مظالم تاريخية تلاحق عبد الناصر..فاروق المفترى عليه ج2

من المؤكد أن وقع الظلم لا يختلف كثيرًا على نفس كل إنسان بقدر ما تختلف الوسائل والسبل التي يسلكها الظالم والتي تترك الأثر ذاته على المظلوم، ولم يكن محمد نجيب هو وحده من تعرض للظلم والذل على يد عبد الناصر بل كانت صفة مشتركة بين الكثيرين في ذلك العهد، ولعل أبرز من يُذكر اسمه متلازمًا بذكر الظلم هو الملك فاروق بل وأسرة محمد علي كافة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/01 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/01 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش

من المؤكد أن وقع الظلم لا يختلف كثيرًا على نفس كل إنسان بقدر ما تختلف الوسائل والسبل التي يسلكها الظالم والتي تترك الأثر ذاته على المظلوم، ولم يكن محمد نجيب هو وحده من تعرض للظلم والذل على يد عبد الناصر بل كانت صفة مشتركة بين الكثيرين في ذلك العهد.

ولعل أبرز من يُذكر اسمه متلازمًا بذكر الظلم هو الملك فاروق بل وأسرة محمد علي كافة، وقد بدأ ذلك حينما وافق الملك فاروق على التنازل عن العرش سلميًا لولي عهده وابنه الأمير أحمد فؤاد نتيجة لحركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 حتى لا يتسبب في إراقة دماء الجيش المصري في صراع بين مؤيد ومعارض له، حيث خرج وأسرته من مصر وبالتحديد من قصر رأس التين بالأسكندرية في يوم 26 يوليو متجهًا إلى منفاه في إيطاليا على متن اليخت الملكي المحروسة وهو اليوم نفسه الذي قام فيه الضباط الأحرار بمصادرة جميع ممتلكات أسرة محمد علي داخل مصر وإن كانت تلك الإجراءات هي بمثابة النظام المتبع عند انتهاء فترة حكم بالعزل أو الانقلاب وبداية آخر جديد ولكن عبد الناصر أبى أن تنفذ تلك الإجراءات دون أن تغلف بالإهانة والذل، فلم يسمح للملك وأسرته حتى بالتزود ببعض الملابس من قصر عابدين حيث لم يكن لديهم سوى القليل من الثياب فقط في القصر الصيفي بالأسكندرية، كما لم يتم تجهيز اليخت عمدًا إلا بطعام قليل لا يكفي رحلتهم إلى روما إلا بالاقتصاد الشديد.

أما باقي أفراد الأسرة العلوية في مصر فبالإضافة إلى مصادرة جميع ممتلكاتهم تمت مصادرة كل المجوهرات الشخصية والأموال السائلة التي كانت بحوذتهم، والقبض على كل من كانت له علاقة بالقصر الملكي من قريب أو بعيد حتى وإن كان مجرد مؤد لوظيفته، ومنعهم من السفر حتى لا يجتمع شمل الأسرة في الخارج مما يعزز من قوتهم، وهو ما كان بمثابة حصار للأسرة لتضطر إلى طلب المعونة وذل السؤال حيث أضحت بلا مصدر دخل أو عمل أو حتى فرصة للسفر وبدء حياة جديدة بالخارج بعد أن أصبح كل منتمي للأسرة منبوذا في المجتمع ويبتعد عنه محيطيه اتقاءً للشبهات وسعيًا لكسب ود النظام الجديد.

ولنا في ملكة القلوب الملكة فريدة مثالًا وهي التي أحبها الشعب المصري وخرج في مظاهرات ضد الملك عندما وقع الطلاق بينهما وهاجموه أشد الهجوم لذلك، ولكن سرعان ما انهارت أواصر تلك المحبة بين الشعب وملكته نتيجة لما أشاعه نظام عبد الناصر أنذاك بحق تلك الأسرة، وقد لاقت الملكة أهوالًا شديدة من الذل منذ 23 يوليو حيث مُنعت من السفر لرؤية بناتها في روما لمدة عشر سنوات كما تم مصادرة كل ما تملك والسماح لها فقط بالعيش في قصرها الذي كان يتم جرده في يناير من كل عام حتى تتأكد الحكومة أنها لم تتصرف في شىء من محتوياته، وصُرف لها معاشًا مائة جنيًا لم يكن يكفيها طعامًا وشرابًا مما اضطرها للعيش على مساعدات صديقاتها وبيع بعض من ملابسها لتغنيها عن الحاجة ولكن ما لبث الوضع أن ازداد سوءًا حينما سُمح لها بالسفر لرؤية بناتها وتأخرت قليلًا عن الموعد المقرر لعودتها وهو الأمر الذي اتخذته الحكومة ذريعة لبيع القصر وقطع معاشها لتجد نفسها بلا مأوى، وبمساعدة من شاه إيران الذي وبالرغم من القطيعة بينه وبين الأسرة الملكية إلا أنه لم يرتضي إلا أن يساعدها حيث انتقلت للعيش في فرنسا بمنزل صغير ابتاعه لها وعاشت سنوات على دعمه المالي وعائدات لوحاتها الفنية حتى تم عزل الشاه وتوفي عام 1980 فانقطع موردها الرئيسي لتضطر مرة أخرى للعودة إلى مصر حيث صُرف لها معاشًا بسيطًا عاشت عليه حتى توفيت عام 1988.

