ثروة من السماء.. متحف النيازك المغربية يحتفظ بهدايا كوكب المريخ ويحاول إقناع السماسرة بعدم الاتجار بتراث البلاد

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/08 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/08 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
3D rendering of a swarm of Meteorites or asteroides entering the Earth atmosphere.

ثروة تهبط على المغرب من السماء، ولكن سرعان ما تنتقل للدول الغربية قبل أن يراها المغاربة، فقد تحولت النيازك المغربية لضحية لعملية اتجار واسعة في هذه الثروة الجيولوجية الفريدة، فهل يتم إنقاذها من قبل متحف النيازك المغربية ؟.

ويشتهر المغرب بتساقط النيازك على أراضيه بين الحين والآخر، خاصة في المناطق الجنوبية التي تحظى باهتمام الكثير من الباحثين والخبراء في علم النيازك داخل المغرب وخارجه، كما أصبحت محط أنظار العديد من الهواة والسماسرة المهتمين بجمع هذه الأحجار الثمينة المتساقطة من السماء على المناطق الجنوبية القاحلة، لبيعها للمتاحف العالمية.

والنتيجة أن المتاحف العالمية تمتلئ بـ "النيازك المغربية"، وهو ما يمثل خسارة لهذا التراث الجيولوجي الذي هو ملك المغرب والمغاربة، في وقت تهتم كثير من دول العالم بهذه الهدايا الثمينة المرسلة من السماء، باعتبارها تراثاً جيولوجيا لا يقل أهمية عن التراث الإنساني.

هذا الأمر دفع مجموعة من المختصين المغاربة للتحرك للحفاظ على أكبر قدر ممكن من النيازك المغربية، عبر إنشاء المتحف الجامعي للنيازك في مدينة أغادير المغربية، الذي يستخدم أساليب بسيطة لتغيير ثقافة الناس حول هذه الحجارة الجيولوجية الفريدة.

السر الغامض وراء شهرة المغرب بالنيازك

لماذا يشتهر المغرب، وخاصة مناطقة الجنوبية باستقبال النيازك؟ طرح "عربي بوست" هذا السؤال على الدكتور عبدالرحمن أبهي، الخبير المغربي في علم الفلك والنيازك، الذي كان القوة الدافعة لإنشاء المتحف.

"ليس هناك جواب علمي حاسم لهذا الأمر بعد"، هكذا يجيب الدكتور عبدالرحمن أبهي، أستاذ علم الفلك والنيازك بجامعة ابن زهر المغربية، ورئيس وحدة دراسة النيازك بالجامعة.

فالنيازك تسقط بشكل عشوائي، هذا السقوط ناتج عن تصادم بين الصخور فيما بينها، الأمر الذي يطلق شظايا نيزكية تأتي إلى الأرض بشكل اعتباطي، حسب تعبيره.

ويرى الخبير المغربي أن السبب قد يكون منطقة الصحراء المغربية، والمناطق الجنوبية تحتل حيزاً كبيراً في المساحة، مما يجعلها مناطق مفتوحة تستقبل النيازك بكثرة.

إلا أنه يستدرك قائلاً: ولكن العلماء حتى الآن لم يتمكنوا من إيجاد تفسير علمي لظاهرة كثرة تساقط النيازك على جنوبي المغرب.

النيازك تننج من تصادم حزام الكويكبات مع الكواكب الغازية المتجمِّدة/istock
النيازك تننج من تصادم حزام الكويكبات مع الكواكب الغازية المتجمِّدة/istock

وبصفة عامة فإن النيازك هي أحجار تأتي من السماء، نتيجة تصادم حزام الكويكبات (الذي يوجد بين الشمس والكواكب الحجرية الصغيرة) مع الكواكب الغازية الكبيرة المتجمِّدة.

ينتج عن هذا التصادم شظايا، إما تسقط على الأرض مباشرة، مكونة نيازك الكويكبات الموجودة بكثرة، أو أن هذه الشظايا تصطدم بالقمر أو المريخ وتسقط إلى الأرض، وتعطينا في هذه الحالة النيزك القمري أو النيزك المريخي.

