من الصعب حصر عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا بسبب الجرائم والمجازر الإسرائيلية بحق المدنيين، سواء ما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي، من قصف للمدنين في غزة، أو ما قامت به الجماعات الصهيونية المسلحة، مثل "الهاجاناه" و"آرغون" و"البلماح" حتى قبل إعلان قيام "دولة إسرائيل".
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أنّ عدد الضحايا الفلسطينيين الذين قتلهم الاحتلال منذ عام النكبة حتى اليوم، وصل إلى 100 ألف شخص تقريباً، أكثر من 10 آلاف ضحية قُتل منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000.
كان الهدف من تلك المذابح الإسرائيلية قتل الفلسطينيين وتشريد سكان القرى الثانية للاستيلاء على أراضيهم، ولم يكتفِ مرتكبو تلك الجرائم بقتل المدنيين وتهجيرهم، ولكن "تفنّنوا" في طرق القتل والتعذيب الوحشية، من تقطيع الأطراف وحرق الناس أحياء والاغتصاب وقتل الأطفال. وحتى بقر بطون الحوامل بالحراب.
"الهاجاناه" وباقي الميليشيات الصهيونية نواة الجيش وأساس الدولة
في عام 1920 وعندما كانت فلسطين لا تزال تحت الانتداب البريطاني، اندلعت "انتفاضة موسم النبي موسى"، وحدثت مواجهات بين العرب واليهود المهاجرين الذين استوطنوا في فلسطين عن طريق موجات الهجرة الجماعية التي سهلتها المنظمات والجمعيات الصهيونية تمهيداً لإعلان "دولة إسرائيل" على أرض فلسطين.
فقرر اليهود ضرورة تكوين قوة مسلحة مستقلة عن القوات البريطانية لتحمي المستوطنات والأراضي الزراعية التي يسيطرون عليها، فتأسست منظمة مسلحة حملت اسم "هاجاناه وعفوداه"، وهي تعني "فرقة الدفاع والعمل"، لكنّ كلمة العمل أسقطت فيما بعد.
انضم لتلك المنظمة عدد كبير من اليهود الذين كانوا جنوداً في الجيش البريطاني، وترأس تلك المنظمة شخص يدعى "يوسف هيشت"، وكان لـ"هيشت" رأي آخر، ولم يكتفِ بواجبات الحراسة والدوريات الليلية.
فوضع برنامج تدريب عسكري شاملاً للمتطوعين وأنشأ مصانع سرية للقنابل والمتفجرات، ونفذ أفرادها عملية اغتيال الدكتور "جاكوب دي هان"، يهودي عارض الحركة الصهيونية في القدس في 1924، وانتشر أفراد المنظمة حول العالم لضمان تدفق هجرة اليهود والتبرعات والأسلحة إلى فلسطين.
لم تقف بريطانيا متفرجة، بل درّبت وسلّحت وحدات الصاعقة "البلماح" التابعة "للهاجاناه" وأصبح تعدادها بالآلاف.
ارتكبت تلك الوحدات مجازر بحق القرى الفلسطينية وقمعت الثوار العرب في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، ولم يشفع ذلك للبريطانيين وانشقت عن المنظمة أجنحة أخرى أكثر تطرفاً مثل تنظيم "ليحي"، وتنظيم "إرغون" الذي كان رئيسه "مناحيم بيغن"، والذي أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي للفترة من 1977 – 1983.
هاجمت تلك التنظيمات الجيش البريطاني والسكك الحديدية وأغرقت السفن البريطانية واغتالت شخصيات أوروبية بارزة، منهم مبعوث الأمم المتحدة، واللورد "موين"، وزير الدولة البريطاني.
كانت المنظمات الـ3 مختلفة ظاهرياً وأصدرت الهاجاناه بيانات الاستنكار بين الحين والآخر، وألقت القبض على بعض أفراد هذه المنظمات وسلَّمتهم للقوات البريطانية، أكّد بيغن لاحقاً في كتاباته أن هناك تنسيقاً عسكرياً في الخفاء بين المنظمات، وأنّهم اقتسموا الأدوار بينهم فقط.
1946 قررت السلطات البريطانية تقليل الهجرة اليهودية لفلسطين لامتصاص غضب العرب..
تسقط ورقة التوت وتتحالف "الهاجاناه" علناً مع "إرغون" و"ليحي"، وينفذون متحدين عشرات العمليات العنيفة ضد القوات البريطانية والسكان العرب، أبرزها تفجير فندق الملك داود ومذبحة بلد الشيخ ومجزرة دير ياسين.
بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 قررت حكومة إسرائيل المؤقتة تحويل الهاجاناه إلى جيش نظامي للدولة، ومنها اشتق الجيش اسمه، واعترافاً بفضل قادتها وأفرادها فقد توَّلوا المناصب العليا في الدولة الجديدة، مثل رؤساء الوزراء شمعون بيريز وإسحاق رابين ومناحيم بيغن، كما تولّى موشيه ديان لاحقاً قيادة الجيش الذي وُلد من رحم هذه الجماعة التي ارتكبت الفظائع.
