تتعدد الأسباب والعوامل التي تدفع بعض الدول لاحتلال دول أخرى، أهمها السيطرة الاقتصادية والبحث عن الأموال وجني الأرباح، لكن حادثة المروحة التي دفعت فرنسا لإعلان الحرب على الجزائر واحتلالها كانت من أغرب أسباب الاحتلال في التاريخ.
حادثة المروحة.. يوم ضرب الداي حسين القنصلَ الفرنسي بيار دوفال
كانت حادثة المروحة الذريعة والسبب غير المباشر لـ إعلان فرنسا الحرب على الجزائر، ومن ثَم احتلالها في العام 1830 مدة زادت على 130 عاماً.
بدأت القصة في 29 أبريل/نيسان 1827 الذي كان هذا اليوم يوافق أول أيام عيد الفطر عندما زار القنصل الفرنسي بيار دوفال قصر الباشا العثماني الداي حسين الذي تولى حكم الجزائر في سنة 1818.
وكان من التقاليد السياسيّة حينها قيام قناصل الدول الأجنبية بزيارة الباشا في المناسبات المهمة.
وخلال الجلسة دار حديث بين الداي حسين والقنصل الفرنسي حول الديون المستحقة للجزائر لدى فرنسا.
وكانت هذه الديون جزءاً من مساعدة الجزائر لفرنسا أثناء حصار الدول لها بسبب إعلان الثورة الفرنسية.
القنصل الفرنسي ردَّ بطريقة غير لائقة فضربه الداي حسين بالمروحة
القنصل الفرنس ردّ على الداي حسين رداً غير لائق، فأمره الباشا بالخروج لكن القنصل لم يخرج.
فلوَّح له الباشا العثماني بالمروحة التي كانت في يده وقيل إنه ضربه بها على وجهه، فسميّت هذه الحادثة باسم حادثة المروحة.
القنصل الفرنسي أخبر بلاده بالحادثة فاتخذتها ذريعة لاحتلال الجزائر
كتب القنصل لبلاده بما جرى، وضخّم الحدث فاتخذت فرنسا هذا السبب ذريعة لاحتلال الجزائر.
في 12 يونيو/حزيران 1827 بعث شارل العاشر الأسطول الفرنسي للجزائر، بحجة استرجاع مكانة وشرف فرنسا.
وجاء قبطانها إلى الباشا الداي حسين وعرض عليه خيارات للاعتذار للقنصل.
الباشا العثماني لم يقبل كل الخيارات، فحاصر الفرنسيون الجزائر لمدة 6 أشهر، وانتهى الأمر باحتلال الجزائر.
أسباب الاحتلال الحقيقية.. ديون فرنسا للجزائر بلغت 262 مليون يورو
أدت الثورة الفرنسية التي اندلعت سنة 1789 إلى عزل فرنسا عن الساحة الأوروبية وحصارها من بعض الدول.
وذلك بسبب خوف الأنظمة الملكية القائمة آنذاك بأوروبا من امتداد الشعارات المعادية لسلطتَي النبلاء والدين لمختلف الممالك الأوروبية.
وبذلك فقدت فرنسا عدداً من حلفائها العسكريين وشركائها التجاريين لا سيما النمسا، وروسيا، والإمارات الجرمانية الكاثوليكية.
فقدانها للسلع الأساسية اليومية لشعبها مثل القمح جعل فرنسا تحوِّل نظرها إلى شركائها الموجودين خارج قارة أوروبا.
كيف جاءت هذه الديون؟
عندما بدأ نابليون بونابرت حملته العسكرية على مصر سنة 1798 من أجل تموين جيشه الضخم، تعرَّف هناك على تاجرين يهوديين هما كوهين البكري ونفتالي بوجمة المعروف باسم بوصناخ.
هذان اليهوديان اقترحا على نابليون أن يساعدا حكومة فرنسا لاستيراد القمح من ولاية الجزائر العثمانية.
وهو ما تم، وقامت ولاية الجزائر بتموين فرنسا بالقمح طيلة فترة الحروب النابليونية من 1803 حتى 1815، إلى حين عودة الملكية.
وبسبب ما مرت به فرنسا من ظروف طيلة هذه الفترة تراكمت عليها ديون بقيمة 28 مليون فرنك ذهبي فرنسي، أي نحو 262 مليون يورو حالياً، وهو مبلغ خيالي لدولة في القرن التاسع عشر.
الحسين داي كان مُصرّاً على استخلاص الديون الفرنسية
كان الباشا العثماني أكثر ولاة الجزائر إلحاحاً على استخلاص الديون الفرنسية، فقام بإرسال 3 رسائل إلى هنري العاشر ملك فرنساً طالبه فيها بتسوية المستحقات.
ولكن الملك هنري العاشر لم يكن يرد على الحسين داي.
وفي عيد الفطر 1827 استغل الحسين داي وجود القنصل الفرنسي وسأله عن سبب عدم إجابة ملك فرنسا على رسائله.
فجاوبه القنصل بأن ملك فرنسا لا يمكن أن يجيب والياً عثمانياً، وهو ما أغضب الباشا العثماني وصفعه بالمروحة التي كانت بيده.