تركت الحضارة المصرية القديمة كثيراً من الشواهد على مدى روعتها ومدى كونها استثنائية للغاية، في العمارة والهندسة وعلوم الفلك، والآثار المصرية المذهلة من مسلات وأهرامات، ومقابر ملكية ومومياوات، كانت جميعها محل دراسة لمختلف الجهات الأكاديمية حول العالم، المهتمة بالتاريخ المصري القديم.
وحظيت طريقة بناء الأهرامات، بكثير من الدراسات والنظريات التي حاولت تفسير طريقة رفع تلك الأحجار التي يبلغ وزن بعضها عشرات الأطنان، وترتيبها فوق بعضها لتصبح بهذا الشكل، الذي لا يزال شاخصاً بعد مرور آلاف السنين.
ورغم ظهور كثير من التفسيرات والدراسات المعقولة المبنية على أسس علمية، في ضوء الاكتشافات للمخطوطات والبرديات من الحضارة المصرية القديمة، التي تشرح بعض جوانب بناء الأهرامات المصرية، والآثار المصرية الآخرى.
لكن كل ذلك لم يمنع البعض من طرح نظريات غريبة، عن طريقة بناء الأهرامات، أو عن طبيعة الآثار المصرية المكتشفة بمختلف أنواعها.
1- بناء الأهرامات كان هدفه تخزين الحبوب
فكرة أن بناء الأهرامات كان لتخزين الحبوب، تعود على الأقل إلى مؤرخ القرن السادس "غريغوري أوف تور"، في مجلد " تاريخ الفرنجة"، الذي اعتبر الأهرامات أنها مخازن الحبوب الخاصة بالنبي يوسف، واصفاً إياها بأنها هياكل "مربعة من الحجر والركام".
وكتب: "إنها عريضة في القاعدة وضيقة من الأعلى حتى يتم إلقاء القمح فيها من خلال فتحة صغيرة، ويمكن رؤية صوامع الحبوب هذه في الوقت الحاضر".
لم تحظ فكرة مخزن الحبوب بالاهتمام في العصور الوسطى، على الرغم من أن الرحالة الأوروبيين زاروا مصر ورأوا أن الأهرامات ليست جوفاء، إلا أن البعض لا يزال يصدق بها لغاية اليوم ويرددها، وربما كان أشهرهم المرشح الرئاسي الأمريكي عن الحزب الجمهوري "بن كارسون" عام 1998.
والذي كان متمسكاً بنظرية أن بناء الأهرامات كان هدفه تخزين الحبوب، وأن الأهرامات المصرية ليست مقابر للفراعنة، ولكنها صوامع غلال قديمة بناها النبي يوسف.
2- تناول لحوم المومياوات لشفاء الأمراض
ليست طريقة بناء الأهرامات وحدها التي كان لها حصة من النظريات الغريبة، بل حتى الآثار المصرية الأخرى، وكان بعض الأوروبيين شغوفين جداً بكل ما له علاقة بالحضارة المصرية القديمة، مهما بدا غريباً أو حتى مقرفاً.
حيث اعتاد الأوروبيون تناول المومياوات المصرية؛ لاعتقادهم قدرتها على الشفاء من الأمراض. وتلك الممارسة لم تكن مقتصرة على العصور القديمة أو العصور الوسطى، إنما امتدت لتستمر حتى بداية القرن التاسع عشر.
فقد كانت الجثث المحنطة التي يستوردها الأوروبيون من مصر، مادة دوائية استخدمها الأغنياء والفقراء على حد سواء. وتوافرت هذه المادة في محلات العطارة، إذ كان العطارون يقومون بطحن بقايا المومياوات لصنع عقاقير منها.
وبحلول القرن الثاني عشر باتت بقايا المومياوات توصف لعلاج عدد كبير من الأمراض، وبقيت تستخدم على هذا الحال طوال الـ500 عامٍ التالية.
ووفقاً لما ورد في موقع smithsonianmag، فقد كانت الجمجمة هي العضو الأكثر شيوعاً؛ لاستخدامها دواءً لعلاج آلام الرأس على وجه التحديد.
نجحت فكرة تناول الجثث المحنطة في إقناع أنبل النبلاء بفاعليتها. إذ تناول ملك إنجلترا، تشارلز الثاني، دواءً مصنوعاً من جماجم بشرية بعد إصابته بنوبة صرع، حيث اعتاد الأطباء استخدام الجماجم البشرية في علاج الحالات العصبية حتى عام 1909.
ورأت النخب الملكية والاجتماعية أنّ تناول المومياوات هو دواءٌ يناسب الملوك، حيث زعم الأطباء أن دواء المومياء كان مصنوعاً من مومياوات الفراعنة، وبهذا يأكل الملوك ملوكاً مثلهم.
3- بناء الأهرامات بهذا الشكل يولد طاقة خارقة
فكرة أن شكل الأهرامات يجعلها قادرة على توليد طاقة خارقة تمنع الأشياء من أن تفسد، تعود أصولها إلى الاكتشافات الأولى للمومياوات المحفوظة بشكل جيد. قبل أن يتم اكتشاف طريقة التحنيط في الحضارة المصرية القديمة.
لكن حتى بعد هذا، كانت سبعينيات القرن الماضي تعتبر العصر الذهبي لنظرية "قوة شكل الهرم الخارقة". في ذلك الوقت، لاحظ الكاتب "بيل سيفرت" أنها كانت ظاهرة شعبية مثالية لعصر جيمي كارتر.
