في الذكرى الـ71 لاندلاع الثورة المصرية على النظام الملكي عام 1952 بقيادة الضباط الأحرار، قد يتساءل الكثيرون حول مصير الأسرة الملكية التي تم عزلها ونفيها خارج البلاد.
كما قد يتفاجأ الكثير من المصريين عند معرفة أن آخر ملوك مصر الملك فؤاد الثاني، نجل الملك فاروق وولي عهده الوحيد، لا يزال يعيش في عزلة وهدوء في سويسرا، حيث تحظى حياته بالكثير من الغموض.
الملك فؤاد الثاني.. آخر ملوك مصر
كان الأمير المصري أحمد فؤاد الثاني هو الطفل الأول والوحيد للملك فاروق ملك مصر وزوجته الثانية الملكة ناريمان، اللذين تزوجا عام 1951. وذلك منذ زواج والده الأول من الملكة فريدة.
وبالرغم من أنه حظي بلقب الملك لأقل من عام واحد، وهو لا يزال بعد طفلاً رضيعاً، لكن الكثيرون يعتبرون أنه آخر ملوك مصر الأحياء ويكنون له الكثير من التقدير.
واليوم، مضى أكثر من نصف قرن منذ أن فقد أحمد فؤاد الثاني عرش مصر، لكن بالنسبة للكثيرين من محبي الملكية المصرية، لا يزال هو ملك مصر الذي زال عرشه بين عشية وضحاها.
إذ حكم والده، فاروق، الملك العاشر المنحدر من سلالة محمد علي، مصر والسودان منذ العام 1936 وحتى العام 1952، عندما قام الجيش بانقلاب تحت قيادة الجنرال محمد نجيب وجمال عبد الناصر.
حيث أُجبر فاروق على التنازل عن العرش ووضع ابنه البالغ من العمر آنذاك 6 أشهر على العرش، لكن خطته في استعادة زمام الأمور لم تتحقق.
إذ لم تنقذ هذه الخطوة النظام الملكي الذي تم إلغاؤه خلال العام. فتم إعلان الجمهورية المصرية لأول مرة في تاريخها في 18 يونيو/حزيران من العام 1953 برئاسة محمد نجيب، وفي العام التالي صعد عبد الناصر إلى السلطة كأول رئيس فعلي للجمهورية، واستمر حكمه حتى وفاته عام 1970.
منح لقب "ملك مصر" لطفل رضيع في المهد
في يوليو/تموز عام 1952، صعد الطفل الرضيع الذي لم يتجاوز عمره بضعة أشهر فقط على متن اليخت الملكي مع والديه وثلاثة من أخواته غير الشقيقات أثناء فرارهم من البلاد بعد اندلاع الثورة.
وبينما كان بين ذراعي مربية أطفاله، أمر الملك فاروق بالطفل أن يسير أمامه معلناً أن الرضيع هو "الملك". وعند الهبوط في مدينة كابري الإيطالية، كان الطفل أحمد فؤاد الثاني، الذي تحمله مربيته، هو أول من نزل من القارب من العائلة الملكية الهاربة بحياتها من مصر.
"حكم" الملك الرضيع من الخارج لمدة عام تقريباً، حيث كان والده يأمل في أن يلتف الناس حول ابنه الصغير ويتمكن من نيل فرصة جديدة لإعادة الثقة في أسرته الحاكمة من جديد.
لكن سرعان ما اتضح أن الضباط الذين قادوا الثورة لم يكن لديهم أي استعداد لإعادة توطين مفهوم الملكية. فأُعلنت مصر جمهورية، وصعد جمال عبد الناصر إلى السلطة.
وعندما أرادت الملكة ناريمان، والدة أحمد فؤاد الثاني، الطلاق والعودة إلى مصر في العام 1953، أصر الملك فاروق آنذاك على تركها لابنهما، إضافة لبناته الثلاث من زواجه الأول.
