عاش الشعب الياباني لحظة لم يعشها منذ أكثر من 200 عام، وهي لحظة تنحي إمبراطور اليابان أكيهيتو وتسليمه العرش لابنه الأمير ناروهيتو.
تنحي إمبراطور اليابان
استطاع الإمبراطور الياباني أكيهوتو الإمبراطور رقم 125 في تاريخ اليابان أن يكسب حب شعبه على مرّ قرابة 27 سنة من اعتلائه العرش، وذلك نتيجة لتحديثه النظام الإمبراطوري واقترابه من عامة الشعب وتمرّده على تقاليد أسرته المالكة.
غير أن الإمبراطور الذي تخطى الثمانين من عمره خرق من جديد القوانين الملكية، وذلك عن طريق تنحّيه وتسليمه العرش لولي عهده.
إمبراطور اليابان أو كما يطلق عليه باليابانية ميكادو وقائد الدولة، وعميد العائلة الإمبراطورية اليابانية، كما أنه أعلى سلطة لديانة الشينتو.
ويعتبر بحسب تعريف الدستور الياباني الحديث على أنه "رمز للدولة ولوحدة الشعب"، ولا يتعدى دوره الدور الرمزي في نظام الملكية الدستورية المتبع في اليابان.
أقدم العائلات الملكية في العالم
تعدّ العائلة الإمبراطورية اليابانية أقدم سلالة ملكية في العالم، ويرقى تاريخها الذي نسجت حوله الأساطير إلى ما يفوق 2600 سنة.
وإكيهيتو هو الإمبراطور 125 منذ جدّه البعيد جيمو الذي يعد سليل إله الشمس أماتيراسو، وفق معتقداتهم.
ويضطلع الأباطرة بدور كبير جداً في عبادة شينتو "صوت الآلهة" اليابانية، عبر مختلف الطقوس السنوية والصلوات من أجل ازدهار البلاد.
أكبر تهديد واجهه التاريخ الطويل للعائلة الإمبراطورية حصل بعد هزيمة اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.
فقد كان الحلفاء ينوون إلغاء المكانة الإمبراطورية لهيروهيتو والد الإمبراطور الذي هاجمت باسمه القوات المسلحة اليابانية جزءاً من آسيا الوسطى واجتاحتها.
لكن الجنرال الأمريكي دوغلاس ماك آرثر الذي قاد قوات الاحتلال الأمريكية بعد الحرب أقنع رؤساءه ببقاء الإمبراطور للحيلولة دون الانهيار التام لمعنويات الشعب الياباني.
إلا أن هيروهيتو جرد من صفة نصف إله التي كان يتمتع بها وحرم من سلطاته السياسية.
وكان الإمبراطور الحالي المتنازل عن العرش إكيهيتو في الـ11 من العمر حينها.
وبموجب الدستور الذي فرضته الولايات المتحدة بعد استسلام اليابان في نهاية الحرب – ويعتبر ميثاقاً أساسياً بدأ تطبيقه في 1947- بات دور الإمبراطور يقتصر على أنه "رمز الدولة ووحدة الشعب الياباني"، وذلك للحيلولة دون عودة النزعة العسكرية.
عادات غريبة في اليابان.. الإمبراطور هو نصف إله
ويعد الإمبراطور في اليابان رئيس الدولة وأعلى سلطة لديانية الشنتو. ولا تزال اليابان الدولة الحديثة الوحيدة التي تشير إلى رئيس عائلتها الملكية باسم إمبراطور.
وفي اليابان يطلق على الإمبراطور لقب "تينو" أو السيادة السماوية، في إشارة إلى فكرة أن الأسرة الإمبراطورية تنحدر من الآلهة، وفقاً لعقيدتهم.
واحتفظت الأسرة الإمبراطورية تاريخياً بحق إله للحكم، لكن في القرون الأخيرة بدأت تلك الهالة حول إمبراطورية تتحدى فكرة أن الحكام هم أنصاف آلهة.
بإمكان النساء أن يصبحن إمبراطورات.. ولكن!
ينظم شؤون العائلة مبدأ خلافة ذكوري صارم، رغم أن ثماني إمبراطورات تولين الحكم في السابق.
وبعد تنازل إكيهيتو سيعتلي العرش ابنه البكر وليّ العهد ناروهيتو، ويليه في تراتبية الخلافة شقيقه الصغير فوفيهيتو المسمى أيضاً الأمير أكيشينو.
ولا يليهما بعد ذلك سوى وريث ذكر وحيد، هو هيساهيتو ابن الأمير أكيشينو الذي يبلغ العاشرة من عمره.
وهذا النقص في الورثة الذكور أدى إلى مناقشة إدخال تعديلات منها السماح للنساء باعتلاء العرش، لكن التقليديين يمقتون هذه الفكرة.
