من الطبيعي أن يفعل الآباء كلَّ ما يمكنهم فعله من أجل تربية وتنشئة أطفال سعداء وناجحين، ولكن بالطبع لا يتمكَّن الجميع من تحقيق آمالهم، فهناك من تُكلَّل مجهوداتُهم بالنجاح، بينما يكون الفشلُ مصيرَ آخرين.
بالطبع، لا يقتصر تأثير التربية على فترة الطفولة فحسب، بل يمتدّ تأثيرُها طوال العمر. فكما أن التربية السليمة للطفل تؤثر على مستقبله بالإيجاب، فإنَّ وجود أخطاء في تربية الأطفال له تأثير سلبي على حياة الأطفال المستقبلية.
ونستعرض هنا بعضاً من تلك الأخطاء التربوية التي قد يقترفها الآباء، والتي يمكنها أن تؤثر على حياة الأطفال المستقبلية، ونأمل أن نتجنَّبها جميعاً
التقليل من مشاعر الأطفال
في بعض الأحيان ينزعجُ الأطفالُ من أشياء قد نراها سخيفة، وبدلاً من دعمهم، قد نلجأ إلى التقليل من مشاعرهم.
فعلى سبيل المثال، قد يبكي الطفل نتيجة انزعاجه من شخص ما، فنُقابله نحن بعبارات مثل الأولاد لا يبكون، توقف عن البكاء، ما الذي يزعجك، إنه جيد! ولا نعلم أننا بهذا نقلل من مشاعرهم وعواطفهم.
وبالطبع، نعرف أنه كلَّما زاد فهم الشخص لمشاعره والتحكم فيها، زادت مرونته، وتمكَّن من اتخاذ قراراته بشكل صحيح.
أما أولئك الذين كُبحت مشاعرهم في الصغر، فلا يستطيعون مشاركة مشاعرهم وعواطفهم في الكبر، ويَقمَعون غضبهم حتى ينفجروا فيمن حولهم.
التوجيه الدائم وفرض الآراء
لسوء الحظ، فإنَّ ظاهرة السيطرة على رغبات الطفل تعدّ طبيعية لدى معظم الآباء. فغالباً يوجه الآباء الأطفالَ إلى مشاهدة التلفاز، أو اللعب بلعبة معينة حتى لا يزعجوهم. كذلك يختار الآباء لأطفالهم الألعاب، والملابس عادةً دون السماح لهم بالمشاركة في الاختيار.
بالطبع لا يمكن اقتلاع تلك الظاهرة من جذورها، فحتماً سنلجأ لهذه المواقف في بعض الأحيان، ولكن لا يجب أن تحدث بشكل منتظم. فالهدف تربية أطفال قادرين على العيش في العالم بصورة مستقلة، ويتمتعون بالقدرة على اتخاذ قراراتهم الخاصة.
أما التوجيه الدائم وفرض الآراء، وعدم الاستجابة لرغبات الأطفال، فعادةً ما يُولِّد أشخاصاً بالغين تابعين لا يقوون على اتخاذ القرارات، وليس لديهم القدرة على فَهْم ما يريدون، مما يؤثر على صحتهم النفسية، وقد يجرّهم إلى مستنقع الإدمان.
الجدال المستمر والشجار
الحياة ليست وردية، ولذا فمن الطبيعي أن يتشاجر الآباء أو يتجادلون بصوت مرتفع، ولكن حرصاً على صحة وسلامة الأطفال في الحاضر والمستقبل، على الآباء أن يتجنَّبوا الجدال المستمر في حضور الأطفال.
فعادةً ما يعتقد الأطفال أنَّهم يتحمَّلون المسؤولية، وأنهم السبب في نشوب الشجار بين الآباء، فيطاردهم الشعور الدائم بالذنب.
عند الكبر، يحاول هؤلاء الأشخاص عادة تجنُّب النزاعات المختلفة أو على العكس من ذلك يسيئون معاملة الآخرين.
كما تحاول الفتيات دون وعي أن يُظهِرن للرجال أنَّهن أقوى، ويكرر الشباب عادةً سلوك آبائهم.
عدم إظهار المحبة للأطفال
قد تأخذك الحياة، ومسؤولياتك الكثيرة لتلبية متطلبات أسرتك، ووسط هذا الزخم لا تظهر محبتك لأطفالك. وقد ترى أن هذا ليس ضرورياً، وأن ما تفعله لهم، وتوفيرك لطلباتهم من شأنه أن يعبِّر عن حبك.
ولكن، بالنسبة لطفل صغير، فهو لا يفهم هذا من تلقاء نفسه، كما أنه بحاجة أن يشعر بحب والديه، فهما أهم ما لديه.
إن أهملت إظهار حبك لأطفالك، فإنك تعرّضهم لفقدان الثقة بأنفسهم، كما أنهم أيضاً لن يحبوا أنفسهم، وقد يكون هذا دافعاً قوياً لهم في المستقبل للخضوع لعمليات التجميل.
حماية الأطفال بشكل زائد
وسط العالم المخيف الذي تنتشر فيه الجرائم، وخطف الأطفال، والاتجار بالبشر، وانتشار ظاهرة الإدمان، يتمنى بعض الآباء لو أن بإمكانهم وضع أطفالهم داخل قوقعة لحمايتهم من مساوئ العالم المحيط.
