كان أول من وقَّع على وثيقة المطالبة بالاستقلال، في 11 يناير/كانون الثاني 1944، بمنزله في مدينة فاس المغربية، تُشكِّل هذه الوثيقة إحدى المحطات الحاسمة في التاريخ المغربي الحديث من أجل الحرية والانعتاق من ظل الاحتلال الفرنسي.
جاءت هذه الوثيقة ضد وثيقة "الظهير البربري"، الذي أصدره الاحتلال الفرنسي في 16 مايو /أيار 1930، والذي ينص على جعل سير العدالة في بعض المناطق المغربية خارج سيطرة المخزن (الدولة) المباشرة.
كان غرض سلطات الاحتلال الفرنسي من هذه الوثيقة الاستيلاء على أراضي وممتلكات القبائل الأمازيغية تحت راية القانون.
أحمد مكوار بين النفي والسعي للاستقلال
ولد أحمد مكوار سنة 1892 بمدينة فاس المغربية، عاصر خلال طفولته وشبابه "بوحمارة"، وهو عمر بن إدريس الجيلالي، أحد المعارضين للنظام الملكي المغربي، كما ادعى أنه "المولى أحمد"، الابن البكر للسلطان الحسن الأول، والذي استطاع السيطرة على المغرب الشرقي بمساعدة السلطات الفرنسية والإسبانية.
كما عاصر خلال شبابه توقيع معاهدة الحماية، في 30 مارس/آذار 1912، بالإضافة إلى أحداث فاس الدامية، التي جرت بعد هذه المعاهدة مباشرة، انخرط أحمد مكوار في العمل الوطني في سن مبكرة، إذ أسهم في تأسيس مدارس خصوصية في مدينة فاس ما بين 1919 و1920.
حسب لقاء صحفي مع ابنته "نجية مكوار"، تعرف أحمد مكوار على علال الفاسي، زعيم الاستقلاليين في المغرب، سنة 1925، وخلال بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، أسهم أحمد مكوار في إنشاء وتمويل مجلة مغرب، التي كانت تصدرها كتلة العمل الوطني بمساعدة نخبة من اليسار الفرنسي، التي كانت مؤيدة للقضية المغربية.
ما رشحه للانتخاب سنة 1936 عضواً في اللجنة التنفيذية لكتلة العمل الوطني، ليفتح منزله في وجه رواد الحركة الوطنية، لتقوم السلطات الفرنسية فيما بعد باعتقاله، في أكتوبر/تشرين الأول سنة 1937، ثم نفي إلى الراشيدية، وبعدها إلى أسول وبوذنيب، وقضى حينها ثلاث سنوات في السجن، حتى أُفرج عنه سنة 1940.
بعد أربع سنوات من الإفراج عنه قرر أحمد مكوار برفقة أعضاء الحركة الوطنية تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، التي كان أوَّل الموقعين عليها، وذلك في منزله بمدينة فاس، لتقوم السلطات الفرنسية بإلقاء القبض عليه برفقة أعضاء آخرين، في 22 يناير/كانون الثاني 1944، ونقلهم إلى سجن لعلو بالرباط.
حكم على أحمد مكوار بالإعدام من قبل السلطات الفرنسية، لكن بسبب تدخلات سياسية نقل مكوار إلى مدينة مكناس، لوضعه تحت الإقامة الإجبارية.
بعد استقلال المغرب انتخب أحمد مكوار عضواً في أول مجلس للنواب سنة 1963، بالإضافة إلى الغرفة التجارية والمجلس البلدي لمدينة فاس، توفي مكوار يوم 12 فبراير/شباط سنة 1988 بمدينة فاس ودفن فيها.
الحركة الوطنية وإمضاء وثيقة الاستقلال
قام رجال الحركة الوطنية، ومن بينهم أحمد مكوار، بتنسيق مع الملك المغربي محمد الخامس بخوض معركة نضالية حاسمة في تاريخ المغرب، إذ قامت الحركة المكونة من أعضاء في الحزب الوطني السابق، وشخصيات حرة، بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات الحماية الفرنسية. حسبما ذكر "المملكة بريس" المغربي.
