تخيَّل أنك في فصل شتاء بارد، وتستعد للخروج من المنزل، ماذا ستفعل؟ بكل تأكيد ستأخذ احتياطاتك اللازمة، كي لا تُعرِّض جسدك للهواء القارس.
الآن، تخيَّل ما عليك أن تضعه لحماية جسدك من الفضاء الخارجي! الأمر ليس سهلاً، فالبدلات الخاصة التي يرتدونها مصممة خصوصاً لهذه المهمات، وسنتحدث عنها في تقريرنا.
بدلات الفضاء.. ما قصتها؟
هناك نوعان مختلفان من البدلات المصممة خصوصاً لرواد الفضاء، واحدة منها للانطلاق نحو الفضاء، والأخرى للمشي في الفضاء.
توفر هذه البدلات كل الراحة والدعم الذي تمدّنا به الأرض أو المركبة الفضائية، ومعالجة قضايا مثل الغلاف الجوي والمياه والحماية من الإشعاع.
فعلى الأرض، يوفر لنا الغلاف الجوي الظروف البيئية التي نحتاجها للبقاء على قيد الحياة مثل: الهواء للتنفس، والحماية من الإشعاع الشمسي، وتنظيم درجة الحرارة والضغط الثابت.
وماذا عن الفضاء؟
في الفضاء، لا توجد أي من هذه الخصائص الوقائية. على سبيل المثال، لا تحتوي البيئة هناك على ضغط ثابت، وهو ما يجعل الأكسجين غير قابل للتنفس.
أيضاً، تكون درجة الحرارة في الفضاء باردة وتصل إلى -270 درجة مئوية. وحتى يتمكن الرواد من البقاء في الفضاء، يجب توليف هذه الظروف الوقائية وجعلها مشابهة لنظيرتها على الأرض، حتى لا يلقوا حتفهم.
لنتحدث أكثر عن نوعي بدلات الفضاء..
1- البدلة البرتقالية
عند انطلاق المهمة الفضائية يرتدي رواد الفضاء بدلة برتقالية، لكن ما سبب اختيار هذا اللون؟
هي بدلة مضغوطة بالكامل، يرتديها رواد الفضاء عند الانطلاق، وهي ضرورية للطيارين أو طاقم الفضاء والذين يحلّقون في ارتفاعات عالية، حيث يكون الضغط الجوي منخفضاً للغاية فلا يمكن النجاة من دونها.
يجب على أفراد الأطقم الجوية ارتداء البدلات المضغوطة جزئياً. أما المضغوطة كلياً، فيرتديها طاقم الفضاء.
هذه البدلات مصممة لحماية مرتديها من الحوادث في أثناء الانطلاق أو الهبوط، إذ تضمّ بعض المكونات الحيوية، ضومن ذلك: راديو، ومصباح، وعتاد للبقاء على قيد الحياة، ومظلة باراشوت.
ويعود سبب اختيار هذا اللون إلى أنه أحد أكثر الألوان وضوحاً في عمليات البحث والإنقاذ، خاصة في الإنقاذ البحري.
2- البدلة البيضاء
تسمى هذه البدلة EVA، بمعنى البدلة المخصصة للأنشطة خارج المركبة الفضائية، وهي مختلفة كلياً عن النوع السابق.
يرتديها الرواد في أثناء المشي بالفضاء، وهي مصممة للبقاء على قيد الحياة في الظروف القاسية، مثل الفراغ والتطرف الحراري.
كما أنها تحمي من أجزاء الحطام المتطايرة العائمة بالفضاء والتي قد تلحق الضرر بالرواد في أثناء مهمات المشي.
هذه البدلات أضخم من بدلات مهمات الانطلاق، حيث تحتوي على طبقات من الألياف الثقيلة والمواد العازلة.
السبب الأكثر أهمية في اختيار اللون الأبيض؛ أنه يسمح بعكس الحرارة أكثر من الألوان الأخرى، حتى لا يشعر رواد الفضاء بالحرارة العالية.
