على مدى تاريخ مصر القديم تولى قيادتها رجالٌ ونساءٌ من الفراعنة، لكن هناك عدد منهم ساهم أكثر من غيره من الفراعنة في بناء الحضارة الفرعونية، وترك إرثاً تاريخياً يفخر به أحفادهم.
الفراعنة التسعة التالي ذكرهم كان لهم تأثير مبهر على مملكتهم، حتى ضمت الإمبراطورية الرومانية مصر إليها عام 30 ق.م.
1- نختنبو الثاني: آخر حاكم لمصر من السكان الأصليين
كُتب على نختنبو الثاني، آخر ملك مصري من الأسرة الثلاثين، أن يكون الفرعون الذي يشهد سقوط بلاده في براثن الحكم الأجنبي. ورغم أنه فقد السيطرة على مصر، فإنه كان فرعوناً ناجحاً في بداية حكمه. إذ أشرف على العديد من مشروعات الإنشاء والترميم، وركز بشكل خاص على المعابد، كما أورد موقع The Collector.
ورغم أن الطابع التقليدي ظل المهيمن على الكثير من الأعمال الفنية والإنشائية، فإنه استمر في توجُّه زيادة الواقعية في الأعمال الفنية الذي كان قد بدأ في الأسرة السادسة والعشرين. ووجد نختنبو نفسه في مواجهة مهمة مستحيلة تقضي بصد الإمبراطورية الفارسية المصممة على السيطرة على مصر، بكل ما كان للإمبراطورية آنذاك من جلال وهيبة.
وبعد أن نجح لسنوات عديدة في الدفاع عن عرشه، انشق أحد قادة الجند المرتزقة (منتور الروديسي)، وانضم إلى الزحف الفارسي عام 345 قبل الميلاد. في الوقت نفسه، وافقت العديد من المدن الإغريقية على إرسال جنود لدعم الحملة الفارسية، عندها ألحق جنود الفرس هزيمة بالقوات المصرية في معركة الفرما، ونصبوا مرزباناً فارسياً يحكم مصر من مدينة منف.
فر نختنبو، جهة الجنوب متجهاً إلى النوبة، ويُفترض أنه ظل هناك مختبئاً طوال حياته. غير أن هناك رواية أكثر رومانسية وردت في رواية Alexander Romance، إذ تصر الرواية أن نختنبو فر إلى البلاط المقدوني، وهناك تمكن من غواية زوجة الملك لتنجب منه الإسكندر الأكبر نفسه.
2- حتشبسوت: الفرعونة القوية
رغم أن حتشبسوت لم تكن أول امرأة تعتلي عرش مصر، فإنها واحدة من أكثر الفرعونات شهرة. وهي الفرعونة الخامسة من الأسرة الثامنة عشرة، واتسمت فترة حكمها بالرخاء، وكانت واحدةً من أطول فترات الحكم التي تتولاها امرأة.
ظل حكم النساء أمراً غير شائع وغير مستساغ في مصر، إلا أن حتشبسوت شكلت سابقة احتذت بها النساء الشريفات في مصر مستقبلاً.
شنت حتشبسوت حملات ناجحة على بلاد النوبة، وقادت بنفسها الجيش في مناسبة واحدة على الأقل، وأرسلت بعثة تجارية ضخمة إلى بلاد بنط.
تتميز حتشبسوت بأنها كانت واحدةً من أبرز البناة في تاريخ مصر. فقد اقتدت بأمنحتب في بناء معبدها الجنائزي، بل وتفوقت عليه، ذلك أن معبدها يمثل نقلة نوعية أخرى ذلك أن حوَّل تصميم المعابد الجنائزية من التركيز على العظمة التذكارية إلى تصميم مناسبة لممارسة العبادة.
3- تحتمس الثالث: نابليون مصر
خلف تحتمس زوجة أبيه حتشبسوت في حكم مصر، وواصل مسيرتها الناجحة. ولكن، في نهاية فترة حكمه عمِد هو أو ولده إلى طمس الكثير من تاريخها. وقد استمرت فترة حكمه ما يقرب من 54 عاماً، من 1479 إلى 1425 قبل الميلاد، تقريباً؛ وحققت تميزاً كبيراً في التوسع العسكري.
