بلِحاهم الطويلة المنكوشة، وصرخاتهم الوحشية المرعبة، دخلوا أراضي غيرهم وذبحوا سكّانها بعنفٍ لم يعرف له تاريخ أوروبا نظير. هذه هي الصورة النمطية عن شعب الفايكنج، والتي يساهم الإعلام في الترويج لها.
لكن من هم الفايكنج؟ وما هل ما نتداوله من معلومات عنهم دقيق؟ هل كان أقوى قادة الفايكنج يرتدون حقاً خوذاً بقرون؟
في البداية، لا بد أن نعرف أن شأن شعب الفايكنج علا بين القرن الـ 9 والقرن الـ 11 الميلادي. وخلال ذلك الوقت، كان لثقافة الفايكنج تأثير كبير على قطاع واسع من أوروبا، وآسيا، وإفريقيا وحتى أمريكا – قبل أن يعبر الإيطالي كريستوفر كولومبوس المحيط الأطلسي بعدة قرون -.
كان أقوى قادة الفايكنج يتنقلون بحرية في العالم المعروف وقتها؛ وينالون الاحترام أينما حلوا بسبب قوة جيوشهم وصلابتها.
لكن تحيط بشعب الفايكنج عددٌ من الأساطير والأكاذيب، نرصد 8 منها نقلاً عن موقع History Extra.
1- قادة الفايكنج كانوا يرتدون خوذاً تحمل قروناً
لا بد أن تتخلص من هذه الصورة فوراً؛ فلا يوجد أي دليل على ارتداء قادة الفايكنج أو حتى جنودهم لخوذٍ تحمل قروناً، ولم يتم اكتشاف أي شيء من هذا القبيل في أي حفريات أثرية.
كانوا يرتدون خوذاً بكل تأكيد، لكنها كانت أغطية رأس بسيطة، مصممة لحماية الرأس من الصدمات.
بالمنطق، وجود زوج من القرون على خوذتك في المعارك لن يساعدك إذا كان خصومك لديهم سيوف ورماح وفؤوس.
ظهرت الأسطورة التي تفترض ارتداء محاربي الفايكنج لخوذات ذات قرون في القرن الـ 19، وتحديداً من "خاتم النيبلنغين" (وهي سلسلة من أربع أوبراوات للملحن الألماني ريتشارد فاغنر، مستوحاة من الميثولوجيا الإسكندنافية) وتقدم الشخصيات بأسلوب خيالي عصري دون التقيّد بالحقائق التاريخية.
وقام مصمم الملابس كارل إيميل دوبلر (1824-1905) بتصميم خوذات بقرون لشخصيات الفايكنج في سبعينات القرن الـ 19، ومن هنا نشأت هذه الأسطورة. ليستمر الكثير من صناع الأفلام والفنانين وحتى كتّاب القصص المصورة في رسم نفس الصورة حتى اليوم.
2- كانوا مجموعةً "غازيةً" واحدة!
جاء مصطلح "فايكنج" من خليط بين كلمة آيسلندية قديمة "فايكنجر" بمعنى "ساكن الجدول (النهر الصغير)" وكلمة "فايكن" والتي كانت المنطقة التجارية الرئيسية في النرويج.
لذلك، من المرجح أن يكونوا قد اكتسبوا اسمهم من عمليات التجارة الكبيرة التي قاموا بها من موانئهم المزدحمة.
وأصبحت كلمة "فايكنج" بعد ذلك مرادفاً لـ "الحملات البحرية/البعثات البحرية" وتستخدم الكلمة كـ "فعل". فكان يُقال بأن الأشخاص "فايكنج" بمعنى أنهم يتركون ديارهم ويسافرون في زوارق طويلة للتجارة أو الإغارة.
لم يستخدم الكتّاب الذين عاصروا تلك الفترة مصطلح "فايكنج" للإشارة إلى مجموعة من الأشخاص؛ بل كانوا يسمونهم أهل الشمال أو "الوثنيون" – في إشارة إلى ديانة الفايكنج -.
وفي الواقع، الأكثر خطأً هو استخدام كلمة "فايكنج" للإشارة إلى المنطقة الإسكندنافية بالكامل، بما في ذلك الدنمارك والنرويج والسويد. فقد كانت كل منطقة من تلك المناطق يحكمها قادةٌ مختلفون، وكانوا يرون أنفسهم مختلفين عن بعضهم البعض.
وكانت كذلك التضاريس والطبيعة بالغة التفاوت، حيث كان يصعب زراعة مناطق الشمال والمناطق الجبلية بالنرويج، بسبب الطقس غير المناسب، بينما في المناطق الجنوبية، كانت سهول الدنمارك أكثر خصوبة.
كانت هناك مناسبات يجمع فيها القادة الإسكندنافيون قواتهم لتشكيل قوة عسكرية أكبر، ولكن أصبح مصطلح "فايكنج" يصف كل "الأوربيين الشماليين" كما لو كانوا سواء.
