أُجبر على اعتناق المسيحية لكنّه أسرَّ اليهودية.. قصّة دي زامورا أحد أشهر علماء إسبانيا الكاثوليك

كانت اليهود يعيشون في أمان في الأندلس الإسلامية وبدأ طردهم مع طرد المسلمين من الأندلس. نعرض لكم قصّة أحد علماء الكنيسة الذي ظلّ محتفظاً بيهوديته في السر

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/10 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/10 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
المعبد اليهودي بعاصمة الأندلس قرطبة، وقد افتتح المعبد عام 1315/ IStock

على عكس الصورة التي تُصدّر دائماً بأنّ أوروبا كانت مهد الحريّات الدينية والسياسية، فقد كانت أوروبا مهداً للعنصرية الدينيّة على التحديد، ليس فقط تجاه المسلمين، وإنّما كذلك تجاه اليهود الذين تمّ اضطهادهم بالقتل والتنكيل الدائم على مدار قرون، وربما تكون أكثر النماذج وضوحاً على ذلك ما حصل لليهود في الأندلس، إلى جانب المسلمين بالطبع.

في هذا التقرير نحكي لكم إحدى أبرز هذه القصص: قصة رجل الدين المسيحي ألفونسو دي زامورا.

محاكم التفتيش في الأندلس لكلّ من هو غير مسيحي

بعدما أُخرِجَ المسلمون من الأندلس بعد سقوط غرناطة عام 1492، بدأت عمليات التطهير الديني والعرقي على السواء. كان اتفاق تسليم مملكة غرناطة لملكي قشتالة وأراغون فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى يقضي بأن يحافظ المَلِكان على الحرية الدينية للمسلمين، لكنّ هذا لم يحدث.

بدأ الملكان في التضييق على المسلمين واليهود على السواء، وما إن ذهب الملكان حتّى جاء من بعدهما من الملوك بتشدُّدٍ أكثر وأكثر تجاه كلّ ما هو غير مسيحي. ومع وصول فيليب الثاني للحكم عام 1555 بدأ عصرٌ أكثر فتكاً وعنصريةً واضطهاداً، فأصدر الملك فيليب الثاني مرسوماً مُنِع فيه المسلمون من لباسهم العربي، ومُنِعُوا من استخدام لغتهم العربية، وأجبروا على التسمِّي بأسماء مسيحية، ودُمِّرَت كل الكتب والوثائق العربية.

كان مصير اليهود في الأندلس موازياً لمصير المسلمين، فطبِّقت عليهم نفس المحاذير، ونفس آليات الاضطهاد. وقد كان لليهود في الأندلس المسلمة مكانة، فمنهم كان العلماء والوزراء، على العكس مما حدث لهم تحت حكم الدول المسيحية المتلاحقة.

إسبانيا
لوحة توثق تعذيب أحد ضحايا محاكم التفتيش في إسبانيا

هذا الاضطهاد والعنصرية أدّى إلى الثورات المتتالية من المسلمين، ويمكنك القراءة عن بعض هذه الثورات من خلال قصة الأمير محمد بن أمية (هنا)، وخليفته مولاي محمد بن عبو (هنا). وللقراءة بالتفصيل أكثر عن محاكم التفتيش (هنا).

قصّة ألفونسو دي زامورا.. من المنفى للعودة مرة أخرى للأندلس

ومن خلال محاكم التفتيش تلك برزت هذه القصّة لليهودي-المسيحيّ ألفونسو دي زامورا، الذي كان أحد أبرز علماء إسبانيا الكاثوليك.

ولد دي زامورا في الأندلس عام 1474 لعائلةٍ يهوديةٍ كبيرة، وأبوه هو "خوان دي زامورا"، ومع بلوغه سنّ الثامنة عشرة هاجرت أسرته هرباً من محاكم التفتيش إلى البرتغال عام 1492 -وهو عام سقوط غرناطة- بعد الهرب بخمس سنواتٍ فقط، عاد من جديد إلى إسبانيا، وليس من المعروف تاريخياً لماذا عاد دي زامورا وأسرته.

وفي غضون سنوات كان ألفونسو دي زامورا متقناً اللاتينية واليونانية والآرامية إضافةً إلى العبرانية، وهكذا أصبح مدرساً وكاتباً في جامعة الكالا دي هيناريس عام 1512. وبسبب اطّلاعه وتعدد اللغات التي يتقنها استخدمت معرفته اللغوية الواسعة لصالح علماء الكتاب المقدس في أغلب أوروبا، فشارك في تحرير أوّل "كتاب مقدّس" متعدد اللغات، كما ترجم كذلك العديد من الكتب العبرانية المتعلّقة بالكتاب المقدس.

وهكذا أصبح دي زامورا لمدة 40 عاماً -حتّى وفاته عام 1545- أحد أهم علماء الكتاب المقدّس، وعمل لدى أهم وأكبر الأساقفة الكاثوليك في إسبانيا، وبالتالي في أوروبا الكاثوليكية.

ليس هذا وفقط، بل إنّ إحدى وظائفه كانت البحث عن "دليل" في التوراة، يؤكد مجيء المسيح، خصوصاً في سِفري إشعياء ودانيال، وهكذا فعل.

كان ألفونسو دي زامورا مشهوراً للغاية، ولكنّ هذا لم يحصّنه من محاكم التفتيش، فقد ظلّت الكنيسة الإسبانية تنظر إلى "المتحوّلين" من المسلمين واليهود على السواء، على أنّهم "دخلاء على الكاثوليكية"، مهما قدّموا من تضحيات أو قرابين ولاء.

ولهذا السبب لم يصبح ألفونسو دي زامورا أبداً رئيساً لقسمه في الجامعة أو الكنيسة. كان دي زامورا مشهوراً للغاية في المجتمع العلمي في إسبانيا، وقد عرف باعتباره مسيحياً، لكنّ أحد الأبحاث اكتشف أنّ ألفونسو دي زامورا ظلّ محتفظاً بيهوديته في أعماقه.

في تعليقاته التوضيحية وهوامشه على كتبه المنسوخة كتب ألفونسو دي زامورا باللغة العبرانية فقط! كما كتب أيضاً مذكراته.

في مذكراته وهوامشه على كتبه، التي كتبها جميعاً بالعبرانية، تحدّث دي زامورا عن طلبه "عون الله ليشفيه من آلامه الجسدية والروحية"، وإطلاق سراحه من "إسبانيا الملعونة". وفي أشعاره دعا ألفونسو دي زامورا على "المجتمع الإسباني من الملك إلى رجال الدين والتجار وحتّى المزارعين والأطفال!". 

في إحدى كتاباته، قال ألفونسو دي زامورا: من الأفضل الحصول على الحرية من خلال المقاومة، عن العيش في عبوديةٍ سلميّة، ولكن في النهاية لا يبدو أنّ ألفونسو اتّخذ هذا الخيار في حياته، فقد ظلّ في "عبودية سلميّة" حتى وفاته في الأندلس.

تحميل المزيد