كيف حوّل فيلم 300 هزيمة الأسبرطيين أمام الفرس إلى انتصار؟ إليك حقيقة ما حقَّقه خوشاريار في اليونان

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/11 الساعة 19:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/30 الساعة 20:10 بتوقيت غرينتش

في أسبرطة، لا مجال للرأفة، ولا مجال للضعف، في عمر السابعة يُؤخذ الطفل الأسبرطي من أمه ويُلقى في عالم العنف.

قُدماؤهم كانوا يقولون إنَّ جميع أسبرطيي أثينا هم من نسل هرقل -البطل الأسطوري- نفسه.

لا أحد يختار الحرب أو يُفترض هذا، لكن عندما يكون الخيار بين الخضوع والحرب، تصبح الحرب حتمية.

وعندما ذهب ليونايداس ملك أسبرطة، المدينة اليونانية، مع 300 مقاتل، للقاء خشايارشا ملك الفُرس، خالف القانون ورحل من دون موافقة أعضاء مجلس الشيوخ؛ لأنهم رفضوا الحرب. ذهب بأفضل 300 مقاتل، ليقودهم إلى حتفهم، على حد تصوُّر أعضاء المجلس، ولكن معركته كانت مفصلية وملهمة في تاريخ اليونان.

هذا ما يرويه الفيلم الأميركي "300" -الذي نحذر بحرق أغلب أحداثه هنا- والصادر عام 2007 للمخرج زاك سنايدر، صاحب فيلم "المراقبون" و"باتمان ضد سوبرمان".

وهذا الفيلم مبنيٌّ على رواية مصوّرة للكاتب فرانك ميللر بالاسم نفسه، وقد تسلمها بدوره من فيلم الأسبارطيين الـ300 (1962)، التي سردها في الأصل المؤرخ التاريخي هيرودوت.

الأرض والماء.. وإلقاء الرسول في البئر

يصور الفيلم واقعة تاريخية هي معركة "ترموبيل" أو "ثيرموبلاي" التي حدثت عام 480 قبل الميلاد، بين ليونايدس "جيرارد بتلر" ملك أسبرطة وخشايارشا الأول ملك الفرس.

وترجع جذور أسباب المعركة إلى 20 عاماً قبل حدوثها؛ بسبب ثورة غير ناجحة للمدينة اليونانية ضد الإمبراطورية الفارسية، وداريوس الأول بسبب طموحه الاستعماري والذي أقسم بأن ينتقم من أثينا.

ولكن موته عام 486 لم يعطّل تنفيذ خطته؛ إذ لم ينسَ ابنُه زيريكسيس طموح والده الحربي بغزو أثينا.

زار رسول فارسي أسبرطة كما صورت أول مشاهد الفيلم، ويطلب منهم "الأرض والماء"، كناية عن الخضوع لسيطرة الفرس، فما كان منهم إلا أن ألقوه في بئر.

اليوم لن يموت أي أسبرطي.. إفيالتيس الخائن لم يكن مسخاً مشوهاً

رغم أن العرّافة أكّدت له أنّه لن ينجو من المعركة، يروي الفيلم أن ليونايداس أخذ 300 مقاتل، كلهم آباء تركوا أبناءهم لحماية عائلاتهم، لملاقاة الفرس بالرمح والدرع، وعددهم أضعاف الأسبرطيين، والسبب الاستراتيجي للمعركة كان أن يمنع المقاتلون الأسبارطة الفرس من التقدم إلى بلادهم.

فكان ضيق معبر ثيرموبلاي بين الجبال لا يسمح إلا بمرور عدد قليل جداً من الرجال.

لكن أحد الإغريقيين -ويدعى إفيالتس- دلَّ الفرس على الطريق المؤدي إلى المعبر وقتلوا الأسبرطيين الــ300 في النهاية.

وظهر إفيالتيس بالفيلم أحدب، ذا شكل وحشي، لإضفاء أبعاد أسطورية على القصة، ولكنه في الحقيقة لم يكن كذلك، وذلك بحسب هيرودوت.