3- كان شعب الفايكنج وحشياً بالغ العنف
اكتسبت قوات الفايكنج شهرةً تاريخيةً بسبب غاراتها المتعددة على مواقع الأديرة المسيحية الضعيفة حولها، وهذه أسوأ أماكن تهاجمها إذا كنت تريد سجلاً جيداً في الوثائق التاريخية المسيحية!
حيث كتب العالم اللاهوتي آلكوين من يورك، "لم نر مثيلاً من قبل لهذا الإرهاب في بريطانيا كما نعاني الآن من الوثنيين. لقد سكب الهمجيون دم القديسين حول المذبح، وسحلوا أجساد القديسين في هيكل الرب، مثل الروث في الشوارع".
هناك مؤكدة على الوسائل العنيفة التي استخدمها الفايكنج لقمع الناس، خاصةً في بريطانيا. فقد تم اكتشاف العديد من الهياكل ولا تزال آلات الموت مثبتة في عظامهم.
لكن في المقابل، عاش الكثير من أبناء هذه القبائل الأوروبية حياةً سلميةً، يزرعون ويتاجرون ويندمجون في القارات الأربعة التي استقروا فيها.
كما أن العصور التي علا فيها صيت هذه الشعوب، كانت عصوراً تتسم بالعنف بشكلٍ عام، حيث كانت توجد مجموعات أخرى في هذه الفترة يفوق عنفها ما يقوم به الفايكنج.
أحد أشهر الأسماء في بدايات العصور الوسطى، الإمبراطور الروماني شارلمان، والذي ارتكب مجازر إبادة جماعية في مقاطعة ساكسونيا الألمانية، حيث قتل جيشه أكثر من 4 آلاف و500 شخصاً.
كان هذا هو العنف في أقسى صوره بمعايير ذلك الوقت، لكن لأن كاتب سيرة شارلمان مسيحي، فكان يراه "أب الكنسية" ويؤمن بأساليبه في قتل الوثنيين، لذا كان مكان شارلمان في التاريخ آمناً – بحسب History Extra -.
4- كانوا يسرقون ويرحلون بعيداً
تشير الاكتشافات الإسكندنافية إلى أن العديد من مقاتلي الفايكنج سلبوا الأماكن التي كانوا يصلون إليها، وعادوا بالعملات من جميع أنحاء العالم المعروف وقتها لتدفن في كنوز في أوطانهم.
إلا أن هناك العديد منهم اختاروا البقاء في الأراضي التي رحلوا إليها، وأقاموا مستوطنات دائمة وهامة.
وكانت عاصمة جمهورية آيرلندا دبلن واحدة من أوائل وأكبر مستوطنات الفايكنج، تأسست عام 841 بعد الميلاد. وتحولت دبلن إلى مدينة صناعية قوية بميناء مزدهر ووحدة لصك العملة حيث تم صك أول العملات الآيرلندية.
ولم تكن دبلن المدينة الوحيدة التي تطورت وازدهرت تحت حكم الفايكنج، إذ انتقل سكّان شمال أوروبا إلى مدينة يورك الأنجلو-ساكسونية لتقترب من مصب النهر ويستقر فيها الفايكنج مؤسسين لمدينة جديدة ونابضة بالحياة، باسم يورفيك.
كما تدين آيسلندا بإعمارها بالكامل تقريباً إلى الفايكنج، تحت حكم إنجولفر أرنانسون في العام 874.
وتعتبر نورماندي مثالاً آخر لكيفية تحول مستعمرة الفايكنج من العنف إلى الإعمار والسلام. ويشتق اسم نورماندي من كلمة "رجال الشمال"، حيث زوّج ملك فرنسا شارل الثالث (ويعرف أيضاً بشارل البسيط) ابنته إلى الزعيم النرويجي رولو، وأهداه هذه المساحة من الأرض في شمال فرنسا. وسرعان ما استقر فيها الفايكنج وتعلموا اللغة والثقافة الفرنسية وأنجبوا جيل جديد من المستوطنين.
5- ديانة الفايكنج: كانوا وثنيين لا يؤمنون بإله
يُقال بأن التاريخ يكتبه المُنتصر، لكن في حالة الفايكنج، فالتاريخ يكتبه المسيحيون!
هذا يعني أنه في مقابل القليل من الروايات التي تتحدث عن ديانات الفايكنج، هناك الكثير من الوثائق التي كتبها المسيحيون تصفهم بأنهم وثنيون وملحدون. لكن هذه المزاعم لا تدعمها المعلومات التي يمكننا استخلاصها من الاكتشافات الأثرية والنصوص الإسكندنافية – بحسب History Extra -.
كانت هناك ديانة للفايكنج تتبع هيكلةً وتسلسلاً هرمياً، وتعتمد على عدد من الروايات. لكن لم يكن لهم دينٌ كتابيّ، وكانوا يتناقلون الميثولوجيا شفهياً.
