قبل انضمام الولايات المتحدة.. كيف أسهمت الصين في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/27 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/27 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
الحرب الصينية اليابانية - Shutterstock

يعتقد الكثير من المؤرخين أنّ دخول الولايات المتحدة الأمريكية غمار الحرب العالمية الثانية في عام 1941، قد رجح موازين القوى لصالح دول الحلفاء في مواجهة دول المحور، وأسهم بشكل كبير في الانتصار على النازية والفاشية.

ولم تكن الولايات المتحدة لتدخل الحرب لولا حادثة "بيرل هاربر" الشهيرة التي وقعت خلال الحرب الصينية اليابانية، التي انطلقت قبل بداية الحرب العالمية الثانية بسنتين، لتكون بذلك الصين قد أسهمت هي الأخرى، بحسب بعض المؤرخين، بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ، في انتصار الحلفاء، وتحديد النظام العالمي الجديد الذي تلا الحرب.

البداية من الحرب الصينية اليابانية الأولى (1894 – 1895) 

قبل بداية الحرب الصينية اليابانية الثانية في عالم 1937، كانت هنالك حرب أولى بين البلدين الآسيويين جرت في نهاية القرن الـ19، وتحديداً سنتي 1894- 1895، وقد اندلعت بسبب صراع حول الهيمنة على شبه الجزيرة الكورية.

فقد كانت كوريا، ولعشرات السنين، بمثابة أهم زبون تجاري للصين، ولكن وجودها في مكان استراتيجي قبالة الجزر اليابانية، وتوفر باطن أراضيها على موارد طبيعية ضخمة، كالفحم والحديد، حرك أطماع اليابان التي أجبرت جارتها، في عام 1875، على الانفتاح على التجارة الخارجية، بحسب ما جاء في الموسوعة البريطانية Britannica.

الحرب الصينية اليابانية - Shutterstock
الحرب الصينية اليابانية – Shutterstock

فقد ربطت اليابان علاقات وطيدة مع القوى المعارضة داخل الحكومة الكورية، فيما استمرت الصين في دعم ورعاية الموظفين المحافظين المحيطين بالعائلة المالكة، وقد حاولت جماعة من الإصلاحيين الموالين لليابان القيام بانقلاب عسكري والإطاحة بالحكومة الكورية في سنة 1884، ولكن القوات الصينية نجحت في إنقاذ الملك كوجونغ وقتل الكثير من العسكريين اليابانيين المشاركين في الانقلاب الفاشل.

جرى تجنب الحرب بين الصين واليابان في تلك الفترة من خلال التوقيع على اتفاقية "تيانجين"، يوم 18 أبريل/نيسان 1885، حيث اتفق البلدان من خلالها على سحب قوتيهما العسكريتين من كوريا.

ولكن الهدنة لم تدم طويلاً، بحيث واصل اليابانيون تأثيرهم على الشباب الكوري وتحفيزه على دخول عالم العصرنة لذلك الوقت؛ ما أثار حفيظة الصينيين الذين قاموا باغتيال قائد المحاولة الانقلابية الكورية السابقة كيم أوك كيون بمدينة شنغهاي الصينية في سنة 1894.

وقد رأت اليابان في تلك الحادثة استفزازاً مباشراً لها، كما اقتنعت بأنّ الصين قد خرقت اتفاقية "تيانجين" عندما أرسلت الأخيرة قوات عسكرية بطلب من ملك كوريا  للمساعدة في إخماد التمرد الذي وقع بمقاطعة تونهوك، عندها قامت اليابان بإرسال 8 آلاف جندي إلى كوريا، فاندلعت بذلك الحرب الصينية اليابانية الأولى، بشكلٍ رسميٍ، يوم 1 أغسطس/آب 1894.

الحرب الصينية اليابانية - Shutterstock
الحرب الصينية اليابانية – Shutterstock

وعلى الرغم من أنّ الجيش الصيني كان أكثر عدداً بكثير من غريمه، إلّا أنّ اليابان حققت انتصارات سريعة وساحقة في البر والبحر، وذلك بفضل نوعية أسلحتها العصرية، وحسن جاهزية قواتها العسكرية، فنجحت في مارس/آذار 1895 في اجتياح مقاطعتي شاندونغ ومنشوريا؛ ما أدى بالصين لطلب عقد اتفاقية سلام.