بعد ذلك، يتناول الفيلم إرسال ليونايدس رسولاً لأهله؛ ليحكي لهم قصة انتصاره، الذي كان يراه هو فقط.

في حين حاولت ملكة أسبرطة، زوجة ليونايداس، إقناع المجلس عبثاً بإرسال جيش إلى زوجها، الذي آمنت به وبرجاله؛ كي لا يواجهوا الجحيم بمفردهم.

لكن ليونيداس مات مع رجاله الـ300؛ لأنه رفض الركوع لملك الفرس، وبقي شخص واحد فقط ليحكي قصتهم من بعدهم.

أسبارطة الحقيقة وهوليوود: يترك الطفل كنف أمه صغيراً.. ويقتل عبداً بدلاً من الذئب!

بالطبع، هناك مسافة بين ما حدث في الحقيقة، وما جسَّده الفيلم؛ لأنه ليس وثائقياً بالضرورة. لكن الأكيد أن الأسبرطي كان يختلف كثيراً عن أي يوناني؛ لأنه يعيش للقتال.

الأسبرطي السيئ هو الأسبرطي الميّت، لا وجود لأسبرطي غير جيد أو ذي صفات جسدية ضعيفة.

ولذا يُفحص المولود الأسبرطي جيداً، ويُقرَّر إذا ما كان أهلاً للحياة أم لا، ثم يَترُك الطفل الأسبرطي كنف أمه تماماً كما ظهر بالفيلم.

ثم يلتحق بنظام صارم للتأهيل البدني، والتدريب العسكري وتحمُّل الألم، والولاء للجماعة.

ولأن الأسبرطي مقاتل، وكائن فوق بشري، ظهر طقس العبور في الفيلم أو جواز السفر لدخول عالم القتال بوجوب قتل الأسبرطي ذئباً.

لكن في الحقيقة كان يحدث بتسلل الأسبرطي وقتل "عبد" أو ما كانوا يُعرفون بالهيلوتس طبقة العبيد في أسبرطة، كتدريب على القتال أو الغزو.

وإذا ما كُشف أمره يُعاقب، ليس لقتل نفْس، ولكن لوقوعه في الأَسر.

بالإضافة إلى اللمحة الفانتازية والكائنات الأسطورية بالفيلم، كانت أسبرطة في الحقيقة المدينة الإغريقية الوحيدة التي يحكمها ملكان؛ ملك يقود الجيش في أثناء الحرب، والآخر يظل بأسبرطة.

يصور الفيلم أيضاً أن الأسبرطيين حاربوا الفرس بمفردهم تقريباً بالنظر إلى ضعف حلفائهم من الآكاديين، وهي كبرى مشاكل الفيلم في رأي النقاد، بالإضافة إلى تصوير أعضاء مجلس الشيوخ بصورة وحوش.

وعلى الجانب الآخر، ظهر الأسبارطة في ساحة الحرب عرايا بلا درع جسدية، يرتدون فقط وشاحاً أحمر على طريقة سوبرمان.

في حين ظهر ليونيداس فقط بالخوذة؛ ليعطيه ذلك طابعاً ملكياً، على حد قول فرانك ميللر.

لكنَّ الأسبرطيين في الحقيقة كانوا أقسى مما صوَّرتهم هوليوود، لم يكونوا أيضاً بهذا النبل في الحقيقة؛ فقد غزوا مدناً مجاورة لتتسع إمبراطوريتهم، وحشدوا "العبيد" للعمل، والقتال بجوارهم.

المثير أيضاً أن عدداً ممن حاربوا في ترموبيل بجوار ليونيداس كانوا مدفوعين إلى القتال؛ لكونهم عبيداً.

وذكر ميللر في أحد الحوارات، أن "الأسبارطة كانوا متناقضين؛ حيث كانوا يمتلكون عدداً كبيراً من العبيد في اليونان بأكملها. في حين كانت النساء تتمتع بقدر غير عادي من الحقوق والحريات.

