تُوقِّر الكثير من المجتمعات الإنسانية أجدادها. ولكن يبدو أن سرد الروايات عن الأزمنة القديمة والإفراط في إطعام الأحفاد هو من السمات البشرية بامتياز. هل سلوكيات الأجداد هذه تقتصر حقاً على بني البشر؟ هل تعرف الحيوانات أجدادها كما يعرفهم البشر؟
ستكون الإجابة "لا"، لمعظم الأنواع على وجه الأرض. تخبرنا بذلك ميركا لادينبرا، عالمة الأحياء بجامعة توركو في فنلندا، وتكمل: "عادة، لا يعيش الأجداد بينهم". وحتى بافتراض أنّ دورة حياة حيوانٍ ما تتقاطع مع دورة حياة جده، تنتشر معظم الأنواع لتجنب التنافس على الموارد، لذا فإن احتمالات معرفة الجدّ ضئيلة للغاية.
ولكن هناك أيضاً استثناءات قليلة وملحوظة، بالأخص بين الثدييات التي تعيش في مجموعاتٍ اجتماعية مترابطة.
وصفت آن إنيس داغ، عالمة الحيوان الكندية، في كتابها "السلوك الاجتماعي للحيوانات الأقدم" (الصادر عن جامعة جونز هوبكنز، 2009) مجموعات قرود لانغور في الهند، التي تختلط فيها الإناث الأكبر سناً ببناتهن وأحفادهنّ.
ذكور تلد وثدييات تبيض وإناث تلد صغارها تحت جلدها.. إليك 9 من أغرب طقوس التكاثر في الطبيعة!
مثل الإنسان.. الجدّات للحماية والرعاية بالصغار!
لدى جدات قردة لانغور وظيفةٌ محددة، وهي الدفاع بشراسةٍ عن أبناء المجموعة ضد هجمات البشر، والكلاب، والقرود المنافسة. تعامل بعض الإناث أحفادها، معاملة خاصة، مثل تزيينهم، والاقتراب منهم أثناء لعبهم بخشونة مع أقرانهم.
تسافر أيضاً الكثير من أنواع الحيتان في مجموعاتٍ أسرية تتضمَّن كلاً من الجدات والأحفاد. تساعد الإناث الكبيرة، ضمن مجموعات حيتان العنبر، في رعاية الصغار، أثناء بحث الأمهات عن الطعام، بحسب داغ.
في كثيرٍ من الأحيان، تقود جدات حيتان الأوركا (الحوت القاتل) جماعاتهن، وتعشن سوياً لعقود بعد توقفهن عن التناسل (ماتت أشهر أنثى حوت أوركا على وجه الأرض، والمعروفة باسم "جراني" (الجدة) عام 2016، عن عمر يناهز 100 عام).
في عام 2015، اقترح العلماء الذين يسهمون في تحرير مجلة Current Biology أن تلك الحيتان القاتلة الكبيرة تساعد أحفادها للنجاة أثناء الأوقات الصعبة، لأنهن يتذكرن كل الأماكن التي تصلح لإيجاد الطعام.
كما تشتهر قطعان الأفيال بأمومتها. تولد الدغافل (الأفيال الصغيرة) في مجموعاتٍ تقودها الجدات، التي تعيش ما يقرب من 80 عاماً. تكوِّن الإناث روابط قوية داخل القطيع، وتتعاون في تنشئة صغارها، بحسب لادينبرا.
حاولت لادينبرا معرفة إن كان لدى جدات الأفيال مزايا تطورية، في دراسة نُشرت لها في مجلة Scientific Reports عام 2016.
حللت لادينبرا سجلات عن أفيال آسيوية شبه مُقيَّدة في المساحة المسموح لها التحرُّك فيها، وتعمل في صناعة الأخشاب في ميانمار. عاشت بعض إناث الأفيال الكبيرة في مجموعات مع أمهاتهن، بينما انتقلت أخريات لمناطق أخرى.
اكتشفت لادينبرا أن فرصة نجاة دغافل الأمهات الصغيرة أكبر بثماني مرات إذا عاشت جداتها بالقرب منها، عنها إذا لم تفعل. وأنه كلما كانت أمهات الدغافل أكبر وأكثر خبرة في تنشئة صغارها، اختفت ميزة "تأثير الجدات"، حتى وإن كانت الجدات ما زالت حية.
وقالت لادينبرا إنه لم يتضح بالكامل كيف ترعى جدات الأفيال بناتها غير الخبيرة. يوجد دليل قولي فقط على أنها قد تساعد في تربية أحفادها، مما يمنحهم دعماً غذائياً.
لكن لادينبرا تعتقد أن الميزة الأكثر احتمالاً هي الحكمة التي جمعتها جدات الأفيال طوال حياتها. فتستطيع الجدة أن تساعد الدغفل إذا علق في حفرة طينية، على سبيل المثال، أكثر من أمه، لأنها شهدت الكثير من المواقف المشابهة.
تأتي الأدلة على فوائد تربية الأجداد للصغار، بالطبع، من الثدييات. ولكن في 2010، نشر علماء بحثاً في مجلة Current Biology يفيد بأن كبار إناث حشرة المنة المكونة للعفصات، التي تعيش في مستعمرات، تدافع عن أقاربها بعد توقفها عن التكاثر.
واكتشفت دراسة نُشِرت عام 2007 في مجلة Evolution أن طيور الدخلة بجزيرة سيشل، تساعد أحياناً بناتها في تنشئة أفراخهن.
وماذا إذا بشأن الأجداد؟ تقول لادينبرا إنّ الدراسات على البشر حديثاً أظهرت أن وجود الجد حياً يمكن أن يحسِّن من صحة الشخص العقلية، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى للسعادة.
لكن لا يوجد دليل على ذلك في المملكة الحيوانية، بحسب لادينبرا. فنادراً ما تقيم ذكور الحيوانات علاقات مع سلالاتها هي شخصياً، ناهيك عن أي أحفادٍ آخرين.
فيركز الذكور عادة على إنتاج (الكثير) من ذريتهم، ولا يقدمون الرعاية بشكل كبير.