تنتشر البكتيريا في كل مكان بحجمها الضئيل، لكن الإنسان لا يشعر بوجودها ولا يرى أغلبها رغم أنّها تصاحبه طيلة حياته، فما بالك البكتيريا الفائقة أو السوبر بكتيريا .
في الآونة الأخيرة، اكتشف العلماء أن بعض أنواع البكتيريا الدقيقة والاستثنائية لها قدرات خارقة يمكن أن نطلق عليها قوى عظمى حقيقية.
نستعرض في هذا التقرير 9 أنواع من البكتيريا بإمكانيات مذهلة لا تتوقع أن تسمع عنها إلا في أفلام أو روايات الخيال العلمي، وقد تكون سبب إلهامها:
البكتيريا الأشريكية القولونية المعدلة.. تعمل ككمبيوتر حي
لطالما حاول البشر التوصل لأفضل طريقة لتخزين المعلومات، فمنذ الآلاف السنين بدأ البشر بمشاركة أفكارهم من خلال الرسومات الموجودة داخل الكهوف وبعد ذلك ظهرت الكتب وتلتها أجهزة الكمبيوتر.
وعلمنا مؤخراً أن الألماس يمثل أجهزة تخزين بيانات رائعة.
تخزن البكتيريا النصوص ومقاطع الفيديو والصور في أجسامها وكأنها أجهزة كمبيوتر حية!
عندما تقوم البكتيريا بتدمير فيروس يعاديها، فإنها تبدأ بتخزين أجزاء صغيرة من الحمض النووي للفيروس داخل أجسامها.
وبهذه الطريقة، تتعرف الميكروبات على تهديدات مماثلة في المستقبل بكل سهولة.
استفاد العلماء من جامعة هارفارد لأول مرة من هذه الآلية من خلال قيامهم بتشفير صورة بالأبيض والأسود ليد انسان، وفيلم قصير، على مجموعة من الوحدات الأساسية في الحمض النووي.
ثم قاموا بإدخالها إلى جينومات لتجمُّعات من البكتيريا القولونية الإشريكية وصل عددها لـ 600 ألف.
وأخيرًا، تلقت الإشريكية القولونية صدمات كهربائية حتى تمكنت من تفعيل آلية دفاعها وبالتالي امتصت الحمض النووي الذي صنعه الإنسان.
للتحقق من نجاح التجربة، رتب العلماء الشفرة الوراثية الجديدة لكل بكتيريا، ثم شغلوا التسلسل على برنامج كمبيوتر الذي تمكن من قراءة الشفرة وحولها إلى صور!
كانت الصور الناتجة هي نفس الملفات الأصلية التي تم تخزينها مع اختلاف بكسلات ضئيل جدا.
على الرغم من أن هذه التقنية تبدو صعبة، إلا أن تقنيات التسلسل الجيني الحالية تجعل من السهل نسبياً إجراء العملية.
جدير بالذكر أن الغرام الواحد من الحمض النووي يمكن أن يحتوي على 455 إكسابايت (455 مليار غيغا بايت) من البيانات، أي ما يقرب من ربع جميع معلومات الجنس البشري!
Shewanella Oneidensis.. بكتيريا كهربية تأكل وتتنفس الصخور
تم اكتشاف هذه البكتيريا في بحيرات نيويورك. وفي حين أن معظم الكائنات الحية تستخدم الأكسجين للحصول على الطاقة، فإن هذه البكتيريا تتنفس جزيئات المعادن مثل المنغنيز والرصاص والحديد وغيرها.
العديد من هذه البكتيريا تنضم معا وتعلق على سطح الصخور التي تحتوي على المعادن، ثم تطلق خيوطًا طويلة تسمى الأسلاك النانوية التي تستخدم للاتصال مباشرة بالمعدن.
وبهذه الطريقة، تنقل الميكروبات الإلكترونات من داخل أجسامها إلى جزيئات معدنية، فيحدث تدفق للتيار الكهربي وهذا ما يبقيها حية.
في بعض الأحيان قد يحدث العكس وتقوم هذه البكتيريا باستخلاص الكترونات من هذه المعادن.
من المفترض أن الأسلاك النانوية تسمح لها بتوصيل الكهرباء لمسافات طويلة، كما تقوم هذه الاسلاك أيضا بإمداد بكتيريا أخرى قريبة منها بالإلكترونات.