وبالفعل؛ أبرم اتفاق سلام بين البلدين، يوم 17 أبريل/نيسان 1895، سُمي بـ"معاهدة شيمونوسيكي"، حيث اعترفت الصين من خلالها باستقلال كوريا وتنازلت لليابان على جزيرة تايوان وجزر بيسكادورس المجاورة لها وعلى شبه جزيرة لياودونج بمنشوريا، كما وافقت الصين على دفع تعويضات معتبرة لليابان وعلى منحها تسهيلات تجارية بالأراضي الصينية.

وقد تم تغيير أحد بنود المعاهدة يوم 23 أبريل/نيسان من السنة نفسها، بعد ضغط على اليابان من روسيا وفرنسا وألمانيا، ليتم إعادة شبه جزيرة لياودونج إلى الصين.

الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937 – 1945)


بعد نهاية الحرب الصينية اليابانية الأولى، بقي كل بلد متوجساً من الآخر، ثم دخلت الصين، بداية من أغسطس/آب 1927، في حرب أهلية بين الحزب الوطني الحاكم، بقيادة تشانغ كاي تشيك والقوات الشيوعية بزعامة ماو تسي تونغ، فاستغلت اليابان تلك الحالة من عدم الاستقرار للبلد الجار، لاجتياح مقاطعة منشوريا الغنية بالموارد الطبيعية بشمال شرق الصين، في سنة 1931، ونصبت حكومة موالية لها. 

وبحسب موقع History الأمريكي، فإنّ تشانغ كاي تشيك لم يكترث كثيراً لغزو اليابان لمنشوريا، وفضل تركيز اهتمامه على محاربة معارضيه الشيوعيين الذين كان يعتبرهم الخطر الأكبر، وذلك قبل أن يقتنع بضرورة التحالف معهم ضد المستعمر، بداية من ديسمبر/كانون الأول 1936؛ ما مهّد لاندلاع الحرب الصينية اليابانية الثانية صيف العام التالي.

الحرب الصينية اليابانية - Shutterstock
الحرب الصينية اليابانية – Shutterstock

بدأت الحرب رسمياً يوم 7 يوليو/تموز 1937 لما جرت مناوشات عسكرية بجسر "ماركو بولو" بضواحي مدينة بيكين، ثم تمكن الجيش الإمبراطوري الياباني من الاستيلاء على مقاطعة "بيكين – تيننستين" في أواخر الشهر نفسه، ثم على مدينة تشنغهاي في نوفمبر/تشرين الثاني، والعاصمة الصينية لذلك الوقت "نانكين" في ديسمبر/كانون الأول من السنة نفسها، ما اضطر تشانغ كاي تشيك لنقل عاصمته وحكومته إلى "هان – كو"،  إحدى مدن مقاطعة "يوهان"، على بعد 700 كلم غرب تشنغهاي.

بينما شنّت اليابان عمليات عسكرية عديدة ونوعية، في سنة 1938، فاحتلت عدة مدن ساحلية بجنوب الصين، كما وصلت إلى وسط البلاد، واستولت على يوهان، لينقل الصينيون حكومتهم مرة أخرى إلى مكان آخر، وبالضبط إلى مدينة شينغكينغ، على بعد حوالي 840 كلم غرب يوهان.

وكانت مقاومة الصينيين للغزو الياباني غير فعالة، على عكس القوات الشيوعية التي شنت حرب عصابات ناجحة، انطلاقاً من قاعدتها بشمال وسط الصين على القوات اليابانية المتمركزة بمنشوريا وفي شمال الصين.

ستالين يساعد الصين رغم محاربتها للشيوعيين، وروزفيلت يمنحها قروض الأسلحة

استمرت المقاومة الصينية المتفاوتة للغزو الياباني إلى ما بعد اندلاع  الحرب العالمية الثانية بأوروبا يوم 1 سبتمبر/أيلول 1939، وقد رأى الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين أن انتصار اليابان في حربها على الصين سيشكل خطراً على بلاده، فاضطر لتقديم السلاح للصينيين على الرغم من معاداته لهم بسبب محاربتهم للشيوعيين.

الحرب الصينية اليابانية - Shutterstock
الحرب الصينية اليابانية – Shutterstock

ومن جهته؛ قام الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت، في سنتي 1940 و 1941، بمنح قروض للصين بهدف شراء السلاح والمعدات العسكرية، كما قررت الولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس/آب 1941، زيادة إعاقة قدرة اليابان على القتال في الصين من خلال وقف تجارتها معها في مجال الطائرات والنفط والحديد، وهو الحظر الذي كان أحد الأسباب التي جعلت اليابان تهاجم "بيرل هاربور".

الهجوم الياباني على  قاعدة "بيرل هاربر" الأمريكية 


نفذت البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر/كانون الأول 1941 غارة جوية مباغتة على الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية في ميناء "بيرل هاربر" بجزر هاواي.

