افتُتِحَت مقبرة الملك توت عنخ آمون في وادي الملوك للجمهور من جديد بعد مشروع ترميم دامَ عقداً من الزمان.
كشف معهد Getty Conservation Institute، الذي نفذ مشروع ترميم المقبرة، الخميس 24 يناير/كانون الثاني 2019، عن أعماله في واحد من أفضل المواقع الأثرية المعروفة بالعالمالعالم للمرة الأولى.
مشروع ترميم مقبرة الملك توت عنخ آمون
نظف الباحثون الرسومات على الجدار الضخم في المقبرة بعناية، لكنهم قرَّروا ترك سلسلة من "البقع الداكنة" الغامضة الغريبة التي كانت موجودة عام 1922، عندما افتتح عالم الآثار هوارد كارتر المقبرة للمرة الأولى.
كان من المعتقد أن تلك البقع بُنية اللون تنمو، وهي عبارة عن نمو كائنات مجهرية على الجدران المغطاة بالرسومات في حجرة الدفن، مع أن الباحثون حلَّلوا الصور التاريخية التي تعود إلى منتصف العشرينيات، ووجدوا أنها لم تشر إلى أي نمو جديد للبقع.
ولإثبات ذاك الاستنتاج، أُجرِيَ تحليلٌ كيميائي وتحليلٌ للحمض النووي، أكَّدا أن البقع عبارة عن كائنات حية مجهرية في الأصل لكنها ميتة؛ ومن ثم لم تعد تشكل تهديداً.
لكن نظراً إلى أن البقع نفذت في طبقة الطلاء وتغلغلت، لم تجر إزالتها، لأن هذا من شأنه الإضرار بالرسومات الجدارية، وفق صحيفة Daily Mail البريطانية.
وقد نُفِّذَ المشروع الأخير رغم مخاوف من تعرُّض المقبرة للضرر من عدد الزيارات الهائلة للسياح.
كنوز مقبرة الملك توت عنخ آمون
عندما اكتُشِفَت المقبرة عام 1922 على يد عالم الآثار هوارد كارتر، تحت رعاية اللورد كارنارفون، حصدت ضجة إعلامية غير مسبوقة.
استغرق كارتر وفريقه 10 سنوات لإخلاء المقبرة من كنوزها، بسبب العدد الكبير للقطع التي وُجِدَت داخلها.
صنف فريق كارتر القطع وأمَّنوا لها وضعاً مستقراً، وفي الوقت نفسه نُقِلَت إلى مكانٍ مغلق وآمن، في حين صارت المقبرة نفسها وِجهة أثرية جذابة مفتوحة للجماهير ويتردد عليها السياح بدرجة كبيرة من جميع أصقاع العالم.
في حين لا تزال المقبرة تضم مجموعة من القطع الأصلية، من ضمنها مومياء توت عنخ آمون نفسه (معروضة في صندوق خالٍ من الأكسجين)، والتابوت المصنوع من الكوارتزيت مع غطاء من الغرانيت ملقى على الأرض بجانبه، والتابوت الخارجي الخشبي المزين بالذهب، ورسومات الجدار لحجرة الدفن التي تصور حياة توت ومماته.
كيف جرى ترميم مقبرة الملك توت عنخ آمون؟
الرسومات الهائلة على جدران المقبرة كانت واحدة من أكبر المخاوف القائمة.
فالرطوبة وثاني أكسيد الكربون الناتجان عن الزوار يعزِّزان من نمو الكائنات المجهرية، التي من شأنها أن تضني الرسومات على الجدار مع تغير كمية بخار الماء في الهواء.
وثمة مشكلة أخرى تمثلت في الضرر المادي الذي لحق بالرسومات الجدارية.
وتجلَّى ذلك في الخدوش والكشوط بالمناطق القريبة من أماكن وجود الزوار، فضلاً عن الضرر غير المقصود الذي من المحتمل أن طاقم التصوير قد تسبب فيه، بسبب المعدات المستخدمة في المساحة الضيقة للحجرة.
إضافة إلى أن الغبار الذي حملته أحذية وملابس كثير من الزوار قد استقر في كل مكان، وهو ما خلق طبقة رمادية على أسطح الجدران غير المسطحة. وحَجَبَ ذلك بريق الرسومات، وزاد من حاجة الغرفة للتنظيف، فضلاً عن المخاطر المترتبة على ذلك والمنطوية على فقدان مزيد من الطلاء.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مستويات الرطوبة العالية، وثاني أكسيد الكربون المفرط، والزحام، ونقص الإضاءة والتهوية، وقلة اللوحات الإرشادية وغيرها من العوامل الأخرى المجتمعة معاً، تخلق تجربة سيئة لزوار المقبرة.
وقد وجد فريق المشروع رسومات الجدار في حالةٍ مستقرة نسبياً، بصرف النظر عن بعض الأجزاء التي تساقطت، وضياع ملامح الرسومات التي سببها عدم تناسق المواد المستخدمة وطريقة استخدامها، فضلاً عن الضرر الذي تسبَّب فيه الزوار.
حُفِظَ استقرار حالة الرسومات عن طريق إزالة الغبار وتقليل الطبقات المغلفة التي وضعتها عمليات المعالجة السابقة، وكذلك جرى تطبيق عملية مراقبة الوضع، لتقييم التغييرات المستقبلية بشكل أفضل.
فريق ترميم مقبرة الملك توت عنخ آمون
📿🔮⚱️Stunning restoration of wall art in King Tutankhamun's tomb revealed
https://t.co/XYyUG7sBbw pic.twitter.com/0FHNrTipZ7— Evan Kirstel (@evankirstel) January 24, 2019
قال تيم والن وجون ولويس برونسون مدير معهد Getty Conservation Institute: "أسهم هذا المشروع في توسيع نطاق فهمنا بشكلٍ كبير لواحد من أكثر الأماكن التاريخية التي تعود إلى العصور القديمة والتي تعج بالقصص".
اكتسب المعهد خبرةً كبيرة بالفعل من العمل بمصر في مقبرة الملكة نفرتاري بوادى الملكات، فضلاً عن خطة تنطوي على الحفاظ والإدارة الشاملة لوادي الملكات قيد التنفيذ.
ضلع المشروع المصري الذي أطلقته مؤسسة GCI، في دراسة شاملة عن حالة المقبرة منذ زمن كارتر.
ضم فريق الخبراء عالم مصريات لإجراء أبحاث أساسية، ومهندسي بيئة للتحقيق في الظروف المناخية الدقيقة للمقبرة، وعلماء أحياء لدراسة البقع البنية، ومتخصصي توثيق، ومهندسين معماريين، ومصممين لتطوير البنية التحتية للمقبرة، وعلماء لدراسة المواد الأصلية للرسومات الجدارية، ومحافظين لتسجيل الوضع ومعالجته.
إلى جانب الحفاظ على الرسومات الجدارية، يسّر المعهد تطبيق تحديثات تصب في حماية الموقع وعرضه.