كان تحتمس قائد جيش مصر إبان حكم حتشبسوت، وقويت شوكته كقائد عسكري مخضرم، وشن ما لا يقل عن ستة عشر حملة عسكرية طوال اثني عشر عاماً هي فترة قيادته الجيش، استولى خلالها على 350 مدينة، وقد شملت فتوحاته بلاد النوبة وكنعان وسوريا، وفي حكمه اتسعت حدود مصر في أكبر صورة لها.
حافظ تحتمس أيضاً على إرث أسرته من التوسع في مشروعات البناء، وأمر ببناء أكثر من خمسين معبداً وعدداً لا حصر له من القبور لعلية القوم، وكان عهد حتشبسوت قد شهد ظهور بعض التوجهات الفنية، ولم تزدد إلا تسارعاً في عهد تحتمس.
كما كان أول من أدخل الأعمدة بشكل كامل في تصميماته، وأشرف على بناء أول مبنى على الطراز البازيلكي، كما أن القبور التي بُنيت في عهده كانت أول قبور تُطلى بشكل كامل، بعدما كان لا يُطلى منها سوى النقوش البارزة.
بل إن صناعة الزجاج في عهده حققت هي الأخرى تقدماً ملحوظاً وذلك من خلال استخدام أسلوب القالب المصمت، ويستخدم هذا الأسلوب قالباً صلباً به قضيب داعم يسمح بتشكيل الزجاج المنصهر حول؛ وبمجرد أن يصبح الزجاج صلباً تتم إزالة القضيب والقالب المصمت.
4- أخناتون: الذي حاول إحداث تغيير راديكالي في الدين
سُمي أخناتون عند ولادته أمنحتب الرابع؛ ولكنه غير اسمه أثناء فترة حكمه كفرعون ليعكس التغير في الدين المصري. بعد خمس سنوات في السلطة، أعلن أخناتون آتون إلهاً يُعبد، وله نفس مكانة الإله آمون، وغير أمنحتب الرابع اسمه وبدأ بناء عاصمته الجديدة وأطلق عليها اسم أخيتاتون، أي "أُفق آتون".
بحلول العام التاسع لحكمه، رفض كافة الآلهة الأخرى رفضاً كلياً وأقام عقيدة التوحيد لآتون، ومنع وجود أي صور إلا الصورة التي تمثل آتون، ودمر العديد من المعابد والآثار المتصلة بالآلهة الأخرى، وعلى ما يبدو أعدم عبدة آمون.
ثمة أدلة على أن العديد من المواطنين آنذاك فضلوا إزالة صورة آمون وقصرها على ممتلكاتهم الخاصة بدلاً من التعرض لخطر انتقام أخناتون، بل إنه سمى ابنه على اسم الإله؛ توت عنخ آتون. وكانت أبرز زوجاته الملكة الغامضة والمثيرة للاهتمام الملكة نفرتيتي.
5- حورمحب: أعاد الاستقرار إلى مصر بعد تزعزعها قبل أن يموت بعمر الـ19!
لم تلق التغييرات التي أحدثها أخناتون ترحيباً لدى أغلب المواطنين المصريين. وبعد وفاته، غير ابنه اسمه من توت عنخ آتون إلى توت عنخ آمون، ليعكس عبادته للإله آمون وليس آتون، ويصبح اسمه الذي اشتهر به بعد ذلك (الملك توت).
كان عُمر توت عنخ آمون ثماني أو تسع سنوات فقط حين أصبح فرعوناً، ولم تدم فترة حكمه أكثر من عشر سنوات ثم مات، وخلال فترة حكمه بدأ ينقض ما أحدثه والده من سياسات، وغير مكان العاصمة وأعادها إلى طيبة، وأعاد رفات أخناتون إلى وادي الملوك كما جرت عادة دفن الملوك.
أما خليفته الملك آي، فلم تدم فترة حكمه أكثر من حوالي أربع سنوات، وبعد ذلك انتقلت السلطة إلى حورمحب، قائد جيوش مصر والفرعون الأخيرة من الأسرة الثامنة عشرة.
وكان توت عنخ آمون قد بدأ في إلغاء عبادة آتون، أما حورمحب فقد ألغاها تماماً. وبدأ إصلاحات داخلية شاملة؛ شملت إعادة قدر من السلطة إلى كهنة آمون، وإعادة تعيين القضاة وسلطات الحكم الإقليمي، وتقسيم الإشراف بين مصر العليا والسفلى.