وتمنى البعض ألا تخسر النساء اللواتي يتزوّجن من عامة الشعب -كما يحصل حالياً- ألقابهن وألا يستبعدن من العائلة، بحيث يتمكن أبناؤهن أيضاً من الدخول في ترتيب الوراثة، وينادي آخرون بتوسيع العائلة من خلال ضم أبناء عمومة بعيدين عنها.
مهام الإمبراطور في اليابان
مهام الإمبراطور في اليابان شرفية تقتصر على استقبال الضيوف من رؤساء البلاد الأخرى وكذلك بأداء زيارات إلى خارج اليابان.
ومن خلال تلك الأنشطة وغيرها، يقوم أفراد العائلة الإمبراطورية بدور هام في تعزيز علاقات الصداقة الدولية.
يحرص أفراد العائلة الإمبراطورية على الحفاظ على التواصل مع المواطنين اليابانيين من خلال اشتراكهم بالحضور في المناسبات المختلفة عبر أنحاء البلاد.
وكذلك من خلال القيام بزيارات لمنشآت ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين وغيرها.
ويتمتع أفراد العائلة الإمبراطورية باحترام كبير من قبل الشعب.
لغز الحياة داخل القصر.. ما هي الميزات التي خسرها الإمبراطور المتنحي؟
لعقود طويلة بقيت الحياة داخل قصر العائلة المالكة في اليابان لغزاً من الألغاز، إذ لم يكن اليابانيون يعرفون الكثير عن حياة الإمبراطور وزوجته وأولاده.
لكن في السنوات العشر الأخيرة بدأ هذا الواقع يتغيّر، مع السماح بنشر بعض الوثائق والمعلومات الخاصة بالحياة داخل القصر في طوكيو.
200 مليون دولار سنوياً لمصاريفه الشخصية
وفق موقع "العربي الجديد" يروي يوهي موري، وهو كاتب، وصحفي عمل لسنوات مراسلاً محلياً في قصر الإمبراطور، في كتاب أصدره عام 2003 سلسلة معلومات حول الحياة والمصاريف المخصصة للعائلة المالكة، وكانت كلها غير معروفة قبل ذلك الكتاب.
يحصل الإمبراطور الياباني سنوياً على 200 مليون دولار لمصاريفه. ويصرفها الإمبراطور على أسلوب حياة باذخ.
للإمبراطور 4 أطباء حاضرون لخدمته على مدار الساعة، 5 رجال يساعدونه على اختيار وارتداء ملابسه، إضافة إلى 160 عاملاً منزلياً يخدمون الأسرة و25 طاهياً يحضرون الطعام يومياً.
كما أن هناك 11 شخصاً يرافقونه خلال المراسم الدينية، و24 عازفاً في أوركسترا خاصة موجودة طيلة الوقت في القصر.
أما في الحديقة فهناك 30 شخصاً يعتنون بها، و78 عاملاً واختصاصياً في مجال السمكرة والكهرباء.
ويخضع عمل هؤلاء لقوانين صارمة، فمثلاً العاملة المنزلية التي تنظّف الطاولة، ممنوع عليها تنظيم الأرض على سبيل المثال.
70 ألف دولار قيمة مياه الشرب للقصر شهرياً
أما بالنسبة للمصاريف، فإن القصر يستهلك شهرياً مياهاً بقيمة 70 ألف دولار تقريباً.
كذلك فإن في القصر مستشفى صغير كلفته 2.5 مليون دولار، ويخدم فيه 42 شخصاً، لا علاقة لهم بأطباء الإمبراطور الشخصيين.
ويحرس قصر الإمبراطور فريق أمني كلفته الإجمالية في السنة 65 مليون دولار.
ثمّ تأتي المصاريف المتفرقة، مثلاً كلّفت الغرفة التي صممت لولادة حفيدة الإمبراطور 180 ألف دولار، فيما كلّفت الغرفة الخاصة بحفظ النبيذ بالقصر المبلغ نفسه أي 180 ألف دولار.
ويعيش في قصر الإمبراطور: الإمبراطور وزوجته، وأولاده وأحفاده. لكن أيضاً يعيش داخل القصر أشخصاص آخرون من أقرباء الإمبراطور، بينهم عائلة ابن عمّه، التي تتقاضى أكثر من 400 ألف دولار سنوياً، رغم عدم قيامها بأي مهام.
ورغم هذه المصاريف فإنّ العائلة الحاكمة تملك القليل من الأملاك الخاصة.
إذ بعد الحرب العالمية الثانية تمّت مصادرة معظم ممتلكات الإمبراطور من قبل الأمريكيين، وهي اليوم ملك للدولة اليابانية، وهي التي تمنح العائلة مصاريفها السنوية.