تخدم مطاعم ماكدونالدز 69 مليون عميلٍ يومياً، وهو رقم يتخطى عدد سكان بريطانيا أو فرنسا. تمتلك الشركة ما يُمكن وصفه بالعلامة التجارية الأعلى قيمةً في مجال الوجبات السريعة عالمياً، التي تُعتبر خياراً رخيصاً لتناول الطعام بالنسبة للعائلات. لذا فإن تحسين صورة ماكدونالدز ليست بالأمر السهل.
إذاً، هل يرى الزبائن أن شركة ماكدونالدز تضطلع بمسؤولياتها الاجتماعية والبيئية؟ إذا لم يروا ذلك، فلا بد أن أفضل جهود بوب لانغيرت لم تَكُن مثمرة.
هذا الرجل قاد مهمة الدفاع عن ماكدونالدز
في عام 1988، تولَّى لانغريت مهمةً مؤقتةً لاحتواء الضجة التي أُثيرت حول "العُلَب الصدفية" المصنوعة من البلاستيك الشفاف، التي تُقدَّم ساندويتشات الهامبرغر داخلها، والتي اتُّهِمَت بأنها تُسهم في تأجيج أزمة النفايات الأمريكية.
وتحوَّلت تلك المهمة إلى مهنةٍ على مدار 25 عاماً، (إذ ترك الشركة منذ ذلك الحين)، يتعامل خلالها مع التأثيرات السلبية الخارجية لسلسلة المطاعم.
كانت مهمةً هرقلية. وبخلاف النفايات كان مُضطراً للتعامل مع قضايا رعاية الحيوان والتدهور البيئي والسمنة وحقوق العمال.
وحين بدأ وظيفته كانت تميمة الشركة الشهيرة تُوصف بـ "رونالد ماكتوكسيك" (رونالد ماك السام) نتيجة أزمة العُلَب الصدفية.
لكنه حقق نجاحاً ظنَّه البعض مستحيلاً. ويُعتبر كتابه: "The Battle to Do Good Inside McDonald's Sustainability Journey" من أهم الكتب التي يجبؤ قراءتها، حتى بالنسبة للساخرين من فكرة المسؤولية الاجتماعية للشركات.
لكنها تورطت في "أسوأ كارثة علاقاتٍ عامةٍ للشركات"
وفي بعض الأوقات، كانت سلسلة مطاعم الوجبات السريعة تَضُرُّ نفسها.
إذ قاضت ناشطَيْن من منظمة السلام الأخضر في التسعينات على تصميمهما منشوراتٍ مناهضةً لممارسات الشركة، وفق ما نشرت مجلة The Economist.
وتسبَّبت "قضية التشهير بماكدونالدز" في تسليط الضوء على المزاعم عالمياً، ووُصِفَت بأنها "أسوأ كارثة علاقاتٍ عامةٍ للشركات على مستوى العالم".
وحاول لانغيرت تقليص الأضرار. واستشارت الشركة فرقاً من الخبراء المستقلِّين وتعاملت مع مجموعاتٍ لإدارة الحملات.
واستهدفت الشركة أحياناً أن تسبق النشطاء بخطوة، إذ كانت تتحرَّك من تلقاء نفسها حتى في غياب الاهتمام العام.
كل ما تفعله يراقبه أنصار البيئة والناشطون
وفعلت ذلك مثلاً حين اقتطعت إنشاً واحداً (2.54 سم) من مناديلها، لتُوفِّر ثلاثة ملايين رطلٍ من الورق (1,360,770 كجم) سنوياً، لكن الكثير من المستهلكين لم يلحظوا ذلك.
وهاجم أنصار حماية البيئة الشركة، بسبب تأثيرها على غابة الأمازون المطيرة، قائلين إن الأشجار تُقطَع لإفساح المجال أمام مراعي الماشية، أو التوسُّع في زراعة فول الصويا اللازم لتغذية الماشية.
