في 12 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1972، غادرت طائرة متوسطة الحجم من مطار "كاراسكو" الدولي من "أوروغواي"، متجهة إلى "تشيلي" وعلى متنها 45 شخصاً، كان 5 منهم أفراد الطاقم، و40 راكباً، منهم أعضاء فريق لعبة "الرجبي"، بالإضافة إلى أصدقائهم وبعض أفراد عوائلهم.
لم تكن تلك الطائرة تستطيع الطيران على ارتفاع يزيد عن 6900 متر، لذلك خطط الطيار لمسار جنوب ممر جبلي، حيث يمكن للطائرة عبور جبال الأنديز بأمان.
بعد حوالي ساعة من الإقلاع، وبسبب عطل فني، وسوء الأحوال الجوية، أخطأ الطيار في تقدير موقع الطائرة التي كانت لا تزال في جبال الأنديز، واعتقد أنه اقترب من المطار، فأرسل نداءه للمراقبين الجويين في المطار أنه على وشك الوصول.
غير مدركين للخطأ، طلب منه المراقبون البدء في خفض ارتفاع الطائرة استعدادًا للهبوط. صُدم الطيار وهو يحلق عبر الجبال المحجوبة بالغيوم، حين شاهد قمة جبل أمام الطائرة مباشرة.
حاول الطيار إنقاذ الموقف في اللحظة الأخيرة، والتحليق بشكل مستقيم لأعلى وفوق الجبل، لكن كان قد فات الأوان، واصطدمت الطائرة بالجبل وانقسمت إلى عدة قطع، وانزلقت على سفح الجبل، حتى استقرت على نهر جليدي.
في تلك اللحظات وبعد ارتطام الطائرة، توفي 12 شخصاً مباشرة، بمن فيهم الطيار، وتوفي آخرون خلال ساعات متأثرين بإصاباتهم البالغة.
حاول برج المراقبة في المطار الاتصال بالطائرة لكن دون جدوى، فبدأت السلطات تجهيز حملة للبحث عن الطائرة وسط جبال الأنديز، ولكن كان الأمر شبه مستحيل، وكانت الآمال مفقودة منذ البداية.
على ارتفاع 3600 متر بين أطول سلسلة جبال في العالم، لم يكن من الممكن العثور على طائرة بيضاء وسط تلك المناطق الشاسعة من الثلوج، وأضف إلى ذلك الظروف الجوية القاسية التي تجعل من الصعب التحليق هناك.
وكأن كل ذلك لم يكن كافياً، كان الطيار قبل الحادث قد أعطى معلومات خاطئة عن مكان وجود الطائرة قبل تحطمها.
بالعودة لمكان الكارثة، كان هناك الآن 29 ناجياً، بعضهم يعاني من إصابات خطرة، وسط مساحات ثلجية شاسعة من جبال الأنديز، دون أية مستلزمات طبية، أو مأوى يقيهم من العواصف الثلجية والبرد القارس، الذي كان يتسلل إلى عظامهم، ودون أية وسيلة للاتصال بالعالم الخارجي.
حاول بعض الركاب ممن لديه القوة والقدرة رعاية الركاب المصابين، وتجميع ما توفر من مأكولات خفيفة عثروا عليها في حطام الطائرة، وقاموا بتكديس الحقائب ومقاعد الطائرة في الجزء المفتوح من جسم الطائرة، للحصول على ملجأ يقيهم البرد القارس.
استخدم الناجون قطع الألومنيوم من الحطام لإذابة الثلج وتوفير مياه الشرب، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، لأنهم لم يكن لديهم ما يكفي من المواد والملابس التي يمكنهم الاستغناء عنها وإحراقها، لإذابة الثلج وشربه، لذا كانوا يتقاسمون الماء، وبالكاد كانت حصصهم تكفي.
وجد الناجون مذياعاً صغيراً، وبالكاد التقط إشارة إذاعية، ولكن فرحتهم بسماع أخبار العالم الخارجي لم تدم طويلاً؛ لأنه في يومهم الحادي عشر بعد الكارثة سمعوا خبراً نزل مثل الصاعقة على رؤوسهم.
كانت حملة البحث قد أُلغيت، بعد أن فقد العالم الأمل بالعثور على الطائرة في جبال الأنديز.
نفد الطعام بعدها ولم يعد لديهم ما يأكلونه، وبدأت أجسادهم تذبل بسبب الجوع، عرف بعضهم الإجابة والحل الصعب لذلك الوضع، لكن كان من المروع للغاية حتى أن يناقشه مع الآخرين.