وقال ساخراً منها: "الأمر بسيط، ولا يتطلب أي التزام كبير، ويمكن لأي شخص يستطيع شراء قطعة من الورق المقوى للمشاركة".
واعتقد البعض أنه لم تكن هناك حدود لما يمكن أن تحققه الأهرامات: شحذ أدوات المائدة، ونبيذ يدوم للأبد، وإزالة مرارة القهوة، وحفظ الأطعمة، وتنقية مياه الصنبور، وتقوية استقبال التلفزيون، وتقليل الألم، وبالطبع المساعدة في التأمل.
و كتب "سيفرت": "كما كان الحال كثيراً خلال الـ500 عقد الماضية، لا يزال بإمكان الأهرامات أن تجعل كثيراً من المتعلمين حمقى".
4- بناء الأهرامات قامت به المخلوقات الفضائية
على الرغم من وجود الأهرامات في مصر لأكثر من أربعة آلاف عام، وكذلك وجود أهرامات في العديد من الحضارات حول العالم، كان إدخال فكرة بناء الأهرامات على يد الكائنات الفضائية فكرة حديثة إلى حد ما.
يقول البروفيسور تيلديسلي: "أود أن أقول إن الأمر تطور حقاً بعد أن نشر إتش جي ويلز رواية الخيال العلمي (حرب العوالم) في عام 1897، وبدأ هذا سلسلة من كتب الخيال العلمي".
"هناك واحد على وجه الخصوص في عام 1898، وهو غزو إديسون للمريخ، والذي يكشف أن الهرم الأكبر وأبو الهول من بناء مخلوقات المريخ. ومع أنه لم يكن كتاباً جاداً؛ إنما مجرد رواية خيال علمي، لكن فكرة بناء الأهرامات على يد الفضائين انتشرت "
في عام 1968، نشر المؤلف السويسري إريك فون دانكن، كتابه الأكثر مبيعاً، "عربات الآلهة؟ ألغاز الماضي غير المحلولة"، والذي روج للنظرية القائلة بأن مخلوقات فضائية زارت الأرض قديماً، وتم الترحيب بهم كآلهة، وأثرت بشكل كبير على الثقافات والأديان والتقنيات، وبالطبع هندسة حضارة مصر القديمة.
5- سكان أطلانطس سبب علوم الحضارة المصرية القديمة
انتشرت أسطورة أطلانتس منذ حوالي 2500 عام، واستخدمت للإشارة إلى مجتمع يتميّز بامتلاكه مجموعة من الإنجازات المتطوّرة، سواء في مجال الهندسة، أو العمارة والمباني، أو القوّة العسكرية، أو الموارد الطبيعية.
كانت أطلانطس جزيرة وسط المحيط، بعد أن وصلت ذروة قوتها وتقدمها التكنولوجي، تعرضت لكارثة طبيعية تسببت بغرقها وضياع التكنولوجيا المتطورة التي كان يتمتع بها سكانها.
ويعتقد البعض أن حضارات أمريكا الجنوبية من المايا، أو الحضارة المصرية القديمة، ربما تواصلوا مع سكان أطلنطس، أو حتى كانت تلك الآثار بقايا تخصهم، ولكن المصريين القدماء قاموا بترميمها فقط، ونسبها لأنفسهم.
ومثل تلك النظريات كانت وراءها في الغالب، نظرة عنصرية ودونية من الأوروبيين، لكل ما هو مختلف، حيث لم يكونوا يتصورون أن سكان البلاد الأخرى وقبل آلاف السنين، قادرون على بناء مثل تلك الحضارة.
في عام 1882 نشر إغناطيوس لويولا دونيلي، عضو الكونغرس السابق، والذي كان مهووساً بأسطورة أطلانتس، نشر كتاباً بعنوان "أطلانتس: العالم الأسبق".
ومن نظرياته أنه في ذروة حضارتهم، أنشأ سكان أطلانطس مستعمرات حول العالم، وأن أقدمها ربما كانت في مصر، التي كانت حضارتها استنساخاً لحضارة أطلانتس.
وفي عام 1991 أراد جون أنتوني ويست، مؤلف وكاتب مسرحي ودليل سفر أمريكي، أن يثبت أن الناجين من أطلانطس قاموا ببناء أبو الهول.
وقال: "من المستحيل تصديق قدرة المصريين القدماء على إنتاج تمثال أبو الهول، إذا كنت تصدق بعلماء المصريات، فإن المصريين القدماء كانوا مجموعة من المهووسين المتعلقين بالكهنة ويمارسون الجنس مع الجثث، وجنس أدنى مهووس بالحياة الآخرة".
جاء ويست إلى مصر في 1991 على أمل إثبات أن أبو الهول أقدم بكثير من عمره المعروف بين الأوساط العلمية المهتمة بتاريخ الحضارة المصرية وهو 4500 عام.
وأحضر معه جيولوجياً وعالماً جيوفيزيائياً، في فريقه المكون من 10 رجال، وبعد أن خططوا لقضاء أسبوعين إلى جانب أبو الهول، لكن عملهم عن قرب اقتصر على ثلاثة أيام فقط.
وبالنسبة لنظريته اعتبرها كثير من المختصين في الحضارة المصرية القديمة أو الآثار المصرية، مجرد هراء ولا أساس لها من الصحة.