لم يمارس الفايكنج تقاليدهم دينية في المعابد، بل مثل السلتيين القدماء، في أماكن مقدسة بالبساتين وضفاف الأنهار.
وكان المكتب الكهنوتي واحد من أشرف المنازل التي تُكرم بها الملوك، ويمكن للكاهن تقديم القرابين، سواءً كانت أشياءً أو حيوانات أو بشر.
وتفرّق علوم الفايكنج الروحية بين الحياة على الأرض – ميدجارد – وغيرها من العوالم الروحية. كانوا يعتقدون أن الآلهة تسكن أسجارد، بينما تمتد جذور شجرة يسجادريل المقدسة إلى أراضي الآلهة والعمالقة والموتى.
هناك 6 عوالم روحية على الأقل، منها مكان خاص للمحاربين – فالهالا -، كما تعرف إذا كنت من متابعي مسلسل فايكنج.
6- كانوا شعباً همجياً جاهلاً، لا يقرأ ولا يكتب!
لم يكن الفايكنج همجيين جهلة وأميين؛ فعلى الرغم من أنهم لم يكتبوا نصوص طويلة مثل "ملحمة ساكا" حتى أواخر عصرهم الذهبي، فإنهم طوروا نصاً معقداً – الرونية – بمجموعة من الرموز. كل حرف في الأبجدية الرونية مرتبط أيضاً بكلمة.
كما تحمل الأبجدية الرونية معاني روحية، وتسجل النصوص كيفية اتصال الرونية بآلهة معينة. وتتضمن الأحجار الرونية إهداءات مطولة وأسماء شخصية، بينما النقوش الأصغر تعبّر عن أشياء أصغر مثل الأمشاط والأسلحة.
كان الفايكنج أبعد ما يكونوا عن الهمجية والأمية، بل كانوا من أعظم المهندسين والمسافرين البحريين الذين شهدهم العالم في ذلك الحين.
وتشهد منحوتات ما قبل التاريخ والسفن الحجرية على أهمية القوارب في المجتمع والديانة الإسكندنافية قبل التاريخ.
وبحلول القرن الـ 9، طوروا سفنا متقدمة يمكنها اجتياز شمال المحيط الأطلسي. وسافروا أبعد من أي فصيل آخر قبل العصور الحديثة، وكانت كل رحلة من رحلاتهم تنطوي على مخاطر كبيرة.
7- كان الفايكنج يسيئون معاملة نسائهم
كما شاهدت في مسلسل فايكنج، أو في أحد أفلام فايكنج القديمة، كان مجتمعهم محكوماً بشكل رئيسي عبر مجموعة من النبلاء (يسمى الواحد منهم "إيرل")، وقد يصبح الأكثر بروزاً من بينهم ملوكاً.
وكان مجتمعاً عسكرياً بشكل كبير، تحل فيه القوة محل التقدير، لكن كان بإمكان الرجال والنساء الحكماء والمتعلمين تولي السلطة أيضاً.
وكان للنساء دور هام في مجتمع شمال أوروبا؛ كنّ حارسات مفاتيح الأملاك والثروة، سيما ورجالهم في حملاتهم الخارجية. وهذا دليل على أن بعضهن كنّ مدربات على القيادة العسكرية أيضاً، مع تواجد وصف للمحاربات الإناث في الميثولوجيا والملاحم والأساطير.
وكان النساء يحظين بتقدير كبير، حيث دفنت اثنتان في سفينة أوزبرج الشهيرة.
وكانت فريغا، إلهة الزواج والجمال والذهب والموت، من أكثر الشخصيات تبجيلاً. وتظهر بصورة تركب فيها عربة تجرها قطتين بصحبة الخنزير هيلديسفيني.
وبدا للنساء أدواراً روحانية في مجتمع الفايكنج، بالصوالج المكتشفة في مقابر العديد من النساء.
8- كان رجال شمال أوروبا طويلي اللحى
كانوا أبعد ما يكونوا عن ذلك – بحسب History Extra -، فقد كان رجال ونساء شمال أوروبا شديدي الاهتمام بأنفسهم. حيث تم اكتشاف العديد من الأمشاط والشفرات والملاقط، وبدا أنهم يبذلون مجهوداً كبيراً في العناية بمظهرهم.
لم يعيشوا في أكواخ مظلمة وقذرة، بل في ردهات فسيحة وفاخرة، مثل قاعة "هيوروت" في الملحمة الشعرية بيوولف، والتي تصوّر الاحتفالات الفخمة، والهدايا الذهبية، ومهارات استخدام الأسلحة.
كما كان يتمتع شعب الفاكينج بنظام غذائي جيد، يتألف من الكثير من الأسماك – وذلك نظراً لقربهم من الساحل -.
وتظهر دلائل مراحيض الفايكنج تناولهم الأيائل والدببة والبفن وسمك السلمون المرقط.