جدير بالذكر أن بعض الباحثين يدرسون إمكانات البكتيريا في معالجة مياه الصرف الصحي.
كما أن وكالة الفضاء ناسا أخذت عينات من هذه البكتيريا إلى الفضاء لمعرفة ما إذا كان يمكن استخدامها في بناء أنظمة دعم الحياة المستقبلية.
Pseudomonas Syringae.. البكتيريا الفائقة التي تصنع الجليد!
تقوم هذه البكتيريا بتجميد الماء من خلال لمسه، ويكثر وجودها في المحاصيل الزراعية، وكذلك في أنواع أخرى كثيرة من النباتات.
تقوم هذه المخلوقات الصغيرة بتجميد أنسجة النباتات وتدميرها من أجل الوصول إلى العناصر الغذائية الموجودة داخلها بسهولة؛ وهذا بالطبع يمكن أن يسبب ضرراً كبيراً للزراعة.
توجد هذه البكتيريا أيضاً في البيئات الثلجية من أوروبا إلى القارة القطبية الجنوبية. لكن كيف تقوم هذه البكتيريا بتجميد الأشياء؟
في عام 2016، أوضح الباحثون في معهد ماكس بلانك للكيمياء وأبحاث البوليمرات أن البكتيريا تستخدم بعض البروتينات الموجودة في غشائها الخارجي لعمل الثلج.
أولاً، تعدل هذه البروتينات ترتيب جزيئات الماء، ما يجبرها على تكوين بنية أكثر صلابة مثل بنية الجليد.
ولجعل هذه العملية أسهل، تقوم البروتينات أيضاً باستخلاص الحرارة من الماء، ما يؤدي إلى تجميدها بغض النظر عن درجة الحرارة المحيطة بها.
يتجمد الماء النقي عند حوالي -0 درجة مئوية (-40 درجة فهرنهايت). ومع ذلك، يمكن لقطرة واحدة من هذه البكتيريا أن تجمد في لحظة 600 ملليلتر (20.3 أوقية سائلة) من هذه المياه (التي تم تبريدها لـ -7 درجة مئوية فقط أي ما يعادل 19.4 درجة فهرنهايت).
يعتقد أن هذه الميكروبات تسهم في تكوين الأمطار والثلوج عندما تسحبها الرياح إلى الغلاف الجوي، وتستخدم هذه البكتيريا حالياً في صناعة الثلج في منتجعات التزلج على الجليد.
Klebsiella Planticola.. بكتيريا يمكنها أن تمحو الحياة النباتية على الأرض!
توجد هذه البكتيريا في جذور كل النباتات تقريباً، وهي مسؤولة عن تحلل النباتات الميتة، وبالتالي تنظيف التربة من النفايات العضوية
أخذ العلماء الألمان عينة من هذه البكتيريا وعدلوها وراثياً، وتمكنت البكتيريا المعدلة من إنتاج الأسمدة والإيثانول من خلال النباتات المتحللة.
ولذلك اعتقد العلماء أن بيع جرثومة من هذا النوع سيفيد كثيراً الزراعة والصناعة، لذلك كان من المقرر في أوائل التسعينيات اختبارها في الحقول.
أجرى فريق في جامعة ولاية أوريغون تجربة مخبرية على عينة من التربة الخصبة المروعة!
إذ تم ملء جزء من التربة بالبكتيريا الأصلية والجزء الآخر بالبكتيريا المعدلة، وأظهرت النتائج أنه على الرغم من أن البذور نبتت في كل أجزاء التربة، إلا أن جميع النباتات في قسم الميكروبات المعدلة ماتت بعد أسبوع!
ما حدث هو أن البكتيريا المعدلة أنتجت كحولاً في التربة أكثر 17 مرة من البكتيريا العادية ولم تتمكن النباتات في التربة تحمل ذلك.
أيضاً، من المعروف أن الفطريات تساعد النباتات في الحصول على العناصر الغذائية الهامة، لكن البكتيريا المنتجة للإيثانول تزيد من وجود الديدان التي تأكل تلك الفطريات.
وبذلك يتضح أن النباتات لم تمت بسبب التسمم فقط بل أيضاً بسبب الجوع.
بالطبع لم يتم التسويق لهذه البكتيريا، وتوصل العلماء إلى أن هذه البكتيريا لو تم إطلاقها في الحقول فستقوم بمحو الحياة النباتية على نطاق قاري.
