لا يعرف الكثير من الناس عن سيدة إنجليزية شابة تُدعى فاطمة كيتس، والتي بالرغم من وفاتها في منتصف ثلاثينيات عمرها، كان لها أثر ضخم في بداية الدعوة الإسلامية في بريطانيا.
فكانت كيتس هي أول امرأة بريطانية معروفة تعتنق الإسلام عام 1887 بعد أن حضرت محاضرة دينية، ومنذ تلك اللحظة عملت على توصيل الدين لأكبر عدد ممكن من الناس، وساهمت في بناء أول مسجد في بريطانيا.
حياة كيت في ليفربول قبل الإسلام
وُلدت فرانسيس إليزابيث موراي عام 1865 في أسرة مسيحية صارمة في إحدى قرى مدينة ليفربول؛ لذا لم يكن ليتخيل الكثيرون أن حياتها ستساعد في تأسيس على أول مسجد مسجل في المملكة المتحدة.
بدأت روح فرانسيس الشجاعة بالظهور عندما كانت لا تزال مسيحية. يقول الأستاذ رون جيفز، بحسب موقع BBC البريطاني، الذي بحث في تاريخ الجاليات البريطانية المسلمة، إن فرانسيس ولدت في مدينة كانت من أكثر الموانئ ازدحاماً في الإمبراطورية البريطانية في تلك الفترة.
ولكن تزامن مع هذا التطور والازدهار الاقتصادي، حالة من الفقر المدقع في موانئ بريطانيا. فكان موجات واسعة من تعاطي الكحول والمخدرات وارتفاع الجرائم.
لذلك في المقابل كانت هناك جاذبية معينة للديانة الإبراهيمية التي يحرم فيها الكحول، وكانت فرانسيس واحدة من أولئك الذين انجذبوا إلى مثل هذه الفكرة.
وبحلول سن التاسعة عشرة، كانت سكرتيرة جمعية حظر الكحول في مدينة بيركين هيد، المقابلة لليفربول. وقد قادها هذا النشاط لحظر المشروبات الكحولية إلى اللقاء بعبد الله كويليام، المحامي الإنجليزي الذي اعتنق الإسلام خلال رحلة له إلى المغرب، ثم صار داعية إسلامياً نشطاً داخل بريطانيا وخارجها.
تأثير الشيخ عبد الله كويليام في بحثها عن الإيمان
وبحكم خبرته في القضايا الأسرية والعنف وتأثير الكحول على هذا، شعرت فرانسيس أن هناك الكثير من الأفكار المشتركة والإلهام الذي يمكنها أن تستمده من عبد الله كويليام.
وقد وصفت فرانسيس لاحقاً أنها كانت "في شك فيما يتعلق بالإيمان الحقيقي" عندما سمعت عبد الله يتحدث عام 1887، ودُهشت من تصوير المحامي الداعية للنبي محمد، الذي يتناقض مع الروايات السلبية التي كانت قد سمعتها من قبل عنه.
نتيجة لشعورها بالفضول والتساؤل، طرحت على المحامي الداعية سلسلة من الأسئلة حول الإسلام. ورداً على ذلك أعطاها ترجمة للقرآن قائلاً: "لا تصدقي ما أقوله أو يقوله الآخرون لك، ادرسي الأمر بنفسك".
ومع ذلك، واجهت فرانسيس في منزلها رفضاً شديداً؛ حيث حاولت والدتها أخذ الكتاب منها بالقوة.
وقد قالت فرانسيس فيما بعد عن تلك اللحظة: "هربت إلى غرفة نومي وحبست نفسي، وواصلت قراءة ما أعتبره الآن أغلى كتاب يمكن امتلاكه".
إشهار الإسلام والعمل في الدعوة
بعد فترة وجيزة، أصبحت فرانسيس هي أول امرأة تعتنق الإسلام تحت تأثير عبد الله كويليام وتشهر الأمر، وقد اتخذت اسم فاطمة تيمناً بابنة النبي محمد، وتولت منصب أمينة الصندوق مجموعات المسلمين الجدد مع الشيخ كويليام.
ومع ذلك، نظراً لأن المجموعة كانت محدودة ولا تتجاوز 150 مسلماً بريطانياً جديداً، فقد نظر إليها المجتمع الإنجليزي بريبة، ما عرّض الأعضاء المسلمين فيها للإساءة المنتظمة أثناء تنظيم الاجتماعات والفعاليات في منازلهم.
وقد كتب الشيخ عبد الله كويليام، عبر وسائل إعلام لاحقاً، أن النوافذ كان يتم الاعتداء عليها وتكسيرها مراراً بالحجارة، وفي مناسبات عديدة التقط المتعصّبون روث الخيول وفركوه في وجه فاطمة واعتدوا عليها بالضرب.
وبحسب مجلة British Muslim لمسلمي بريطانيا، انتقلت المجموعة الصغيرة إلى عقار جورجي في منطقة بروجهام تيراس في ليفربول، بنهاية عام 1887، وهناك ساهمت فاطمة وعبد الله بشكل أساسي في إنشاء أول مسجد مسجل في إنجلترا لاستقبال المصلين.
تأثير فاطمة كيتس على من حولها
وتذكر فاطمة الفترة اللاحقة قائلة إن "إيمانها الجديد استمر في إثارة سخرية وسخط والدتها، لكنه دفع زوجها الجديد واثنتين من شقيقاتها إلى اعتناق الإسلام".
ومع ذلك، لم تمتلك فاطمة زواجاً سعيداً، وفي عام 1891، تقدمت بطلب للطلاق بسبب العنف الأسري واعتداء زوجها عليها، وهي خطوة اتخذتها أعداد قليلة جداً من النساء في ذلك الوقت.
ما حدث بعد ذلك هو مصدر الجدل بين المؤرخين؛ إذ يعتقد البعض بحسب موقع Mina News أنها أصبحت الزوجة الثالثة لعبد الله، وفقاً لمبدأ التعدد في التقاليد الإسلامية.
وفي عام 1896، أنجبت فاطمة طفلاً، لكنها بعد أربع سنوات فقط ماتت بالالتهاب الرئوي، معلنة عبد الله وصياً على الصبي على فراش الموت.
توفيت فاطمة عن عمر يناهز 35 عاماً ودُفنت في ليفربول دون شاهد قبر باسمها محفور منذ العصر الفيكتوري.
وبالرغم من أهمية حياتها وسيرتها باعتبارها أول بريطانية تشهر إسلامها في بلدها، وأول امرأة تشارك في تأسيس أول مسجد للمسلمين في بريطانيا، فقد كادت تُنسى بعد وفاتها.
إذ ظل قبرها في مقبرة أنفيلد بليفربول بدون علامات أو اسم، حتى شرع حميد محمود، الذي أسس مدرسة إسلامية سُمّيت باسمها في لندن، في محاولة تحديد موقعها. وقال إنه كان مدفوعاً بالرغبة في إبراز "شجاعة" فاطمة وتأثير المرأة.
وقد دفع النجاح في تحديد مكان قبرها منتصف عام 2022، البريطانية أميرة سكارسبريك، التي تحولت للإسلام من المسيحية بدورها، لجمع تبرعات من أجل بناء شاهد قبر جديد تكريماً لإرث فاطمة كيتس.