يظنون بذلك أنهم يحافظون عليهم، ويوفّرون لهم الحماية المطلوبة، ولكن تلك الحماية المفرطة لها آثارها السلبية على أطفالك.
قد تمنع طفلك من الخروج واللعب مع الأطفال الآخرين، كما تُخضعه للرقابة المستمرة الشديدة أثناء استخدام جهاز الحاسوب أو الموبايل. هنا يشعر الطفل بسيطرتك الزائدة عليه، ويلجأ للكذب والتعامل بسرية معك.
كذلك تفرض شخصية الآباء المتسلطة التي تظهر في الحماية الزائدة، تفرض على الأبناء حينما يكبرون التمرد على كل شيء، ورفض أي أوامر سلطوية حتى لو كانت الالتزام بإشارات المرور.
قد يكون منع طفلك من اللعب بالمسدسات أو ألعاب الفيديو الخاصة بالحروب نوعاً من أنواع الحماية المفرطة أيضاً. فالأطفال المحميون من هذا النوع من العناصر والوسائط التي يعتبرها الآباء عنيفة، سيواصلون الانخراط في السلوك، وعلى الأرجح سيتحولون إلى مهووسين تجاه الأشياء المحظورة في منزلهم.
بدلاً من محاولة فرض الرقابة على كل شيء يحتوي على صور خيالية للعنف، علِّم أطفالك الفرقَ بين الصواب والخطأ في الحياة الحقيقية، فنشرات الأخبار الخاصة بعالمنا هي الأكثر عنفاً في الوقت الحالي.
خلق علاقة ودودة مع الأدوية
يمرض الأطفال، فنهرع إلى الطبيب لطلب المساعدة، وعادة ما يستدعي الأمر وصف الأدوية. ونبدأ في بذل قصارى جهدنا لجعل الأطفال يحبون تناول تلك الأدوية.
نحاول آنذاك تمجيد الأدوية، وإظهارها كبطل همام بيده إصلاح كافة المتاعب. نلجأ إلى بعض الجمل مثل الدواء جميل، أو رائع، ومن شأنه أن يخفف ألمك، أو يقوي عظامك، أو يعالج الصداع.
قد يعتاد الطفل على ذلك، ويعتقد أن هناك دواء لكل شيء، فتعليم الطفل أن هناك دواء لعلاج كل شيء سيخلق عقلية لدى أطفالك أنه يجب عليهم علاج أنفسهم في كل مرة يواجهون فيها شيئاً صعباً. من السهل بالنسبة للمراهق الذي تلقى العلاج طوال حياته أن يكون لديه اعتقاد خاطئ، بأن بإمكانه تناول الدواء فتختفي مشاكله.
بالطبع قد تخلق تلك الطريقة أيضاً مشكلة الإدمان، فقد يلجأ الأبناء إلى المخدرات باعتبارها أدوية يمكنها مساعدتهم كما تعودوا.
بالطبع لا يمكن التخلي نهائياً عن الأدوية، ولكن لا تفرط في استخدامها، فعلى سبيل المثال لا تحتاج نزلات البرد إلى مضاد حيوي، ومن الممكن اللجوء إلى الخضراوات والفواكه للحصول على الفيتامينات الهامة، بدلاً من تناولها كعقاقير. كذلك التعرُّض لضوءِ الشمس يمدّ جسم طفلك بفيتامين "د" مما يغنيه عن تناوله عن طريق الفم.
تجنب المساءلة والعقاب
أحياناً يلجأ الأطفال على الكذب، أو السرقة أو الغش، ربما للفت الانتباه، أو لوجود خلل يستدعي استشارة نفسية. وقد يتجنّب بعض الآباء تحميل الأطفال مسؤولية تلك الأفعال، ولا يحاسبونهم على أفعالهم في سنٍّ مبكرة.
عندما يُحاسب الأطفال باستمرار على أفعالهم منذ سن مبكرة، فإنهم يتعلمون بسرعة وجود عواقب للسلوك غير اللائق. على نفس المنوال، يتعلمون النتائج الإيجابية التي ينتج عنها السلوك المناسب.
إن جعل الطفل يفهم أنه سيفقد الحريات والامتيازات التي اكتسبها إذا سرق أو كذب، سيؤدي إلى غرس عملية التفكير والتحكم في سلوكه في المستقبل. سوف يتعلمون بسرعة أنهم في وضع غير مرغوب فيه، بسبب الاختيار الذي اتخذوه للتصرف بشكل غير لائق، ولذا سيفكّرون كثيراً قبل اقتراف نفس الخطأ مرة أخرى.
تقول عكس ما تفعل
قد تأمر طفلك بعدم الكذب، وتستمر في توبيخه وإهانته عندما يكذب، وسرعان ما يطلب الزوج أن ترد الزوجة على هاتفه لتخبر المتصل أنه ليس بالمنزل، وقد نسي هاتفه أيضاً.
إن إخبار الطفل بأن الكذب شيء سيئ، بينما يراكما أمامه تكذبان، فأنتما تأتيان نفس الفعل الذي وبّختماه على فعله من قبل. وينطبق هذا على كافة الأشياء السيئة التي تفعلونها، بينما تحذران الطفل من الاقتراب منها.
هنا أنت تخلق شخصية منافقة، فالطفل لا يتبع الأوامر، وإنما يقلد ما يفعله الآباء. فإن كنت بحاجة إلى غرس قيمة جيدة أو سلوك طيب في طفلك، فعليك أن تتحلى به أولاً.