومحاطةً بأنظمة أنابيب. هل تُظهِر هذه الصور الفوائد العلاجية للاستحمام مثلاً، أم أنَّها مجازية؟
وفي ضوء تلك الرسوم، من الممكن أن يكون النصُّ نفسه مرتبطاً بتسخير قوى الطبيعة والكون، ربما من خلال عمليّاتٍ سحريةٍ أو كيميائية، وحظت هذه الأفكار بزخمٍ كبير في أوروبا في هذا الوقت، لكنَّ التجارب المرتبطة بها كانت عادةً تتم بطريقة سرية.
على الأرجح كان جامع هذه المخطوطة يودُّ الحفاظ على هذه المعرفة سرية، ليمنع الآخرين من الاستيلاء عليها، ولأنَّ الكنيسة والسلطات حينها كانوا يحاربون الخيمياء (الكيمياء القديمة) والسحر.
وُضِعَت المخطوطة في بلاط شخصيةٍ مفتونة بالخيمياء والسحر، هو الإمبراطور الروماني المقدس رودولف الثاني (1552-1612). وفي الغالب حصل رودولف على المخطوطة من المُنجِّم الإنكليزي جون دي الذي كان يشاطره اهتماماته الغامضة.
وفي حين كشف المؤرخون كثيراً من تعقيدات اهتمام الناس بالسحر في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، لا تزال محتويات مخطوطة فوينيتش لغزاً. وعلى الأرجح أنَّ النص كُتِب بشيفرة، تمَّت فيها إعادة تشكيل الكلمات المكتوبة بلغةٍ مجهولة حتى الآن وتكوين أبجديةٍ فريدةٍ من نوعها، مع إضافة بعض التعقيدات لجعل حلّ اللغز أصعب.
وقد حاول الكثير من الباحثين على مر السنين فك الشيفرة، ويُعَد عمل فريق تحليل التشفير الأمريكي المكون من الزوجين ويليام وإليزابيث فريدمان لافتاً بشكل خاص. فإلى جانب عملهما الحيوي لفك الشيفرات خلال الحرب العالمية الثانية، طبَّق الزوجان خبرتيهما على مخطوطة فوينيتش، وواصلا دراستها في الخمسينيات.
لكن حتى عقلاهما النابغان لم يستطيعا فك الشيفرة. وحتى الآن لم يتمكّن أحد من فك الشيفرة.