كذلك خلق ما أوجده من إعادة تنظيم تتسم بالحرص للحكومة المصرية حالة من تقاسم السلطة منعت أي جهة من الانفراد بها. وكانت التغييرات الجذرية التي أدخلها أخناتون قد تركت مصر في حالة من الفوضى وكسرت هيمنتها على ساحل البحر المتوسط، فجاء حورمحب واستعاد مكانتها.
وبفضل ما قدمه من عمل، استعادت البلاد استقرارها، ووضع أيضاً حجر الأساس لصعود الأسرة التاسعة عشرة من الفراعنة، وهي أسرة اتسمت بالقوة والطموح.
6- الملك بيا: أول ملك نوبي لمصر
بعد أن وصلت مصر ذروة القوة والرخاء في عهد الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، بدأت مصر تسقط ببطء وتدرج في هوة من الانحدار. وبدأ بريق الفراعنة يخبو وتزعزعت أركان الحكم بسبب الخلافات بين ورثة العرش والحروب الأهلية في البلاد.
نتيجة لذلك، أصبحت البلاد مطمعاً للغزاة ولقمة سائغة لهم، وكان خصوم مصر القدماء يتحينون الفرصة للانقضاض عليها. على مدار قرون عديدة، تقلبت مصر باستمرار بين حروب متكررة وفترات تجارة مسالمة مع جيرانها إلى الجنوب والنوبيين والكوشيين.
بدأ ملك كاشتا محاولات استيلاء دبلوماسية على مصر، واصلها ابنه بيا عسكرياً. إذ أعلن بيا حرباً مقدسة على مصر، وأهدى حملته العسكرية إلى الإله آمون، ونجح في الاستيلاء بسهولة على جنوب مصر، وأكمل خلفه الملك شباكا ما بدأه والده بغزو مصر السلفى أيضاً.
لكن في هذه الحالة، لم تكن نهاية الحكم الأجنبية مدمِّرة للبلاد. ذلك أن الملوك النوبيين أظهروا احتراماً كبيراً للثقافة المصرية، بل ودمج أسلوبه بأسلوب المصريين، وبدأوا مشروعات ترميم وإنشاء في منطقة النيل.
كان الحكام الكوشيون أول ما استأنف عمليات بناء أهرامات على نطاق واسع منذ المملكة الوسطى، وإن كانوا فضلوا بناءها بهياكل أكثر حجماً. ويمكن شهود أثر الثقافة النوبية في الأعمال الفنية التي تعود لهذا العصر، لا سيما تصوير الفراعنه وهم يرتدون الزي النوبي التقليدي، بقصَّات أوسع في النقوش المحفورة عليه.
7- زوسر: الباني الأصلي للأهرامات
لا توجد الكثير من التفاصيل المحددة فيما يتعلق بالفرعون زوسر، ولكن أعماله الهندسية المتعددة تحكي قصته. كان زوسر أول ملك من السلالة الثالثة الحاكمة لمصر، والتي بدأ حكمها عام 2600 قبل الميلاد تقريباً، وبقي في السلطة لفترة بلغت عشرين إلى ثلاثين عاماً. وفي سلسلة من الحملات العسكرية الناجحة، تمكن أولاً من تأمين حدود مصر، ولما تحقق له ذلك، بدأ الاستيلاء على الأراضي المجاورة بغزو ليبيا وشبه جزيرة سيناء.
تحكي الأساطير أنه أنقذ مصر من سبع سنين من المجاعة بإعادة بناء معبد خنوم (إله النيل) في جزيرة إلفنتين، وهذه الأسطورة مسجلة على لوحة المجاعة، التي بُنيت بعد مئات السنين إبان حكم البطالمة. وتطور هذه الأسطورة، حتى في أوقات الشدة المضنية، يشهد بمدى شعبية الفرعون زوسر.
وبمجرد أن تمتعت البلاد بالسلام والرخاء، صرف زوسر انتباهه إلى بناء المشروعات، وأمر ببناء الكثير من المقابر والمعابد والآثار، إلا أن تركته الأعظم هي إدخال بناء شيء بات ذكره مرادفاً لمصر القديمة: الهرم.
