يكثر الحديث عن "الأمن" هذه الأيام، سواء كان "الأمن العالمي" أو "الغذائي" أو "الدولي".. ألخ، ويُغفل الحديث تماماً عن أهم أنواع الأمن على الإطلاق.. "الأمن النفسي"، فما أن يفقد الشخص أمنه الداخلي حتى يصبح من الصعوبة بمكان أن يشعر بأي نوع من الأمن حوله حتى وإن كان موجوداً. ويعاني الكثير من الأشخاص حولنا الاضطرابات في أمنهم الداخلي، سواء كان ذلك اضطراباً نفسياً أم اضطراباً عقلياً وتزيد من معاناتهم خوفهم من الكشف عن مرضهم أمام الآخرين، لأنه وبسبب ضعف الوعي بالأمراض النفسية والصحة النفسية عموماً فإنه من السهل أن يتم إطلاق العديد العبارات والإكلشيهات المؤذية اتجاه المريض دون إدراك بأن هذه العبارات تضر المريض ولا تنفعه وقد تؤدي أحياناً إلى تدميره كلياً.
يقع العديد من الأشخاص في فخ المعتقدات الخاطئة اتجاه مفهوم المرض النفسي عموماً، ستسمع العديد من الناس يصفون شخصاً يعاني اعتلالًا نفسيًّا بأنه "مجنون" وقد تجد آخرين لا يقتنعون أصلاً بوجود مرض نفسي لدى شخص يعرفونه، وتسمعهم يقولون "اخرج وغير جو وستكون على ما يرام!"، "هذه الأشياء موجودة فقط في رأسك!"، "حركات دلع!".
" هذه الأشياء فقط في عقلك".. جملة تثير حفيظتي كما ستثير حفيظة الشخص المريض.. فهي تشبه إلى حد كبير جملة قد تقولها لمريض السرطان "السرطان فقط في رئتك"، عندما يمرض جسدنا لا نتجاهل مرضنا بل نسارع إلى زيارة الطبيب ونقوم بالفحوصات والأشعة والتحاليل. ولكن ما الذي نفعله عندما تمرض نفسنا؟ أو عقلنا؟ لا شيء! لماذا؟ لأننا ببساطة لا نملك الثقافة الكافية عن صحتنا النفسية؟ وماذا يعني أن عقلك ليس سليماً تماماً؟ معظم الناس تظن أنها "مرحلة وستمر" وأنها نتيجة لضغوط و"سيتجاوزها" ونستمر في التجاهل والنكران إلى أن يصبح المرض قد استشرى وفتك بنا وأصبح العلاج صعباً ومرهقاً ومكلفاً.
وعليه، فإنه لا بد من التطرق إلى هذا الموضوع وتسليط الضوء على حقائق تتعلق بالأمراض النفسية والأمراض العقلية، ربما تساعدنا في فهم طبيعتها وطبيعة ما يمر به المريض أيضاً على حد سواء..
1- الوصمة
إنها نظرة مشوهة عن المرض النفسي والتي جعلت بعض العلاجات صعبة ومستحيلة أحياناً، لو دخل شخص ما المشفى للعلاج، فإنك سترى حوله كل أفراد أسرته، وسيكون هناك اهتمام كبير بمتابعة حالته الصحية وأدويته وما إلى هنالك من زيارات وقد تجد صورة على الفيسبوك من داخل المشفى بينما يتلقى التبريكات تحمد الله على سلامته، ولكن الأمر لن يكون نفسه بالنسبة لشخص دخل المشفى لأنه حاول الانتحار أو لأنه تناول جرعة زائدة من المخدرات. سيكون هناك تعتيم عام على الموضوع من قبل المحيطين بالشخص، أوه! حاول الانتحار! مسكين ياله من مختل! أوه! مدمن! لا بد أنه شخص سيئ السمعة.. بعد هذا كله من يريد أن يذهب إلى الطبيب النفسي ليتم تشخيصه كجزء من فئة يسميها المجتمع "المختلة" أو "المجانين" لا أحد سيذهب للعلاج طالما أن هذا التصور العام بقي على ما هو عليه.
2- المرض النفسي ليس صفة شخصية
هناك فرق بين الاضطرابات النفسية وبين سمات الشخصية. قد أصف شخصًا ما أنه مغرور أو متكبر هذه قد تكون إحدى سماته، ولكني لا أقول إن سمته "نرجسي"! الشخصية النرجسية هي أحد أنواع الاضطرابات التي تصيب الشخصية.. كاضطراب الشخصية الحدية، الهوسية، المعادية للمجتمع، التجنبية، وهذه الاضطرابات تتميز عن السمات في أنها تكون على هيئة سلوكات و أفكار "غير طبيعية" مقارنة مع باقي الأفراد وهي ثابتة لا تتغير تبعاً للمواقف والأشخاص وهي دائما ما تسبب للفرد اعتلالاً وظيفياً وتمنعه من ممارسة حياته بشكل سليم . لذلك فمن الفظيع أن أصف نفسي أو شخصاً ما على أنه " نرجسي- معادٍ للمجتمع- مهووس".
3- المرض النفسي درجات و ليس الجميع على نفس القدر من الشدة
لكل مرض نفسي مقياس ودرجات ومعايير، بمجرد أن يتم تشخيصك فإنه سيتم وضعك على هذا المقياس، من 1 إلى 6 مثلاً حسب شدة المرض.. البعض سيكون قادراً على إكمال حياته دون عوائق، وستكون المهمة سهلة بالنسبة له بينما سيعاني البعض قليلاً وقد يكون قليلو الحظ عرضة لصعوبات كبيرة قد تكون معيقة لحياتهم الطبيعية والقيام بوظائفهم على أكمل وجه دون رعاية خاصة.
4-الدواء أمر أساسي في الأمراض النفسية والعقلية
لا ينكر علم النفس أهمية العلاج النفسي غير الدوائي، بالعكس بل هو يعتبر عماد علاج الاضطرابات النفسية، ما يرفضه علم النفس هو استبعاد العلاج الدوائي من حسابات المريض، العلاج باليوغا أو بالخلطات العشبية والحمية الغذائية وغيرها قد يكون فعالاً في حال كانت درجة المرض بسيطة، أما الحالات المتوسطة والشديدة فإن الدواء سيكون أساسياً وما يأتي بعده سيكون مكملاً له. إن معظم الاضطرابات النفسية والعقلية تحدث نتيجة لتغيرات في كيمياء المخ واختلال في النواقل العصبية الموجودة فيه "السيروتونين- الدوبامين.."؛ لذلك فإن عمل الدواء يكون في إحداث توازن في هذه العمليات الكيميائية داخل المخ وإعادتها إلى عملها الطبيعي، وعلى المريض ومن حوله أن يكونوا على دراية بأن الدواء لن يجعل المريض شخصاً آخر ولن يغير من شخصيته. الدواء سيعيد الشخص إلى ما هو عليه وما يجب أن يكون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.