وأخيراً وجدت النيازك المغربية بيتاً يحميها

أصبح المغرب مشهوراً بتصديره للنيازك، ولكنه لم يكن لديه متحف يجمعها، حتى إنه منذ عام 2004، كان أي نيزك يسقط في المغرب يباع في الدول الغربية، حتى قبل أن يراه المتخصصون المغاربة، حسبما يقول أبهي.

بعض النيازك التي تتساقط بالمغرب قيمة جداً من الناحية العلمية، ولا يمكن إعطاؤها حتى قيمة مادية، ولذلك تتهافت عليها كبريات المتاحف العالمية، حسبما يقول الباحثون.

لكن في بلدان العالم الثالث كالمغرب، فإن الثقافة المنتشرة لا تقدر القيمة العلمية لمثل هذه الأحجار، والبعض يحاول الاستفادة عبر عرضها للبيع في الخارج، بينما الطبيعي أن توضع في متحف أو مختبر لينتفع بها الباحثون والطلاب ويتعرف عليها عامة الناس.

المتحف الحامعي للنيازك بمدينة أغادير المغربية
المتحف الحامعي للنيازك بمدينة أغادير المغربية

ومن هنا كان المتخصصون يطمحون لإنشاء متحف وطني لجمع النيازك المغربية، ولكن كان الأمر خارجاً عن قدراتهم.

ولذا يقول الدكتور أبهي "ارتأينا في مختبر علم النيازك بكلية العلوم بجامعة ابن زهر بمدينة أغادير بجنوبي المغرب، أن نقوم بإنشاء متحف للنيازك في الجامعة، بعد أن فشلت محاولتنا في إنشاء متحف وطني للنيازك، بحكم أنه يتطلب إمكانات مادية كبيرة".

وبالفعل تم إنشاء متحف جامعي للنيازك بجامعة ابن زهر – جنوبي المغرب- عام 2017.

لآلئ الصحراء في متحف النيازك المغربية

تم تشييد هذا المتحف الجامعي وفق تصاميم الهندسة المعمارية الحديثة، ويتضمن قاعة تتضمن أكثر من 150 قطعة نيزكية، بما فيها النيازك المغربية والعربية والأوروبية، أضف إلى ذلك قاعة للأفلام الوثائقية تقدم فيه الشروحات للزوار حول النيازك.

ويدير هذا المتحف فريق يتكون من 60 من الأساتذة والطلبة الباحثين المهتمين بعلم الفلك عامة وبعلم النيازك خاصة، الذين قاموا أيضاً بتأسيس "جمعية المتحف الجامعي للنيازك" سنة 2016، تحت إشراف الدكتور أبهي.  

وإنشاء المتحف في مدينة أغادير -جنوبي المغرب- جاء أيضاً لأنها بوابة الصحراء، ولكون أغلب النيازك تسقط في الصحراء، حسب الدكتور أبهي.

يقول أبهي: أضِف إلى ذلك أننا نعمل على النيازك منذ سنة 2004، وكانت لدينا بالفعل مجموعة من النيازك، وحاولنا أن نقوم بعرضها للناس مع شرح التفسيرات العلمية المرتبطة بها.

وحسب الدكتور عبدالحميد مصدق، نائب رئيس جامعة ابن زهر للبحث العلمي، يعود الفضل في إنشاء المتحف إلى عبدالرحمن أبهي، الحاصل على الدكتوراه في علم البراكين في باريس، ودكتوراه الدولة في علم البلورات بجامعة ابن زهر، وصاحب كتاب "النيازك: لآلئ الصحراء المغربية"، الذي دعا في عدة مناسبات إلى إنشاء متحف وطني أو إقليمي للحفاظ على عينات النيازك التي تسقط بالمغرب.

المتحف يحميها من النهب والتجارة العابرة للقارات

سعى المتحف إلى استبقاء أكبر قدر ممكن من النيازك المغربية داخل البلاد، حتى لو مجرد قطعة صغيرة ليشاهدها الطلبة والباحثون والتلاميذ وعموم المواطنين، ليتعرفوا على هذا النيزك من أين أتى؟ من أجل تلبية رغبة المعرفة، حسب أبهي.