وشارك في الغارة 353 طائرة حربية، انطلقت من 6 حاملات يابانية للطائرات، إضافة إلى عدة غواصات لضرب الأسطول الأمريكي في "بيرل هاربر"، وتدمير الطائرات الحربية الأمريكية الرابضة على الأرض. 

الهجوم الياباني على قاعدة
الهجوم الياباني على قاعدة "بيرل هاربر" الأمريكية قبل الحرب العالمية الثانية – Shutterstock

ونتج عن الهجوم إغراق 4 بوارج حربية أمريكية وتدمير 4 بوارج أخرى وإغراق 3 طراريد و3 مُدّمرات وزارعة ألغام واحدة، بالإضافة إلى تدمير 188 طائرة، كما أسفر الهجوم عن مقتل 2402 أمريكي وجرح 1282 آخرين، في حين كانت الخسائر اليابانية ضئيلة، بمقتل وإصابة 65 جندياً فقط، وتدمير 29 طائرة و4 غواصات.

وكان الحصار الاقتصادي المفروض على اليابان من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، أحد أسباب ذلك الهجوم على بيرل هاربر، ولو أنّ السبب الرئيس المتداول تاريخياً هو إبعاد الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ عن الحرب التي كانت تُخطط اليابان لشنّها في جنوب شرق آسيا ضد بريطانيا وهولندا والولايات المتحدة.

الولايات المتحدة تعلن الانضمام للحرب العالمية الثانية 


الأكيد أن الهجوم على "بيرل هاربر" قد غيّر مجرى التاريخ، بحيث أرغم الولايات المتحدة على التخلي عن سياستها الانعزالية؛ إذ أعلن الرئيس روزفيلت في اليوم التالي للضربة الجوية الدخول الرسمي لبلاده في الحرب العالمية الثانية أمام مجلس الشيوخ.

بدأ ذلك بالتحالف مع بريطانيا في حرب المحيط الهادئ ضد اليابان، ثم مع الصين من خلال استعمال قواعدها العسكرية الجوية لضرب الأهداف العسكرية اليابانية، إضافة لتكثيف مد القوات الصينية بالسلاح المتطور لمواجهة الجيش الإمبراطوري الياباني على البر، بحيث تم استنزاف قوة هذا الجيش الذي كان موجوداً بالبر الصيني بعدد كبير من الجنود يقدر بنحو 600 ألف عسكري.

جنود دول المحور في الحرب العالمية الثانية - Shutterstock
جنود دول المحور في الحرب العالمية الثانية – Shutterstock

وعلى الرغم من التحالف الأمريكي البريطاني الصيني، إلّا أنّ اليابان نجحت في تحقيق انتصارات جديدة، ولم يسقط الجيش الإمبراطوري إلّا بعد انضمام الاتحاد السوفييتي للحلف، واستيلائه على القواعد العسكرية اليابانية بمنشوريا مطلع سنة 1945، وبعد إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما ونغازاكي في شهر أغسطس/آب من العام نفسه. 

لو انهارت الصين سنة 1938 لتغير مجرى التاريخ 

يرى بعض المؤرخين، على غرار البريطاني رنا ميتر في كتابه "حليف منسي: الحرب العالمية الثانية للصين 1937-1945 أنه لو انهارت الصين في عام 1938 أمام الجيش الياباني ولم تبدِ تلك الضراوة في المقاومة في بعض المناطق، ولولا الحصار التجاري الذي فرضته الولايات المتحدة على اليابان بسبب الصين؛ لما حدث هجوم "بيرل هاربر"، ولما كانت هنالك حرب آسيوية، ولما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية التي غيرت موازين القوى ورجحت كفة الحلفاء في مواجهة دول المحور.

جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية - Shutterstock
جنود الحلفاء في الحرب العالمية الثانية – Shutterstock

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رسمياً يوم 2 سبتمبر/أيلول 1945، استعادت الصين أراضيها من اليابان، ثم استأنفت الحرب الأهلية التي انتهت بانتصار الشيوعيين في عام 1949، بقيادة ماو تسي تونغ، وهروب تشانغ كاي تشيك إلى جزيرة تايوان، حيث أسس دولة "الصين الوطنية" الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، فيما تحولت الصين الشعبية الى عدو لأمريكا بعدما كانتا حليفتين في هزم الإمبراطورية اليابانية.

قد يهمك أيضاً: النزاع الذي قضى على حياة 85 مليون إنسان.. لماذا اندلعت الحرب العالمية الثانية؟

تحميل المزيد