وهذه أبرز 10 مجازر ومذابح إسرائيلية بحق الفلسطينيين التي ارتكبتها هذه الجماعات الصهيونية ومن بعدها قوات الاحتلال الإسرائيلي:
1- مذبحة دير ياسين
في عام 1948 كانت قرية دير ياسين يفصلها عدة مستعمرات يهودية عن مدينة القدس، وبلغت مساحة دير ياسين حينها 2700 دونم، كان أكثر من نصفها مزروعاً، أمّا عدد سكانها فقُدّر بـ 750 نسمة، وعدد منازلها 144 منزلاً.
وخلال الأشهر التي سبقت نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، وصل التنافس العسكري إلى ذروته بين منظمة الهاجاناه من جهة ومنظمتي الأرغون (إيتسل) وشتيرن (ليحي) من جهة أُخرى.
وكانت القيادات الصهيونية قد بدأت تنفيذ الخطة (د) التي كان هدفها احتلال رقعة الدولة اليهودية وفق قرار التقسيم بقوة السلاح، وتطهيرها عرقياً وإضافة ما أمكن من رقعة الدولة العربية إليها، وخصوصاً مدينة القدس وضواحيها.
وتشير تقديرات فلسطينية إلى أن 531 قرية ومدينة فلسطينية قد طهرت عرقياً ودمرت خلال نكبة عام 1948.
وفي فجر التاسع من أبريل/نيسان 1948 كانت القوات الصهيونية تتقدم نحو القرية الفلسطينية، وقتلت في غضون عدة ساعات أكثر من 100 فلسطيني، في عملية ترهيب انتهت بتهجير جميع سكان القرية الذين كان عددهم قبل المجزرة يزيد عن 600. وكانت القوات الصهيونية تلقي جثامين الضحايا في آبار المياه.
وتم هدم الجزء الأكبر من مباني القرية، بعد ارتكاب واحدة من أبشع المجازر الإسرائيلية فيها.
ويقول الدكتور نظمي الجعبة، أستاذ التاريخ في جامعة بيرزيت، لوكالة الأناضول: "دير ياسين وقرية لِفتا المجاورة كانتا المدخل الغربي لمدينة القدس، وبالتالي فإن التخلص منهما كان بمثابة عنق الزجاجة للقدس، ومن يسيطر عليهما تسهل عليه السيطرة على القدس".
ويقول خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، لوكالة الأناضول: "تم توسيع حي جفعات شاؤول الاستيطاني ليشمل قرية دير ياسين، وهي تشمل الآن منطقة صناعية كبيرة".
وأضاف: "ما تبقى من المنازل يُقيم فيه يهود الآن، والمحال التجارية تم تحويلها إلى منشآت تجارية، في حين أن مقبرة القرية اختفت تماما، (دمرتها إسرائيل)، ويتم استخدام مبنى كبير كمستشفى للأمراض العقلية".
2- مذبحة اللد
اجتاحت الوحدات الصهيونية التابعة لقوات البلماخ الخاصة بمنظمة الهاجاناه في 11 يوليو/تموز 1948، مدينة اللد القريبة من رام الله، وأخرجت جميع الرجال الذين يتجاوز عمرهم 16 سنة، وأعدمتهم بالرصاص الحي.
حاول بعض أهالي المدينة الاحتماء بالمسجد، فاقتحمته القوات الصهيونية وقتلت من فيه واستمروا في إطلاق النار على كل ما يتحرك حتى وصل عدد القتلى الفلسطينيين إلى قرابة 426 شخصاً.
3- مذبحة كفر قاسم
وقعت مذبحة كفر قاسم في قرية كفر قاسم الواقعة على الخط الأخضر، الذي كان في ذلك الوقت الحدود الفعلية بين إسرائيل والضفة الغربية، في 29 أكتوبر 1956.
نفذت المذبحة شرطة الحدود الإسرائيلية (ماجاف) وقتلت المدنيين العائدين من العمل أثناء حظر التجول الذي لم يكونوا على علم به، والذي فرض في وقت سابق من اليوم عشية حرب سيناء.
كانت نتيجة تلك المجزرة 48 ضحية تم قتلهم، منهم 19 رجلاً و6 نساء و23 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 و17 عاماً.
ومع أنه تم تقديم رجال شرطة الحدود المتورطين في إطلاق النار إلى المحاكمة وأدينوا وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين 7 و17 عاماً، لكنهم حصلوا على عفو رئاسي وتم تخفيف الأحكام الباقية وأُطلق سراحهم خلال شهور.
أما قائد اللواء الذي ارتكب المجزرة فحُكم عليه بدفع غرامة رمزية، وتم تعيين أحد المدانين في ارتكاب المجزرة، المدعو غابرييل دهان، مسؤولاً عن "الشؤون العربية" من قِبل مدينة الرملة.