وفي عام 1989، أعلنت الشركة أنها "لم ولن تشتري لحوم الأبقار من الغابات المطيرة التي قُطِّعَت أشجارها مؤخراً، فضلاً عن أنها عَمِلَت مؤخراً على الحد من التوسُّع في زراعة فول الصويا بالمنطقة.
ولكن ظهور موجة الطعام النباتي وسط الشكوك حول الآثار الصحية لتناول اللحم زادت من مخاوف الشركة.
وليس من السهل على شركةٍ أن تُحدِث تغييراً بين ليلةٍ وضحاها.
حاولت تغيير سياسات الموردين
وتُدار غالبية مطاعم ماكدونالدز بواسطة أصحاب الامتيازات، وتشتري سلعها من مجموعةٍ واسعةٍ من المُورِّدين.
لذا تُوجد على الأقل ثلاث أو أربع طبقاتٍ تفصل بين المقر الرئيسي لماكدونالدز ومُزارع الماشية الذي يُورِّد اللحم البقري للشركة.
وفي أعقاب شكاوى مجموعات الحملات بشأن الأوضاع المعيشية للدجاج أواخر التسعينيات، زار لانغيرت مصنع بيضٍ ووجد أن الأوضاع كانت سيئةً للغاية.
وفي أغسطس/آب من عام 2000، قالت الشركة إنها ستشتري البيض من المُورِّدين الذين يُوفِّرون للدجاج مساحة 72 بوصة مربعة (464 سم مربع)، مقارنةً بالمتوسط الصناعي الذي يبلغ 48 بوصة مربعة (309 سم مربع).
وقاوم المُورِّدون هذا الإجراء بشدةٍ، لدرجة أن الشركة اضطرت لإيجاد مصادر جديدةٍ للحصول على البيض.
لكن المُورِّدين الذين امتثلوا للإجراء وجدوا أن معدلات وفيات الدجاج انخفضت ومعدلات فقس البيض ارتفعت، مما عوَّض التكاليف الإضافية.
وعدلت الأجور وغيرت الزيوت إرضاء للجميع
ووجد لانغيرت أن التوصُّل إلى توافقٍ داخل الشركة حول أي قضيةٍ قبل محاولة إقناع المُورِّدين بالامتثال يستغرق وقتاً طويلاً.
ولكنه كان يمتلك يداً طائلةً حين يصل إلى مرحلة الإقناع، بفضل كون ماكدونالدز أكبر مُشترٍ للحوم البقر والخنزير داخل أمريكا، وثاني أكبر مشترٍ للدجاج.
لدرجة أنه أقنع مُورِّداً ذات مرةٍ أن يُقلع تدريجياً عن استخدام صناديق الحمل لإناث الخنزير لأنها تعوق حركة الحيوانات تماماً.
وسبَّبت الأوضاع الإنسانية أيضاً مشكلاتٍ للشركة؛ إذ تلقَّى لانغيرت اتصالاً في أحد الأيام من أسقفٍ كاثوليكيٍّ قلقٍ حول تدنِّي أُجور جامعي الطماطم.
فضلاً عن استخدام "الدهن التقابلي" في طهي البطاطس المقلية داخل المطاعم، وهي الدهون التي تزيد مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية.
واستغرقت سلسلة المطاعم 6 سنواتٍ لوقف هذه الممارسة تدريجياً. وأضافت الشركة المزيد من السلطات والخيارات الصحية إلى قائمتها.
فهل نجح لانغيرت في مهمته طوال ربع قرن؟
هل آتت تلك الجهود أُكلها؟ من الواضح أن الأشخاص المهتمين بتلك القضايا لن يتناولوا الهامبرغر من مطعم وجباتٍ سريعة.
لكن لانغيرت بذل قصارى جهده لتقليل النفايات البيئية والقسوة على الحيوانات. وهذا سجلٌّ مهنيٌّ يليق برجلٍ مُحترم.