ويضيف: "من هنا فأي نيزك يسقط بالمغرب أو خارجه يحاول المتحف اقتناءه وإدخاله، ليبقى بشكل دائم، ليشاهده الطلاب والباحثون والمواطنون عامة، وتبقى العينة لدينا كمرجع لإجراء التحاليل".

ويسعى المتحف بذلك للحفاظ على أكبر قدر ممكن من النيازك داخل الأراضي المغربية، خاصة القطع الثمينة، وإنقاذها من عمليات النهب والتجارة الدولية عبر القارات.

وها هم العلماء المغاربة يبدأون في دراسة النيازك ويكتشفون قطعة جاءت من المريخ

"النيازك تقسم عادة إلى نوعين"، حسب الدكتور أبهي.

هناك النيازك التي نجدها صدفة بعد سقوطها، وهناك النيازك المرئية التي نشاهدها وهي تسقط من السماء، ومن ثم تتم متابعتها، والمغرب يعرف وجود النوعين معاً.

ومنذ 2004 سقط أول نيزك في مدينة بنجرير، وهو موجود حالياً في المتحف الجامعي للنيازك بأغادير، ويعد هذا النيزك الأول الذي تُجرى عليه دراسة مغربية مائة بالمائة.

قطعة من أحد النيازك المتحف
قطعة من أحد النيازك المتحف

تلاه سقوط نيازك أخرى، كان أهمها في سنة 2011 في مدينة طاطا بمنطقة تيسنيت.

ويقول أبهي: "كنا أول فريق علماء يتواجد بالمنطقة، وبعد تحاليل علمية وجدنا أنه جاء من المريخ، وقد أعطى صدى كبيراً للمغرب وللباحثين عن النيازك.

وجاء آنذاك العديد من العلماء والباحثين في علم النيازك للمغرب من أميركا وأوروبا.

ويقول أبهي، هذا النيزك عزيز على قلبي جداً؛ لأنه أعطى شهرة كبيرة للمغرب في مجال النيازك.

وسقط نيزك آخر سنة 2013 في منطقة "تغيرت"، وآخر في منطقة فم لحسن، وهي كلها مناطق بالجنوب المغربي، وفي المجموع يوجد حتى الآن 13 نيزكاً سقطت منذ 2004 إلى حدود سنة 2017.

والمتحف هو الأول من نوعه الذي يقدم مثل هذه المساعدة للطلاب

المغرب في أمس الحاجة لهذا المتحف الجامع؛ لأنه يقوم بعدة أدوار مهمة، وأول هذه الأدوار هو توفير مادة علمية تطبيقية للطلاب، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى طلاب وباحثين وحدة علم النيازك في جامعة ابن زهر، التي يرأسها أبهي.

إذ يقول العالم المغربي: لا بد للطلبة من فضاء لإنجاز أبحاثهم، ونستقبل كل عام أفواجاً من الطلبة الذين ينجزون بحوثهم الأكاديمية على النيازك، وخاصة طلبة الدكتوراه في علم النيازك.

وهذا المتحف، حسب أبهي، هو الوحيد من نوعه في المغرب وفي العالم العربي وإفريقيا، الذي يسمح للطالب بأن يتعامل مع النيازك بشكل مباشر، على حسب طبيعة بحثه.

طلاب يشاهدون محتويات المتحف من أجزاء النيازك
طلاب يشاهدون محتويات المتحف من أجزاء النيازك

بالنسبة للدور الثاني لهذا المتحف، يقول عبدالرحمن أبهي: "إن المقررات الدراسية في التعليم المغربي فيها نقص في مادة علم الفلك، مقارنة مع الدول الأوربية وأميركا، ولذلك فنحن نحاول أن نغطي هذا النقص الحاصل في المقررات الدراسية، من خلال إتاحة الفرصة للطلاب لزيارة المتحف لتكتمل لديهم المعلومات حول علم الفلك عامة، وعلم النيازك خاصة.

