منح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسام "جوقة الشرف" للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال زيارته لباريس ديسمبر/كانون الأول 2020. وبغضّ النظر عن سياق منحه هذا الوسام الذي تمّ دون وجود أي تغطية إعلامية وصحفية فرنسية، فلم يكن هناك إعلانٌ عن منح التكريم من قبل حكومة فرنسا، ولم يدع قصر الإليزيه أياً من المراسلين الفرنسيين لتغطية الحفل. وقد اعتبرت صحيفة الإندبندنت منح الوسام للسيسي مكافأةً "لكون القاهرة أهم زبون لشراء الأسلحة الفرنسية".
لكنّ هذا الوسام لم يمنح للسيسي فقط خلال 2020، ففي أغسطس/آب منحه الرئيس الفرنسي للمغنية اللبنانية فيروز، كما منحته الحكومة أيضاً للمدرّس الفرنسي الذي قتله شاب شيشاني بسبب عرضه- في المدرسة- صوراً مسيئة للنبي محمد.
فما هو هذا الوسام وما الذي يجعل دولةً ما تمنح هذا الوسام لهذا الشخص أو ذاك؟
اقرأ أيضاً
وسام الاستحقاق الفرنسي.. أنشأه نابليون ليكسب ولاء العسكريين والسياسيين
ألغيت كل ألقاب الفروسية التي كانت موجودة في فرنسا الملكيّة ما قبل الثورة الفرنسية. وعندما أصبح نابليون بونابرت القنصل الأول للجمهورية الفرنسية الوليدة عام 1799، قرّر إنشاء هذا الوسام لتكريم العسكريين والمدنيين على السواء في 19 مايو/أيار 1802. وبالطبع من يستحقّ هذا الوسام الأعلى في فرنسا أكثر من نابليون؟
مُنِحَ الوسام لنابليون، وخلال فترة وجوده قنصلاً أول منح نابليون 15 طوقاً ذهبياً من جوقة الشرف لعائلته وكبار وزرائه.
كان هذا الوسام وسيلة نابليون لاكتساب ولاء القادة والسياسيين الفرنسيين. وعندما أنشأ هذا الوسام قال كلماته التالية: أنتم تُسمُّون هذه حُلِيّاً.. حسنًا، يتم قيادة الرجال باستخدام الحُليّ.. هل تعتقدون أننا سنكون قادرين على جعل الرجال يقاتلون من خلال المنطق؟ أبداً. يحتاج الجندي إلى المجد والتميُّز والمكافآت. وهو يقصد بهذا وسام جوقة الشرف الفرنسي.
تطوّر الأمر مع هذا الوسام وتغيّر شكله وفق التقلُّبات السياسية في فرنسا. وقد مُنح الوسام بعد الحرب العالمية الأولى لـ 55 ألف شخص. والجهة التي تمنح هذا الوسام هي رئاسة الجمهورية الفرنسية، وهو بالطبع أعلى وسام استحقاق في الجمهورية الفرنسية.
اقرأ أيضاً
درجات وسام جوقة الشرف
وسام جوقة الشرف الفرنسي له خمس درجات، هي على الترتيب كالتالي:
- الصليب الأكبر.
- قائد عظيم.
- رتبة قائد.
- رتبة ضابط.
- رتبة فارس.
وقد نالها كثيرون من العالم العربي على اختلاف الدرجات، ليس فقط رؤساء وسياسيين مثل بشار الأسد الذي نالها عام 2001 من الرئيس الفرنسي جاك شيراك برتبة "الصليب الأكبر". وولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف ووالده نايف بن عبدالعزيز، وإنما نالها أيضاً رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، وكما أسلفنا فقد نالته المغنية اللبنانية فيروز في أغسطس 2020.
والوسام عبارة عن تكريم شرفي تقدمه الدولة الفرنسية ولا يترتّب عليه أيّ شيء، ويقال إنّه يُمنح عادةً لكلّ رؤساء الدول الذين يزورون فرنسا بشكل رسمي، كما يُمنح 3 آلاف وسام استحقاق سنوياً، لفرنسيين أو لغير فرنسيين. ولكنّ القانون الفرنسي يسقط هذا الوسام عن الفرنسيين إذا صدر بحقهم أي حكم قضائي.
كما مثّل سحب الرئاسة الفرنسية وسام جوقة الشرف الفرنسي من رئيس النظام السوري بشار الأسد عام 2018 حادثة فريدة من نوعها، وقد سلّم مسؤول في وزارة خارجية النظام السوري الوسام إلى مسؤول في سفارة رومانيا التي تمثل مصالح فرنسا في سوريا.
ما الذي يجعل دولة تكرّم رئيس دولة أخرى بوسام شرف؟
للكثير من الدول أوسمة استحقاق مثل وسام جوقة الشرف الفرنسي، ففي أمريكا مثلاً هناك وسام الحرية الرئاسي، وهي ميدالية تمنح من الرئيس الأمريكي، وهي تُمنح للأمريكيين فقط، بينما نجد مثلاً وسام النسر الذهبي في كازاخستان وهو أعلى وسام في الدولة، وعادةً ما يمنح لرؤساء الدول التي تتمتّع بعلاقات جيدة مع كازاخستان.
وفي روسيا هناك وسام بطل الاتحاد الروسي الذي يمنح للذين قدموا خدمات للشعب الروسي، بينما في اليابان هناك وسام الشمس المشرقة وهو يعطى للرجال اليابانيين سواءً مدنيين أو عسكريين الذين قدموا خدمة للأمة اليابانية، ويوازيه وسام التاج المقدّس للنساء.
إذاً فمنح أي دولة أحد أوسمتها إلى أيّ شخص سواء كان سياسياً أو عالماً أو أديباً هو عملياً تكريم معنوي لهذا الشخص، وتختلف أسباب المنح وشروطه من دولة إلى أخرى، فبعضها يشترط أن تمنح لمواطني الدولة بينما بعضها لا يشترط ذلك ويمكن منح أعلى وسام في الدولة للأجانب.