وبإشراف من إمحوتب، أول مهندس معماري عرفه التاريخ، تطورت خطط زوسر ببناء قبر مستطيل لتصبح في النهاية الهرم المدرج الذي نراه الآن. كان الهرم معجزة هندسية ومعمارية في عصره؛ ذلك أنه استخدام لأول مرة مفهوم هيكل الهرم وكذلك استخدم لأول مرة أحجار الجير الضخمة في البناء. ويعد الهرم المدرج أب جميع الأهرامات المصرية التي تلته.
8- خوفو: على يده نشأت أحد عجائب الدنيا السبعة للعالم القديم
الفرعون الثاني من السلالة الرابعة الحاكمة لمصر؛ وبلغت مدة حكمه ما يقرب من القرن بعد زوسر، وقد حمل ابتكارات سلفه إلى آفاق جديدة. والتاريخ منقسم على نفسه فيما يتعلق بخوفو، إذ يزعم المؤرخ الإغريقي هيرودوت أن حقبة خوفو اتسمت بالتسلط والقمع، بل ويشير إلى أن خوفو جعل ابنته تعمل عاهرة ليتمكن من تحمل تكاليف مشروعات البناء الخاصة به.
أما السجلات المصرية فلا تتفق مع هذه الرواية؛ إذ تصفه بأنه حاكم رؤوف إلى حد كبير، كما أن الشعبية التي يحظى بها هرمه الجنائزي تشير إلى أنه لم يكن طاغية عنيفاً. المعلومة الوحيدة المؤكدة عن خوفو هي أنه أمر ببناء أول هرم في الجيزة، أي الهرم الأكبر. وهو أكبر الأهرامات الثلاثة وأُدرج ضمن عجائب الدنيا السبعة للعالم القديم.
المفارقة هنا هي أن التمثال الوحيد المتبقي لخوفو هو أصغر تمثال يُعثر عليه لملك فرعوني على الإطلاق.
9- مينا: أول فرعون لمصر، وموحد القطرين
تحيط الأساطير والخرافات بفترة حكم الملك مينا، والخط الفاصل بين الحقيقة والخيال غالباً ما يكون بالغ الدقة. إذ يعتبر المصريون مينا فرعون مصر الأول، على الأقل أول فرعون بشري، مُنح الحكم له مباشرة من الإله حورس. وترجع الكثير من المصادر التاريخية الفضل له في إنشاء العاصمة ممفيس وإدخال عبادة الآلهة واختراع الكتابة.
بل إن هناك قصة أكثر بهرجة تشير إلى أن مينا تعرض ذات مرة لهجوم من كلابه أثناء الصيد، غير أنه قفز على تمساح ليفر منها، فحمله التمساح على ظهره وعبر به بحيرة قارون. وامتناناً لهذا التمساح، أسس مينا مدينة الفيوم، التي كانت تعرف باسم (مدينة التمساح). ويُقال إنه استمر في الحكم اثنين وستين عاماً وقتله فرس نهر.
ورغم هذه القصص الجامحة، يعتقد المؤرخون أن مينا كان شخصاً حقيقياً، وأن الأساطير ظهرت بعد ظهوره وشوشت على رؤيتنا له. وانعقد إجماع المؤرخين على أن مينا إما كان اسماً لشخص أو أنه لقب فخري للفرعون نارمار، الذي وحد القطرين (مصر العليا والسفلى)، وأسس السلالة الحاكمة الرسمية الأولى، عام 3000 قبل الميلاد.
ووجود نارمار مثبتٌ في العديد من الاكتشافات الأثرية، وأشهرها لوحة نارمار، التي تصور الغازي نارمار وهو يوحد قطري مصر من خلال الحرب. ورغم ذلك، يبدو أن توحيد القطرين تم حقيقة بطريقة سلمية، بجهود دبلوماسية ومن خلال الزواج بالأميرة نيت حتب، ملكة نقادة في مصر السفلى. والأرجح أن صورة البطل الغازي هي تعبير رمزي أُعِدَّ بعد ذلك. وأياً ما كانت الطريقة التي حقق بها نارمار توحيد القطرين، فإنه قد خلق مملكة مصر ومهد الطريق لظهور الحضارة العظيمة.