4- مذبحة "بيت دراس"
في 21 أيار/مايو عام 1948، ارتكبت القوات الصهيونيّة مجزرة بشعة بحقّ أهالي قرية "بيت دراس" الفلسطينيّة، التي قُتل فيها 260 فلسطينياً بينهم نساء وأطفال وشيوخ، قبل أن يتم تدميرها وتهجير أهلها، وإقامة مستعمرة صهيونيّة مكانها.
5- مجزرة "الرملة"
في 1 يونيو/حزيران 1948 خدع ضباط إسرائيليون سكان مدينة الرملة حينما خيّروهم بين النزوح من المدينة أو السجن الجماعي، الأمر الذي مكّنهم من قتل عدد كبير منهم (قُدّر بالمئات)، وإلقاء الجثث على طريق المدينة العام، ولم يبقَ بعد هذه المجزرة إلا 25 عائلة عربية من سكان المدينة على قيد الحياة.
6- مجزرة صبرا وشاتيلا
خلال الحرب الأهلية اللبنانية، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلية تحتل الجنوب اللبناني، ويتعاون معها مجموعة من اللبنانيين، في عام 1982 وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا، التي خلَّفت حوالي 2000 قتيل مدني منهم نساء وأطفال.
تم تنفيذ المذبحة التي استمرت ثلاثة أيام في الفترة من 16 إلى 18 سبتمبر/أيلول على يد رجال ميليشيا الكتائب التي أدخلتها القوات الإسرائيلية إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بعد وقت قصير من طرد المقاتلين الفلسطينيين من العاصمة اللبنانية. حاصرت القوات الإسرائيلية المخيم ومنعت الأهالي من الخروج منه.
ومنعت الصحفيين وسيارات الإسعاف من الدخول لعدة أيام، وكشفت لقطات وصور من المذبحة حجم المذبحة، حيث كانت جثث عائلات بأكملها متناثرة بشكل مروع في شوارع وأزقة المخيمات.
وحينها، خلص تحقيق إسرائيلي داخلي في المذبحة إلى أن أرييل شارون، والذي قاد الاجتياح الإسرائيلي للبنان -وأصبح لاحقاً رئيس الوزراء الإسرائيلي- كان المسؤول المباشر عن تجاهل خطر إراقة الدماء والانتقام عندما وافق على دخول عناصر الكتائب إلى المخيمات.
ونفى شارون ارتكاب أي مخالفات في المذبحة، مدعياً أنه لم يكن على علم بأن ميليشيا مسيحية طائفية متطرفة ستلحق الضرر بسكان المخيمات. لكن الأدلة تزايدت منذ التحقيق الإسرائيلي الأوّلي في المذبحة، وأظهرت أن شارون، الذي كان يسيل لعابه بسبب احتمالات الحرب قبل غزو عام 1982، كان لديه خطة "لتطهير" بيروت الغربية، التي تشمل المخيمات.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز في نصوص الاجتماعات الرسمية الإسرائيلية التي حصلت عليها العام الماضي عن شارون قوله للمبعوث الأمريكي موريس دريبر في اليوم الأول للمذبحة، إن آلاف "الإرهابيين" احتلوا المنطقة.
وسرعان ما انتشر الخبر بأن الكتائبيين كانوا يذبحون سكان المخيم تحت غطاء إسرائيل. وعندما طالب دريبر إسرائيل بسحب قواتها، انتقد شارون بشدة، وأصر على أن الإرهابيين بحاجة إلى "التطهير"، ونصح الدبلوماسي الأمريكي بإنكار أي تورط في الجرائم إذا ما أصبحت علنية.
7- مجزرة قرية "عين الزيتون"
في 4 مايو/أيار 1948 هاجمت المجموعات صهيونية القرية الواقعة قرب صفد، ودمّرت منازلها، وجمعت عدداً من سكانها بلغ نحو 70 مواطناً، وقيّدتهم ثم أعدمتهم.
8- مجزرة "الدوايمة"
في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1948 حدثت مجزرة دموية جرت على عدة دفعات، أسفرت عن مقتل 500 فلسطيني، أبرزها حادثة المسجد الذي يُطلق عليه اسم "الزاوية"، حيث قتل الجنود الإسرائيليون نحو 50 شيخاً كانوا يتواجدون داخل المسجد، ويذكر أيضاً أنه تم قتل أطفال خلال المجزرة عبر تكسير جماجمهم بالعصيّ.
9- مجزرة حيفا
في 22 أبريل/نيسان 1948 هاجمت الجماعات الصهيونية المدينة ليلاً، فاحتلوا البيوت والشوارع والمباني، وقتلوا نحو 150 فلسطينياً، وجرحوا حوالي 400 آخرين.
10- تفجير فندق سميراميس
تم تنفيذ هجوم دموي من قِبل جماعة الهاجاناه على فندق سميراميس المملوك للمسيحيين في حي القطمون بالقدس، زرعت الهاجاناه قنبلة هناك ليلة 5-6 يناير/كانون الثاني 1948.
أدى الانفجار إلى مقتل 24 أو 26 مدنياً، من بينهم طفل واحد على الأقل. كما قُتل في الهجوم نائب القنصل الإسباني مانويل أليندي سالازار.