Aquifex.. بكتيريا من الجحيم
هذه البكتيريا قادرة على التكاثر في الفتحات الحرارية تحت الماء والينابيع الساخنة، عند درجات حرارة تصل إلى 95 درجة مئوية (203 درجة فهرنهايت)!.
لكي تتخيل الأمر بشكل أكبر، عليك أن تعرف أن جسم الإنسان المغمور في مياه بمثل هذه الحرارة سيبدأ في الغليان حتى يذوب في غضون ساعات.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن تعيش البكتيريا في بيئة من هذا القبيل دون صعوبة وفي درجات الحرارة فوق 100 درجة مئوية (212 درجة فهرنهايت)، ما يجعلها أكثر البكتيريا مقاومة للحرارة على الإطلاق.
تستطيع هذه البكتيريا أن تتنفس الأكسجين حتى لو كان موجوداً بكميات ضئيلة حولها، زد على ذلك أنه إذا لم تحتو البيئة على الأكسجين فإن البكتيريا من الممكن أن تتنفس النيتروجين.
القدرة الأكثر إثارة للإعجاب لهذه الكائنات الدقيقة هي أنها تنتج الماء كمنتج ثانوي أثناء التنفس. لهذا السبب سميت Aquifex وتعني صانعة المياه!
البكتيريا القديمة
في عام 2007 حقق فريق من جامعة كوبنهاغن إنجازاً تاريخياً عندما اكتشفوا بكتيريا حية بعمر نصف مليون عام متخفية أسفل طبقات الجليد السرمدي في القارة القطبية الجنوبية وسيبيريا وكندا.
أشارت التقديرات إلى أن البكتيريا كانت حية لنحو 600 ألف عام، وعندما نظر العلماء في حمضها النووي، فوجئوا برؤية أنها سليمة تقريباً.
وهذا شيء غير مألوف للغاية بالنسبة للمخلوقات في هذا العمر، لأن الحمض النووي يبدأ في الانهيار بعد مرور بعض الوقت.
تدخل العديد من الكائنات الحية الدقيقة حالة من الخمول التام للبقاء على قيد الحياة لآلاف السنين، ولكن مع ذلك، سيظل الحمض النووي الخاص بها يعاني من أضرار كبيرة.
لكن مفتاح العمر الطويل لهذه البكتيريا القديمة يكمن في قدرتها المذهلة على إصلاح الحمض النووي الخاص بها.
أكد العلماء أنه عندما يتعرض الحامض النووي للخلية للتدمير فإن هذه الخلايا تجمع نفسها من جديد وتصلح مادتها الجينية وتبقى على قيد الحياة.
كانت هناك تقارير أخرى عن البكتيريا الحية القديمة، مثل بكتيريا عمرها 250 مليون سنة محبوسة في بلورات الملح.
ومع ذلك، فإن هذه التقارير لا تزال غير مؤكدة، ويتكهن البعض بأن العينات لوثت بالميكروبات الحديثة أثناء وجودها في المختبر.
على النقيض من ذلك، فإن البكتيريا التي يرجع تاريخها إلى 600 ألف عام موثوق بها، حيث حرص الباحثون على تجنب أي شكل من أشكال التلوث أثناء الاختبارات.
Staphylococcus Epidermidis.. بكتيريا تقاتل السرطان
في فبراير/شباط 2018، اكتشفت مجموعة من الباحثين من جامعة كاليفورنيا أن هذه البكتيريا لها قوى مضادة للسرطان.
عادة ما توجد هذه البكتيريا في الجلد البشري السليم، وهي تنتج مادة كيميائية تسمى ( 6-HAP).
عندما حلل العلماء هذه المادة في المختبر، أدركوا أن المادة الكيميائية منعت الخلايا السرطانية من التكاثر، كما أنه لم يكن هناك أي تأثير على الخلايا الطبيعية.
حقن العلماء المادة في مجموعة من الفئران، ثم تعرضت الحيوانات لجرعات عالية من الأشعة فوق البنفسجية.
وأظهرت النتائج أنه على الرغم من أن جميع الفئران طورت السرطان، إلا أورام الفئران التي تحتوي على المادة الكيميائية كانت أصغر بنسبة 60٪ من الفئران العادية.