لكن في النهاية، لم يعد لديهم خيار إلا الموت جوعاً أو أكل جثث أصدقائهم وأفراد عوائلهم المدفونين في الثلج، بعد نقاشات استمرت لأيام، اتفق الجميع باستثناء واحد منهم على أن الحل هو أكل الموتى.
قام بعضهم ممن يمتلك الجرأة، بقطع أجزاء صغيرة من جثث الموتى وطهيها، وتناول الناجون ما يسد رمقهم.
يقول أحد الناجين: "بينما أدركت الحاجة إلى تناول الطعام، لكن جسدي لم يطعني، اتخاذ قرار أكل اللحم البشري من جثث أصدقائنا شيء، ثم القيام بذلك كان شيئاً آخر، اليد لا تطيعك، والفم لا يريد أن يفتح، والحلق لا يبتلع، كان الأمر صعباً للغاية، استغرق الأمر عدة أيام لتناول قطعة واحدة، أكلت القليل جداً".
ولكن لم يكن ذلك كافياً لإنقاذ حياتهم، على مدى الأسابيع القليلة التالية، لقي عدد منهم مصرعه بسبب المرض والجوع ونقص الأوكسجين في ذلك الارتفاع.
وحدثت كارثة أخرى، عندما طمر انهيار جليدي جسم الطائرة، وملأ جزءاً منه بالثلوج، ما تسبب في وفاة عدة أشخاص.
في ذلك الوقت كان قد مر على الكارثة ما يقرب من شهرين، ومع بقاء 16 شخصاً فقط على قيد الحياة، قرر 3 منهم الانطلاق في حملة للبحث عن أي أثر للحضارة والعودة مع وسيلة الإنقاذ للمتبقين.
انطلق الـ3، بعد أن مزقوا أقمشة المقاعد وصنعوا منها بطانة لملابسهم حتى لا يتجمدوا من البرد، وأخذوا معهم قطعاً من جثث الموتى، وبدأوا التسلق لقمة جبل مجاور لعلهم يستطيعون رؤية أي علامة على وجود بشر.
بعد مسيرة يومين عاد أحدهم إلى الحطام ولم يستطع إكمال الرحلة، بعد رحلة شاقة، استمرت 10 أيام سمع الرجلان الآخران صوت نهر جارٍ، حاولا تتبع الصوت وهما يشعران بالإنهاك وتراودهما الأفكار بأنهما ربما لن يستطيعا إنقاذ أصدقائهما في الوقت المناسب.
أخيراً وعلى الضفة الأخرى من النهر شاهد الرجلان 3 رعاة، ولكن بسبب عرض النهر والمياه الهادرة، وكان صوت الرجلين بالكاد مسموعاً بسبب التعب، لم يستطع الرعاة سماع الرجلين، وحاول الرجلان التواصل مع الرعاة على الضفة الأخرى بالإشارة.
لكن الرعاة تركوهما وذهبوا، ظن الرجلان أن الرعاة اعتقدوا أنهما مجنونين، أو مشردين بسبب مظهرهما المنهكين، وجسميهما الهزيلين، ولحيتيهما الكثتين، وانهار الرجلان على الأرض.
لكن المفاجأة حدثت حين عاد الرعاة ومعهم ورقة وقلم وقاموا بربطها بحجر ورميها على الضفة الأخرى من النهر للرجلين حتى يتسنى لهما الكتابة.
تواصلت المجموعتان بكتابة ملاحظات على الورق؛ كانت الرسالة الأولى للناجين: "لقد جئت من طائرة سقطت في الجبال". صُدم الرعاة من المكتوب، وطلبوا من الرجلين الانتظار في مكانهما، ورموا لهما بعض الطعام والماء، ثم بعد ذلك ذهب أحد الرعاة وأبلغ السلطات.
تم أخذ الرجلين وأرشدا فرق الإنقاذ إلى مكان الكارثة وتحطم الطائرة، أرسلت السلطات طائرتين مروحيتين إلى مكان الحادث، تم نقل 6 ناجين إلى بر الأمان، ولكن بسبب سوء الأحوال الجوية تأجل إنقاذ الثمانية الآخرين حتى اليوم التالي.
بعد إنقاذهم وسماع قصتهم صُدم الجميع، عند سماع حقيقة أنهم أكلوا لحوم أصدقائهم وأفراد عائلاتهم الموتى، وحدث هيجان إعلامي، لكن بعض المسؤولين في الكنيسة، ساعدوا في تفسير موقف الناجين من الكارثة. وأثر ذلك على الرأي العام.
وكُتبت الروايات والكتب عن الحادثة، وأنتج فيلم عن قصة كارثة طائرة جبال الأنديز، التي أصبحت تعرف باسم "معجزة في الأنديز".