عبر التاريخ طبق المحققون في محاكم التفتيش العديد من أساليب التعذيب التي كانت ومازالت سيئة السمعة، تتضمن هذه الوسائل المخلعة وعجلة الكسر والتعذيب بالماء. وكانت هناك طريقة تعذيب أقل شهرة، لكن الإسبان كانوا يفضلون "مهد يهوذا"، والغريب أنهم عدُّوه واحداً من طرق التعذيب الأكثر إنسانية.
كانت الأداة عبارة عن هرم خشبي منحوت في القمة ويقف على ثلاث أرجل خشبية، كان يشبه نوعاً ما مقعداً خشبياً دون مسند، لكنه ليس من النوع الذي لا تود أن تجلس عليه. كانت آلة التعذيب هذه توضع في زاوية غرفة التعذيب، وفوقها يُعلق شخص عارٍ، وتُربط يداه وقدماه بحبال ملتصقة بالتروس.
كان الشخص الذي يريدون تعذيبه ينزل تدريجياً فوق الأداة فيما تضاف بعض الأثقال في بعض الأحيان لزيادة حدة التعذيب، إلى حين تمزيق منطقة الحوض للضحية.
محامٍ صاحب فكرة أداة التعذيب مهد يهوذا
عند الحديث عن أدوات التعذيب لابد من ذكر الشخص الذي تسبب في صناعتها أو من خطرت على باله الفكرة، بالنسبة لأداة مهد يهوذا الإسبانية فهي من فكرة أحد المحامين الإيطاليين يدعى "هيبوليتوس دي مارسيليس"، وهو الشخص نفسه الذي خطرت على باله فكرة التعذيب بالماء، وساهم في تعريف العالم بها.
درس مارسيليس القانون في بولونيا، ثم ترأس القانون الكنسي في فيرارا وبيزا لبعض الوقت، سنة 1480 حصل مارسيليس على الدكتوراه في القانون ثم لقب أستاذ كرسي القانون المدني بعد سنتين، خلال مسيرته المهنية كان لـ"مارسيليس" العديد من الطلاب بالإضافة إلى إلقائه آلاف المحاضرات التي سُجل البعض منها في مطبوعات.
لكن لم يشتهر بمحاضراته أو دروس القانون التي كان يلقيها، بل عرف بأساليب التعذيب التي ابتكرها، إذ اتضح أن معظم القضايا في عصره كانت تنتهي بأحكام تعذيب، فيما كان يصفها بأنها "شر لابد منه"، وأنها ليست من طرق التسلية.
ابتكر مارسيليس إلى جانب التعذيب بالماء، عقاباً يسمى باليقظة، إذ يجبر المحكوم عليه الجلوس في كرسي مشابه لكرسي الحارس، ويجبر على البقاء مستيقضاً لأكثر من 40 ساعة بصورة متواصلة، ثم ابتكر أيضاً مهد يهوذا، لكن لا توجد دلائل أو وثائق تتبث طريقة أو سبب ابتكاره.
كان مارسيليس يؤكد أن هذه الطرق من التعذيب إنسانية، إذ لا يحرق الشخص أو تكسر أطرافه أو عظامه، بل هذا المهد ابتكر فقط لإجبار المتهم على البقاء مستيقظاً ومحروماً من النوم، لكن الجلادين طوروه وأصبح يستخدم لتمزيق الشخص باستخدامه.
كما ساهمت الجراثيم المتراكمة في أعلى قمة الهرم الناتجة عن الدماء الجافة أو البراز في انتشار بعض الأمراض التي تسببت في العديد من الوفيات.
تقنيات تعذيب في محاكم التفتيش الإسبانية
في الوقت الذي كان مارسيلي يفكر في تقنيات التعذيب التي عُدَّت "إنسانية"، كان أعضاء آخرون في الكنيسة بإسبانيا منشغلين باستعمال الكثير من طرق التعذيب التي جمعوها خلال السنوات. والمفترض أن التعذيب كان ينفذ لاقتلاع جذور المهرطقين، "وهم من غيروا العقيدة أو يتبعون عقيدة أخرى"، على أن يكون الهدف النهائي نشر المسيحية الكاثوليكية حول البلاد، وهيمنتها.
كان يستهدف بهذه الطرق من التعذيب أي يهودي أو مسلم لم يغادر أو اعتنق المسيحية عبر اعتقاله في محاكم التفتيش، وحسب موقع "all that's interesting" يعتقد أن معظم الذين اعتنقوا المسيحية كانوا خائفين فقط من التعذيب الذي يؤدي إلى موت محقق.
استمرت محاكم التفتيش الإسبانية في عملية الطرد والمطاردة والقتل والإدانة إلى حدود منتصف القرن الثامن عشر، وكانت من أهم وسائل التعذيب حرق شخص على وتد لإجباره على الاعتراف بخطاياه. وليست هناك حاجة إلى ذكر أن جميع الأشخاص لم ينجوا، حتى الذين اعترفوا.
استعمل محققو محاكم التفتيش الإسبانية بصفة منتظمة أساليب تعذيب قاسية أخرى، تضمنت الحمار الإسباني والمخلعة ومُقسِّم الركبة، وأيضاً مهد يهوذا بالتأكيد، وقد حمل تسمية تتلاءم مع المهرطق الأصلي في نظر الكنيسة.
المتحف وأبشع وسائل التعذيب
حسب "castrum to castle" يمكن رؤية هذه الوسيلة من التعذيب في الوقت الحالي في "متحف التعذيب" بإسبانيا، إلى جانب أدوات أخرى، بالنسبة لمهد يهوذا يوجد نوعان منه في المتحف: الأول يبدو مثل هرم صغير يقف فوق أربع أرجل مثبتة عند كل زاوية من زواياه، والآخر يوضع الهرم فوق قضيب، يشبه السهم تقريباً، ويثبت هذا القضيب فوق أربع أرجل.
قام المتحف بوضع وصف تخيلي لما يسمى بـ"مهد يهوذا"، إذ كانت الحواف تضعضع المنطقة المنفرجة ما بين الساقين للشخص، فتمزق الأوتار والأعصاب والغدد الليمفاوية، ويتدفق على وجوه الهرم مزيج من الدماء والبراز. وكان غالبية المحكوم عليهم يستسلمون في غضون دقائق على الأكثر.
رغم بشاعة طريقة التعذيب بهذا المهد إلا أنه اعتبر من وسائل التعذيب الإنسانية في ذلك الوقت، بالمقارنة مع أنواع أخرى من طرق التعذيب.