شرع الباحثون في تكرار التجربة، هذه المرة بنشر البكتيريا على ظهور الفئران بدلاً من حقنها.
وحتى بهذه الطريقة، طورت الفئران المغطاة بالميكروبات فقط ورماً واحداً بعد جرعة الإشعاع، في حين أن الفئران العادية طورت ما يصل إلى 6 منها.
على الرغم من أنه لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحوث على هذه البكتيريا، إلا أنه يعتقد أنه يمكن استخدامها في المستقبل لمنع العديد من أنواع السرطان.
Thiomargarita Namibiensis.. العملاق الصغير
تعتبر ثيومارغريتا ناميبينسيس أكبر بكتيريا في العالم، وهي أكبر بثلاثة ملايين مرة من البكتيريا المتوسطة.
تم اكتشافها عام 1997 على سواحل ناميبيا، وهذه البكتيريا قادرة على الوصول إلى حجم يصل إلى 0.75 ملم، ما يجعلها مرئية حتى للعين المجردة.
قال هايدي شولز، عالم الأحياء الذي اكتشف البكتيريا، في تقرير له: "من حيث الحجم فإن هذا النوع من البكتيريا بالنسبة للبكتيريا الإشريكية القولونية التي ذكرناها سابقاً كأنك تقارن حوتاً عملاقاً بفأر مولود حديثاً.
حجمها الكبير يرجع لآلية التغذية الخاصة بها، حيث تستخدم البكتيريا النترات والكبريت للحصول على الطاقة.
وبما أن تركيزات النترات منخفضة في المكان الذي تعيش فيه، فهي تحاول تخزين أكبر قدر ممكن من النترات داخل جسمها.
تبدو البكتيريا بلون أبيض بسبب حبيبات الكبريت المتعددة التي تخزنها!
تتغذى هذه البكتيريا على الكبريت، وهو ما يسمح بإزالة السموم من ماء البحر، ما يساعد في الحفاظ على الحياة البحرية.
هذه الكائنات الحية الدقيقة تتلاقى عادة في طبقة من المخاط، وتشكل ما يشبه سلسلة طويلة من الكريات البيضاء وهذا ما يعطي البكتيريا اسمها Thiomargarita Namibiensis وتعني "لؤلؤة الكبريت الناميبية".
Magnetotactic Bacteria.. مغناطيس حي
هي كائنات دقيقة يمكنها أن تعمل على تراكم جزيئات أكسيد الحديد وتجميعها معاً لتشكيل حبيبات مغناطيسية أصغر 100000 مرة من حبة الأرز.
هذه البكتيريا تخزن العديد من هذه الحبيبات بداخلها، وبهذه الطريقة، تسمح المغناطيسات الداخلية الصغيرة للبكتيريا بالشعور بالمجال المغنطيسي للأرض. تتحرك نحو القطب الجنوبي أو القطب الشمالي، حسب المكان الذي يوجد فيه المزيد من الطعام.
عادة ما تعيش هذه البكتيريا في المستنقعات والبيئات المشابهة مع القليل من الأكسجين، ولذلك يجب على الميكروبات أن تتحرك باستخدام الأسواط حتى تجد مكاناً مناسباً.
ولكن في بعض الأحيان، تكون الرواسب كثيفة للغاية وتكون حركة البكتيريا صعبة، لذا تستخدم البكتيريا مغناطيسيتها لكسب قوة دفع بواسطة المجال المغناطيسي للأرض.
استخدم الباحثون البكتيريا التي تتحرّك باتجاه الحقول المغناطيسية لاستهداف الأورام (التي يقل بها نسبة الأكسجين) بالأدوية القاتلة للسرطان.
وصرّح سيلفين مارتل لمجلة National Post: "نقوم أولاً بإنتاج حقل مغناطيسي ضعيف موّجه نحو الورم لتوجيه البكتيريا المزوّدة بالأدوية وجعلها تتحرك باتجاه الورم، وتدعى هذه العملية بالانجذاب المغناطيسي، وبمجرد دخولها إلى الورم واقترابها بشكل كافٍ من المناطق ناقصة الأكسجين، نقوم بإزالة الحقل المغناطيسي لنسمح للبكتيريا باستخدام مشعراتها الداخلية للأكسجين وتتبّع تدرّج الأكسجين المتناقص في الورم حتى يصبح مستوى الأكسجين 0.5%".