يعد أسبوع العمل المكون من 5 أيام من الصباح حتى بعد الظهر هو أسبوع العمل التقليدي في شتى أنحاء العالم. لكن شركات أجنبية قررت أن تكسر التقاليد وتجعل أسبوع العمل من 4 أيام لمواجهة تعقيدات ومتطلبات الحياة المعاصرة، فهل تنجح في مسعاها؟
يبدو أن الأمر يستحق التجربة على الأقل، ولربما تعرضه على مديرك أو صاحب الشركة.. لو كانت لديك الجرأة أصلاً!
هل جربها أحد من قبل؟ نعم، ويبدو أن النتائج إيجابية وواعدة إلى حد كبير.
إذ دعت شركة رائدة في الانتقال إلى نظام العمل لـ 4 أيام أسبوعياً الشركات الأخرى لاتخاذ الخطوة نفسها.
وقال مؤسسها إن هذا التحول أسفر عن ارتفاعٍ بنسبة 20% في الإنتاجية، وساعد في زيادة الأرباح ورفاه الموظفين.
تحليلٌ لواحدة من أكبر التجارب حتى الآن على نظام العمل لأربعة أيام كشف عدم تأثُّر الإنتاج بشكل سلبي، إلى جانب تقليل التوتر وزيادة مشاركة الموظفين.
وهو ما رفع آمال الملايين في إمكانية تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة.
التحول إلى أسبوع عمل من 4 أيام رفع الإنتاجية والتحفيز
في نيوزيلندا، حوَّلت شركة الخدمات المالية Perpetual Guardian دوام موظفيها البالغين 240 فرداً من نظام الخمسة أيام إلى نظام الأربعة أيام، بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مع الحفاظ على الأجور دون تغيير.
وبحسب ما كشفت دراسة التجربة التي نُشِرَت يوم الثلاثاء 19 فبراير/شباط 2017، فمع ارتفاع الإنتاجية في ظلِّ نظام الأربعة أيام، لم يحدث أي انخفاض في إجمالي العمل المُنجز.
خضعت التجربة لمراقبة أكاديميين من جامعة أوكلاند، وجامعة أوكلاند للتكنولوجيا.
وأظهرت أن تقييمات فريق Perpetual Guardian للقيادة، والتحفيز، والتمكين، والالتزام قد ارتفعت جميعاً، مقارنة باستبيان عام 2017.
انحفضت مستويات التوتر لصالح التوازن بين العمل والحياة
وتظهر تفاصيل تجربة سابقة أن الارتفاع الأكبر كان في جانبي الالتزام والتمكين.
وأن مستويات التوتر قد انخفضت من 45% إلى 38%، وأن التوازن بين العمل والحياة قد ارتفع من 54% إلى 78%.
مؤسس Perpetual Guardian ومديرها التنفيذي أندرو بارنيز قال لصحيفة The Guardian : "آن أوان هذه الفكرة".
وتابع: "نحتاج لأن تسلك المزيد من الشركات نفس المسلك، وسينبهرون بما سيشهدونه من تحسن في شركتهم، وفريقهم، ومجتمعهم الأكبر".
وقد نُشِرَ هذا الأسبوع دليلاً يتضمَّن طريقة تطبيق النظام الجديد للمنظمات الأخرى، شمل نتائج التجربة والتطبيق.
30 ساعة من العمل أسبوعياً تعزز الالتزام
أما تامي باركر، مديرة أحد الأفرع المشاركة في تجربة خفض ساعات العمل الأسبوعية من 37.5 ساعة إلى 30، فقد قالت: "كنا نُعامَل كراشدين، وأعتقد أن الجميع يتصرفون كراشدين نتيجة لذلك".
راقب أصحاب الأعمال وصانعو السياسات حول العالم هذه التجربة التي امتدت لثمانية أسابيع عن كثب.
ففي المملكة المتحدة، تنظر هيئة التمويل العلمي Wellcome Trust في تحويل نظام عمل مكتبها الرئيسي بما يتضمنه من 800 موظف إلى نظام الأربعة أيام أسبوعياً.
علاوة على ذلك، تلقت Perpetual Guardian أكثر 350 طلباً لمعلومات التجربة، قادمة من 28 دولة.
وكانت أغلب هذه الطلبات قادمة من منظمات في المملكة المتحدة، تليها أستراليا، والولايات المتحدة، وألمانيا.
لكن تخفيض الساعات غير ملائم في كل الأعمال
كلَّف حزب العمال بإجراء دراسة حول احتماليات تطبيق نظام الأربعة أيام.