وقد استقر فاروق في إيطاليا، بينما ترك أطفاله في قرية سويسرية صغيرة مع مساعديه المكونين من مربية إنجليزية ومربية فرنسية وحارس شخصي ألباني لرعايتهم.
فكان أحمد فؤاد الثاني لا يرى والده إلا مرات معدودة في العام.
نشأته في منزل مليء بالخدم والمعاناة من الاكتئاب
التحق أحمد فؤاد الثاني بمدرسة عامة في القرية بادئ الأمر، وكان يدرس مع أطفال عمال مزارع الكروم الكثيرة في الريف السويسري. ثم في وقت لاحق، تم إرسال فؤاد إلى مدرسة داخلية سويسرية نخبوية تُدعى "لو روزاي" (Le Rosey)
بحلول العام 1965، توفي فجأة فاروق، آخر ملوك مصر الفعليين، في العاصمة الإيطالية روما، وكان فؤاد يبلغ من العمر آنذاك 13 عاماً". وبعدها بسنوات حصل المراهق على شهادة البكالوريا الثانوية وتابع دراسته في جامعة جنيف بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم انتقل إلى باريس للعمل والاستقرار.
ثم في فرنسا، بدأ فؤاد نشاطاً تجارياً في مجال العقارات وأبرم بعض "الصفقات الجيدة"، ثم تزوج من فرنسية تحولت للإسلام باسم فضيلة، وأنجبا ثلاثة أطفال نضجوا بعيداً عن الأضواء وتحدثوا القليل من اللغة العربية. وهم: أحمد علي، وفضيلة لطيفة، وفخرالدين.
مع تقدم أحمد فؤاد الثاني في السن، ومروره بزيجة باءت بالفشل والطلاق بعد علاقة دامت لعقدين، بحلول عام 2008، علاوة على عدم قدرته على العمل بشكل مستمر، باغتته حالة من الحزن المزمن ونوبات الاكتئاب والتدهور المادي بسبب وقوعه ضحية لعدد من عمليات الاحتيال والصفقات الخاسرة.
وفي السنوات الأخيرة، عاش فؤاد في شقة صغيرة في مجمع سكني للطبقة المتوسطة خارج جنيف، وأصبح ينتقل في الصيف إلى منزل مستأجر في الريف.
كذلك سافر فؤاد إلى مصر عدة مرات، حيث يملك حرية الانتقال، لكنه يتوخى الحذر في التردد على البلاد، خاصة مع اتساع شريحة "محبي الملكية" الذين يتذكرون أمجاد النظام في مصر قبل إعلان الجمهورية، معتبراً أنه بذلك يتجنب الوقوع في خطأ "إعطاء فكرة عن كونه يتطلع للعب أي دور سياسي" في البلاد، على حد قوله.
حياة منعزلة في سويسرا لـ"الأمير صاحب السمو"
واليوم، يعيش أحمد فؤاد الثاني حياة هادئة ومنعزلة، وتحيط به تذكارات أسلافه في قصر مليء باللوحات الزيتية والتماثيل النصفية والصور الفوتوغرافية القديمة بالأبيض والأسود.
فؤاد، البالغ من العمر هذا العام أكثر من 70 عاماً، بنفس عمر الجمهورية المصرية تقريباً، يعيش في مخبئه السويسري حياة ملك بلا عرش.
لكن بالنسبة للخدم والمساعدين والأصدقاء المقربين، فهو يتعامل معاملة النبلاء، وتدير أعماله رفيقته ومساعدته الأرملة السويسرية نيللي.
وحول نشاطاته اليومية المعتادة، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً صحفياً عن الملك المعزول أوضحت فيه أن فؤاد، كما يحب أن يناديه الناس، يحب التنزه في الريف ومشاهدة التلفاز من حين لآخر للاطلاع على البرامج المصرية.
ويمتلك ملك مصر السابق جواز سفر من دولة موناكو يعرّف فيه على أنه "صاحب السمو الملكي الأمير أحمد فؤاد فاروق"؛ كما يحمل جواز سفر مصرياً يذكر اسمه بالكامل، بدون ألقاب.