وفي هذا الإطار، يقول لحسن أكنين، طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم بجامعة ابن زهر: "هذا المتحف وفر لي جميع العينات الخام التي قمت بدراستها، والتعرف عن قرب على مكوناتها من خلال ملامستها، وكذلك عن طريق الصفائح الدقيقة التي تمكننا من التعرف على أنماط وأنواع النيازك".

 ويضيف قائلاً: "هذا أتاح لي فرصة الإشراف على استقبال أنشطة التلاميذ أو الطلبة، من أجل شرح كل المعلومات التي أعرفها حول النيازك لهم عملياً".

ولكن المتحف لا يقتصر دوره على العلم، فهو يحاول إقناع السماسرة بالتوقف عن الاتجار بثروة السماء

بالإضافة إلى الأدوار السابقة هناك دور اجتماعي صرف وهو مهم، حسب عبدالرحمن أبهي المشرف على المتحف، لأن العديد من المغاربة يتخذون من بيع النيازك تجارة، وليست هناك مؤسسة تعطيهم معلومات حول النيازك التي يجدونها.

ويقول: لذلك فنحن نستقبل يومياً ما لا يقل عن عشرة أشخاص، من الأشخاص والسماسرة الذين يشاركون في تجارة النيازك، لكي نمدهم بمعلومات ليفرقوا بين الأحجار العادية والنيازك، وما أنواعها؟ ومن أين أتت؟

كما أننا نوضح لهم قيمة تلك النيازك من أجل أن يتركوا ولو قطعاً صغيرة منها في المغرب؛ لأنه من المهم جداً أن تبقى أجزاء من هذه النيازك في البلد الذي سقطت فيه.

كما أن له دوراً إيجابياً بالنسبة للتبادل العلمي والسياحة وبالتالي الاقتصاد

وبالإضافة إلى ذلك فإن المتحف له دور بيئي وسياحي، حيث يستقبل مجموعة من السياح الأجانب، حسبما يقول لحسن لـ "عربي بوست".

كما يستضيف المتحف بعثات تعليمية من الجامعات مثلما جرى مع جامعة هارفارد الأميركية في السنة الماضية، الأمر الذي أتاح تبادل الآراء والمعلومات بين الباحثين المغاربة ونظرائهم الأميركيين.

ويرى لحسن أكنين أن "المتحف له صيت علمي دولي إيجابي، حيث تم مؤخراً إبرام اتفاقيات شراكة مع جامعة من الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك جامعة من مصر، في إطار المشروع التعليمي بين جامعة ابن زهر للبحث العلمي والجامعات الأخرى.

إنها محاولة لتغيير الدور النمطي للجامعات في العالم الثالث

هذا المتحف يجسد محاولة للخروج من النمط التقليدي للجامعات في دول العالم الثالث، حسب عبدالحميد مصدق، نائب رئيس جامعة ابن زهر المكلف بالبحث العلمي.

ويضيف مصدق قائلاً: هذا التدريب والتأهيل العملي هو جزء من التعليم الأساسي للطلبة والباحثين بشكل عام، الذين يعملون داخل المتحف على الأجزاء التي تأتي من الفضاء الخارجي، ليتمكنوا من تمييزها عن الأجزاء التي تكونت في أزمنة جيولوجية قديمة في الأرض.  

ويرى مصدق أن وجود هذا المتحف في الجامعة، يمكنهم من المساهمة في خلق الوعي بأهمية التراث والأماكن المتميزة بالمغرب، خاصة المناطق النائية غير المعروفة.

كما أن المتحف الجامعي للنيازك يخلق لدى الطلبة والتلاميذ الوعي بأهمية المحافظة على كل ما ينتمي إلى هذا البلد، حسب مصدق، عبر هذه العينات من النيازك، التي لا تتجلى قيمتها بالضرورة في ثمنها المادي، لكن في ندرتها وفي الطريقة التي يمكن أن تفيد بها الباحثين.

فهذه النيازك ما هي إلا تراث وهبته السماء للمغرب، وهي لا تقدر بثمن مهما دفع فيها التجار والمتعاملون الدوليون.

 

علامات:
تحميل المزيد