وكانت الملكة واحدة من مئات النماذج من أسرة محمد علي التي عانت الذل بسبب ذلك الحصار المفروض عليها، ولعل ما يمكن الإشارة إليه على أنه الظلم الأكبر لتلك الأسرة كانت الحملات الضارية التي شنتها الصحافة والإذاعة لسنوات لتشويه صورة الملك وأجداده فلم يوفر الصحفيين جهدًا سواء المأمورين بذلك أو الذين تطوعوا لإرضاء عبد الناصر أو حتى الشرفاء الذين أمنوا لتلك الأكاذيب وانجرفوا ورائها، لم يوفروا جهدًا في إلصاق التهم بحياة الملك من فساد أخلاقي وفساد سياسي ونعته بما ليس فيه من أبشع الصفات حتى وصل الأمر إلى تظليل صورته بعلامة سوداء في الأفلام القديمة وكأنه لم يكن، وربط كل إنجازاته بأحداث وأغراض سيئة ملفقة لتشويه تاريخه بالإضافة إلى كتب التاريخ التي تشوهت معالم الحقيقة فيها ومحيت آثار 150 عامًا حكمت فيها أسرة محمد علي مصر حيث ذكرت تلك الكتب الإنجازات التي لا يمكن إنكارها فقط ولكنها ذكرتها باقتضاب شديد كتأسيس محمد علي باشا للجيش المصري الحديث ولكن في المقابل لا يذكر اسمه إلا واقترن بمذبحة القلعة.

اقترن اسم الخديوي إسماعيل بالديون وهو الذي جعل من مصر وجهة يقصدها العالم، كما اقترن اسم الخديوي توفيق بالاستعمار الإنجليزي رغم تأكيد العديد من المؤرخين على تسبب أحمد عرابي بذلك وإن كان دون قصد منه، ونتيجة لذلك تم تهميش الإنجازات التي لا حصر لها لتلك الحقبة والتركيز على الأخطاء فقط وهو على عكس ما حدث مع عبد الناصر حيث تم تهميش وإخفاء أخطائه الفادحة وتعظيم إنجازاته ولم لا يحدث ذلك والتاريخ غالبًا مايكتبه المنتصر.

وبذلك ترسخت تلك الصورة المشوهة لسنوات طويلة في أذهان الشعب المصري وأجياله اللاحقة عن تلك الحقبة وعن أخلاق الملك فاروق بالتحديد حتى بدأ البعض في استدراك الحقيقة وكشف تلك المؤامرات بعد أن بدأت عيوب نظام عبد الناصر بالظهور وانجلت غشاوة الانبهار فأصبح التشكيك في مصداقية ماقيل ممكنًا، وقد ذكر الكاتب والأديب أنيس منصور في إحدى مقالاته في جريدة الشرق الأوسط عام 2005 "إن مصر قد ظلمت اثنين من حكامها أشد الظلم وهم الملك فاروق ومحمد نجيب حيث تولت الصحافة أمر الملك فاروق بمنتهى الظلم والشراسة ونسبوا إليه ما ليس فيه تبريرًا للثورة ومنافقة للثوار.

أما نجيب فقد تولاه جمال عبد الناصر وحده وبمنتهى الوحشية" وقد ذكر الكثير من الحقائق التي بدأ يكتشفها بمرور الوقت من تأكيد الملكة فريدة له بأن الملك لم يذق الخمر أبدًا طوال حياته وكان ينفر من رائحته وهو عكس ما تداولته الصحف والأفلام عن كونه كان سكيرًا ولا يفيق من الخمر، كما ذكر سؤاله للفنانة سامية جمال عن علاقتها بالملك فاروق حيث طالتها الشائعات في ذلك الوقت والتي أقسمت له بدورها عن عدم وجود أي علاقة جمعت بينهما أبدًا وهو ما ينفي بالتالي ما أشيع عن علاقاته بالراقصات وارتياده للكباريهات، وقد ذكر منصورعلى لسان طبيب نساء قريب له والذي كان يعالج الفنانة كاميليا في الثلاث سنوات الأخيرة من حياتها إصابتها بمرض في سنواتها الأخيرة لا يسمح لها بأي علاقة مع الملك فاروق أو غيره.