النساء في أسبرطة يلدن الرجال: الملكة القوية التي يستشيرها الرجال

في أحد مشاهد الفيلم الذي أخرجه سنايدر أظهر مكانة المرأة في أسبرطة التي لا تشبه مثيلاتها عند الفرس أبداً.

"جورجو" ملكة أسبرطة وزوجة ليونيداس القوية التي ذكرها هيرودوت في كتاباته عدة مرات، تصور نساء أسبرطة الحقيقيات.

مثل تمكين المرأة واستشارتها في الأمور السياسية والحربية هو ما ميّز اليونان القديمة، لدرجة تفوق مكانة نساء كثر في مجتمعنا المعاصر.

وعندما سُئلت جورجو لماذا تحكم نساء أسبرطة الرجال؟ قالت لأن النساء يلدن الرجال. ولتعزيز دور الملكة الحقيقية بالفيلم، أضاف كذلك المخرج تفصيلة قتلها لــ "ثيرون"، عضو المجلس الذي خان أهله مقابل ذهب الفرس.

الذي تفاوضت معه لكي يمد زوجها ببقية الجيش، وهو ما لم يحدث في الواقعة التاريخية.

أما ما تقوله القصة الحقيقية  عن قصة "العرافات في الفيلم"، أو ما وصلنا منها أنه كانت هناك عرافة تختص بشؤون الحرب في اليونان القديمة.

وكانت تتمتع بقدرات تنبؤية، وتُستشار دائماً في الحروب؛ أخبرت ليونيداس عن طريق الكهنة أن موته سوف يحفظ اليونان.

وهو ما حمله على أن يقدم على المعركة من أجل انتصار اليونان ولو بعد أجل بعيد.

ويحكي الفيلم في جميع الأحوال عن شجاعة وبسالة جنود أسبرطة وحنكة قائدهم ليونايدس العسكرية.

ولكن تفتقد القصّة إلى حقيقة أنّ ما صوّره فيلم 300 من صمود أسطوري للأسبرطيين، كان في حقيقة الأمر هزيمة نكراء أمام الجيوش الفارسية.

وبالطبع انتهت المعركة بهزيمة الأسبرطيين ومقتل المقاتلين الــ300 جميعاً، ما عدا واحداً فقط، هو من رجع إلى أسبرطة وأخبرهم بالقصة ووصية ليونايدس.

بعد إحراق أثينا.. توحّد اليونانيون وانتصروا

وعقب التغلب على ليونايدس ورفاقه، تواجَهَ الفرس واليونانيون في معركة "آرتيميس"، وانتهت أيضاً بخسارة كبيرة في صفوف الجيش اليوناني، وتراجعوا إلى الخلف.

مما سمح للفرس بغزو بويوتيا وأتيكا والاستيلاء على أثينا وإحراقها بالكامل.

بينما انسحبت القوات اليونانية إلى موقع بالقرب من جزيرة سلامينا، وبدأت الاستعداد للدفاع عن برزخ كورنث.

وخلال هذا الوقت تمكن القائد ثميستوكوليس من قيادة جيش إغريقي كبير نسبياً، بعد أن نجح في إقامة تحالف من المدن اليونانية القديمة لمواجهة الجيوش الفارسية.

وواجه الأسطول البحري الفارسي الضخم المكون من 800 مركب، بأسطول لا يتجاوز الـ380 مركباً، وذلك في المعركة البحرية سلامينا.

وتم حسم الصراع اليوناني الفارسي بشكل شبه نهائي في معركة سلامينا البحريّة عام 480 قبل الميلاد.

بعد أن تمكن التحالف اليوناني من مهاجمة أسطول خشايارشا وكسر تشكيلاته وتدمير سفنه.

فانهارت القدرة الفارسية على المقاومة وتمزق أسطولهم وذبح الآلاف من بحارتهم، واضطر خشايارشا للانسحاب الفوري، يجر أذيال الهزيمة معه.

علامات:
تحميل المزيد