إذاً، هل يتسبب ذلك في أن يشعروا بالبرد الشديد؟ لا خوف من ذلك، لأن القفازات التي يرتدونها تحتوي على أجهزة تسخين بداخلها، وهو ما يحافظ على درجة حرارة اليدين.
كما يعد اللون الأبيض أفضل خيار، بسبب تباينه ضد السواد الحالك الذي ينتشر في الفضاء، وهو ما يجعل حينها من السهل تحديد موقع رائد الفضاء.
وهناك شروط معينة لتصميم بدلات الفضاء..
بدلة الفضاء جزء أساسي من أي مهمة إلى الفضاء الخارجي، حيث تصمَّم وفق شروط معينة:
ضغط الهواء: حيث توفر بدلة الفضاء ضغط هواء مناسباً، للحفاظ على السوائل في جسم رائد الفضاء في حالة سائلة. بمعنى آخر، لمنع سوائل الجسم من الغليان.
الضغط في البدلة أقل بكثير من ضغط الهواء الطبيعي على الأرض (4.3 مقابل 14.7 رطل لكل بوصة مربعة)، ويعود ذلك إلى أن ارتفاع الضغط في البدلة يؤدي إلى انتفاخها؛ ومن ثم يحُدُّ من مرونتها.
الأكسجين : يجب أن تزوَّد بدلات الفضاء بالأكسجين النقي، لأن انخفاض الضغط قد يتسبب في انخفاض تركيز الأكسجين بشكل خطير في الرئتين والدم.
درجة الحرارة: للتعامل مع أقصى درجات الحرارة، تكون معظم بدلات الفضاء معزولة بشدة بطبقات من القماش (النيوبرين، غورتكس، الداكرون) ومغطاة بطبقات خارجية عاكسة (نسيج مايلر أبيض)، لعكس ضوء الشمس.
الحماية من الميكروميترويدات: تحتوي بدلات الفضاء على طبقات متعددة من الأقمشة المتينة مثل الداكرون أو كيفلار بحيث تمنع هذه الطبقات البدلة من التمزق عند الخروج للأسطح المكشوفة للمركبة الفضائية.
الرؤية: بدلات الفضاء لديها خوذات مصنوعة من البلاستيك الشفاف. تحتوي معظم الخوذات على أغطية لتعكس ضوء الشمس، وأقنعة ملونة لتقليل الوهج، مثل النظارات الشمسية إلى حد كبير.
اختبارات مكثفة على البدلة
أيضاً قبل السير في الفضاء، تُرَشُّ الواجهات الداخلية للخوذة بمادة مضادة للضباب. كما تزوَّد أغطية خوذة بدلة الفضاء الحديثة بالأنوار، حتى يتمكن رواد الفضاء من رؤية الظلال.
الاتصالات: تُجهَّز بدلات الفضاء بأجهزة إرسال واستقبال راديو، حتى يتمكن رواد الفضاء من التحدث مع أجهزة التحكم الأرضية ورواد الفضاء الآخرين.
يرتدي رواد الفضاء سماعات الرأس مع الميكروفونات وسماعات الأذن. توجد أجهزة الإرسال والاستقبال في حقائب الظهر التي يرتديها رواد الفضاء.
الإشعاعات: بدلات الفضاء توفر فقط حماية محدودة من الإشعاع، من خلال الأغطية العاكسة التي صُمِّمت داخل البدلات، ولكن بدلة الفضاء لن توفر حماية كبيرة من التوهج الشمسي. لذلك، يسير الرواد في الفضاء خلال فترات النشاط الشمسي المنخفض.
وتجري وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" اختبارات مراقبة الجودة في كل خطوة من عملية الإنتاج، وهذا يضمن أن كل جزء يكون مصنوعاً وفقاً للمعايير الصارمة، وسيعمل في بيئة الفضاء القصوى.
كما تُجري "ناسا" اختبارات مكثفة على البدلة المجمعة بالكامل، حيث يبحثون عن أشياء مثل تسرب الهواء، وارتفاع الضغط.
وتعد "ناسا" اختبارات مراقبة الجودة أمراً بالغ الأهمية، لأن عطلاً واحداً قد تكون له عواقب وخيمة على رائد فضاء.