هذا بالإضافة إلى ما صرحت به الدكتورة لميس جابر كاتبة مسلسل الملك فاروق والذي استغرقت كتابته بحثًا وتحليلاً دام 17 عامًا في كتب التاريخ، بأن فاروق لم يكن مسؤولًا عن هزيمة فلسطين كما اتهمته الصحف بل كانت الخيانة العربية وبالتالي فهو برئ أيضًا من تهمة الأسلحة الفاسدة وهو ما أكده الموقع الرسمي لأسرة الملك فاروق بالوثائق وشهادات الضباط، ولا يمكن الحديث عن الظلم الذي تعرض له فاروق دون التطرق لأحداث وفاته وملابساتها حيث توفي في إحدى مطاعم روما عام 1965 وقد أوصى بدفنه في مصربجانب والده بالمقابر الملكية في مسجد الرفاعي، وهو ما رفضه عبد الناصر حتى تدخلت المملكة العربية السعودية وطلبت دفنه على أراضيها فاستشعر الحرج ووافق على مضض ولكن وليشعر بالانتصار واستكمالًا للظلم رفض تنفيذ وصيته وتم دفنه في مقابر الأسرة بالإمام الشافعي حتى سمح الرئيس السادات بعد ذلك بنقله إلى الرفاعي كما أعاد الجنسية لأسرته لمن أراد منهم العودة إلى مصر.

وقد أشارت الأميرة فريال الابنة الكبرى للملك فاروق في إحدى حواراتها التلفزيونية عن وفاة والدها مسمومًا وضلوع عبد الناصر والحكومة بذلك، وهو ما أكده الإعلامي محمود فوزي في كتابه (إبراهيم البغدادي كيف قتلت الملك فاروق؟) حيث أكد جازمًا بما لا يدع مجالًا للشك تورطهم بمقتل الملك فاروق حيث كان عبد الناصر يخشى دائما الانقلاب المفاجئ عليه، كما صرحت اعتماد خورشيد باعتراف صلاح نصر لها بذلك وقد كان رئيس المخابرات وزوجها أنذاك، وقد رفضت الأسرة تشريح الجثمان في ذلك الوقت خشية أن ترفض الحكومة المصرية تنفيذ الوصية ودفنه في مصر إذا ما تمت الإشارة لتورط الحكومة بمقتله.

وختامًا يقول دكتورمصطفى محمود في كتابه الإسلام السياسي والمعركة القادمة واصفـًا عبد الناصر "كان يحارب في الكونغو واليمن ويرفع رايات القومية والاشتراكية في كل مكان من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي، وكان يهتف مخاطبًا كل مواطن مصري ارفع رأسك يا أخي، ولكن المواطن المسكين والمخدوع لم يكن ليستطيع أن يرفع رأسه من طفح المجاري ومن كرباج المخابرات ومن خوف المعتقلات ومن سيف الرقابة ومن عيون المباحث، وساد مناخ لا يزدهر فيه إلا كل منافق، وأصبح الشعار هو الطاعة والولاء قبل العلم والكفاءة، وتدهورت القيم، وهبط الانتاج وارتفع صوت الغوغاء على كل شىء، وعاش عبد الناصر عشرين عامًا في ضجة إعلامية فارغة ومشاريع دعائية واشتراكية خائبة، ثم أفاق على هزيمة تقسم الظهر وعلى انهيار اقتصادي وعلى مائة ألف قتيل تحت رمال سيناء وعتاد عسكري تحول إلى خردة، وضاع البلد وضاع المواطن".

المصادر:
احتفال مكتبة الاسكندرية بافتتاح أول موقع لمحمد نجيب- سميرة سليمان-11 أكتوبر2013
http://www.moheet.com/2013/10/11/
عبد الناصر يطيح اللواء محمد نجيب- ماهر النبوني- 14 نوفمبر2014
http://www.alhayat.com/Articles/
محمد نجيب
https://ar.wikipedia.org/wiki
أخر ملوك مصر- أنيس منصور- 8فبراير 2005
http://archive.aawsat.com/
لميس جابر قضت 17 عامًا في البحث عن الحقيقة- عمر محمد- 20 أكتوبر 2007
http://www.startimes.com/
صدق أو لا تصدق8 يونيو2010.. مقال ملكتان وأميرتان- لويس عوض نشر في الأهرام- 18 يوليو1975
https://www.alwatanvoice.com/arabic/
كيف مات الملك فاروق- الصفحة الرسمية لفاروق مصر
http://www.faroukmisr.net/report12.htm

علامات:
تحميل المزيد