تسلّم نسخة من هذه الوثيقة المقيم العام الفرنسي "غابرييل بيو"، فيما أُرسلت نسختان إلى القنصلية العامة الممثلة حينها من بريطانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الجنرال "ديغول"، وهو جنرال وسياسي فرنسي وُلد في مدينة ليل الفرنسية، انضم إلى سلاح المشاة الفرنسي سنة 1912.
كما نال منصب نائب كاتب الدولة سنة 1940، فيما ترأس الحكومة الفرنسية في لندن سنة 1943، كما ترأس اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني، والتي أصبحت في يونيو/حزيران 1944، تسمى بالحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية.
لم تكن هذه الوثيقة الأولى، إذ قامت كتلة العمل الوطني، في 1 ديسمبر/كانون الأول 1934، بتقديم مطالب الشعب المغربي، والتي تطورت فيما بعد لتتماشى مع المشهد العام المتغير، الشيء الذي تسبب في اعتقال ونفي أعضاء الحركة الوطنية نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي.
هذه الحركة أسهمت في تأسيس أحزاب جديدة مثل "حزب الاستقلال"، و"حزب الشورى والاستقلال"، وغيرها من الأحزاب السياسية المغربية.
كان "مؤتمر آنفا"، المنعقد في يناير/كانون الثاني 1943، فرصة للقاء بين الملك محمد الخامس والرئيس الأمريكي آنذاك "روزفلت"، ليتم تقديم وثيقة استقلال الشعب المغربي بعد مرور سنة، في يناير/كانون الثاني 1944.
الأمر الذي قابلته سلطات الحماية الفرنسية بشن حملة واسعة من الاعتقالات، بعد مرور أيام قليلة فقط على تقديم الوثيقة.
مضمون وثيقة الاستقلال المغربية
تمت كتابة وثيقة الاستقلال في منزل أحمد مكوار سنة 1944، من قبل رجال الحركة الوطنية، تتضمن هذه الوثيقة أربعة شروط أساسية وهي كالتالي:
- المطالبة باستقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل الملك محمد الخامس.
- الالتماس من الملك محمد الخامس السعي لدى الدول التي يهمها أمر الاعتراف باستقلال المغرب.
- أن يطلب النظام المغربي توقيع الدول الموافقة على وثيقة الأطلنطي والمشاركة في مؤتمر الصلح.
- إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في الشرق، تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب المغربي وسائر طبقاته، وتُحدد فيه واجبات الجميع.
من بين الأشخاص الموقعين على وثيقة الاستقلال كان "الحسين بن جلون"، والسياسي "الهاشمي الفيلالي"، و"مليكة الفاسي"، المرأة الوحيدة التي وقعت على وثيقة الاستقلال، و62 عضواً في الحركة الوطنية.
خطوة على طريق استقلال المغرب
مرت الحركة الوطنية المغربية بالعديد من المراحل من أجل استقلال المغرب، بعد إمضاء وثيقة الاستقلال، ففي سنة 1953، أي بعد 9 سنوات من إمضاء وثيقة الاستقلال، قام الاحتلال الفرنسي بنفي الملك محمد الخامس وأسرته إلى مدغشقر.
أدى نفي الملك إلى إشعال نار الغضب في نفوس الشعب المغربي، إذ بدأوا بمقاطعة المنتجات الأجنبية، وتطور عمل الحركة إلى استخدام السلاح ومحاولة اغتيال محمد بن عرفة، الذي عينته فرنسا حاكماً للمغرب في فترة نفي الملك المغربي.
حصل المغرب على تأييد الجامعة العربية، ما أجبر فرنسا على التفاوض مع السلطان بمدينة "إيكس ليبان" الفرنسية، انتهت بعودة الملك محمد الخامس واستقلال البلاد بشكل رسمي من الاحتلال الفرنسي، في 3 مارس/آذار 1956، فيما استقل المغرب من الاحتلال الإسباني، في شهر أبريل/نيسان من نفس السنة.
مع ذلك يختلف التاريخ مع اليوم الذي يحتفل به المغاربة باستقلال بلادهم، إذ يعتبر 18 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام عيد استقلال المغرب بشكل رسمي، لأنه يوم عودة الملك محمد الخامس من المنفى بعد ثلاث سنوات.