إلا أن الأبحاث المبكرة تشير إلى مدى تعقيد تحقيق مكاسب الإنتاجية في الصناعات الرئيسية مثل: تجارة التجزئة، حيث يعتبر الحضور جزءاً أساسياً من الوظيفة.
ازداد متوسط ساعات العمل في المملكة المتحدة منذ الأزمة المالية، وازدادت التساؤلات حول عدد الساعات التي يمكن أن يقتطعها العاملون في الوظائف الحساسة مثل التمريض والشرطة، دون الإضرار بالخدمة العامة التي يقدمونها.
أما الشركات الأصغر، فقد اختبرت النظام الجديد، ووجدت أن الأداء قد تحسن في الأسابيع القليلة الأولى، نتيجة للحماس الكبير تجاه المشروع، قبل أن ينخفض ذلك قليلاً.
عمل أقل = تركيز أكبر
قالت باركر: "أكبر المخاوف من وجهة نظر أصحاب الأعمال يتمثَّل في ضمان أن تطبيق هذه السياسة بشكل كامل لن يؤدي إلى الرضا عن الذات، مع خطر انخفاض الإنتاجية من جديد".
وتابعت: "للوقاية من ذلك، أمضينا الكثير من الوقت في التأكد من أن كل شخص في كل فريق يمتلك خطة شخصية للمحافظة -بل وتحسين- مستوى إنتاجيته".
وقالت إنها شخصياً وجدت أن العمل أقل يزيد من تركيزها على المهام، وإنها لم تعد تتنقل بين المهام ذهاباً وإياباً".
وأضافت: "لقد أصبحت أنهي المشروع قبل الانتقال إلى الذي يليه، ومع نهاية اليوم وجدت أنني كنت أنجز أكثر، مقارنةً بمحاولات العمل على مهام متعددة".
وتابعت: "وجدت أن إنتاجيتي زادت نتيجة لكوني أصبحت أكثر إدراكاً لطريقة عملي، وبسبب التفكير في طريقة إنجازي للأشياء وسبب عملي عليها فحسب. في الوقت ذاته، لم أشعر بأي توتر في العمل بسبب أنني صببت تركيزي على المهام التي بين يدي، وبسبب أنني حصلت على يوم إجازة إضافي لتعويض ارتفاع معدل العمل".
يوم الإجازة الإضافي تمحور حول العائلة والمرح
استثمر الجميع يوم الإجازة الإضافي في الأنشطة الترفيهية نفسها التي كانوا يفعلونها خلال إجازة نهاية الأسبوع مثل: ممارسة رياضة الغولف، ومشاهدة نيتفلكس.
لكن وفقاً لبروفيسور جارود هار المتخصص في إدارة الموارد البشرية بجامعة أوكلاند للتكنولوجيا فإن أنشطة جديدة ظهرت أيضاً.
من بين هذه الأنشطة "قضاء الوقت مع الوالدين"، و"إمضاء وقت ضروري في الدراسة"، و"تنظيف المنزل خلال يوم الأربعاء ثم قضاء إجازة نهاية الأسبوع بحرية".
وقال: "أبلغ المدراء عن أن فرقهم أصبحت أكثر إبداعاً بعد التجربة".
وتابع: "أشرك ذلك الفريق في إيجاد حلول لإنجاز عملهم في أربعة أيام؛ لتخرج التجربة بنتائج جيدة. والأهم أنهم قيَّموا فرقهم أنها أثناء تقديمها لخدمة أفضل لعملائها، كانت أكثر تركيزاً وانغماساً في مكالمات العملاء والزبائن".
وكلما خف إنهاك العمل زادت الإنتاجية وأرباح الشركات
وأضاف أن هناك تسجيل انخفاض كبير في الضغط والإنهاك المرتبط بالعمل، مع بلوغ التوازن بين الحياة والعمل زيادة غير مسبوقة.
وأضاف أيضاً: "بعيداً عن الرفاهية، أشار الموظفون إلى أن فرقهم أصبحت أقوى وعملت بتعاون أفضل، وكانت أكثر رضاً بما أنجزته، وأكثر مشاركةً، وشعرت بأن عملها أكتسب معنى أكبر".
وتابع: "أشاروا أيضاً إلى ارتفاع مستوى الالتزام تجاه المنظمة، وانخفاض احتمالية البحث عن وظيفة في مكان آخر".
يقول بارنيز: "لا يزال تطبيق نظام الأربعة أيام على أساس التمكين قادراً على تحديد طرق جديدة لرفع الإنتاجية وتحسين المشاركة، والرفاهية، والرضا الوظيفي داخل هذا النموذج الرائج للمرونة".