“فاخرجوا من أرضنا، من برِّنا، من بحرنا، وانصرفوا”.. إليك أشهر قصائد شعر محمود درويش عن فلسطين

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/18 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/18 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
الشاعر الفلسطيني محمود درويش مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات /صفحة مؤسسة ياسر عرفات Yasser Arafat Foundation على فيسبوك

"على هذه الأرض ما يستحق الحياة" من منا لم يسمع القصيدة أو يقرأ أحد أبياتها مكتوباً على صورة أو مقطع فيديو من فلسطين؟ إذ تعد هذه القصيدة واحدة من أشهر قصائد شعر محمود درويش عن فلسطين.

الشاعر الفلسطيني ترك إرثاً كبيراً من الشعر الذي أحيا به ذاكرة أجيال بعده، واستطاع بشعره أن يرمز معانٍ كثيرة من النضال لأجل الحرية والعدالة، والحنين للوطن، للألم والغربة، للصمود في وجه الظلم والمحتل، والكثير عن قضايا الهوية الفلسطينية.

عكس درويش الحب والفقد، الأمل والألم، والكثير حتى في أبيات شعره عن وطنه ومحبوبته فلسطين.

أشهر قصائد شعر محمود درويش عن فلسطين

من أين نبدأ؟ ربما مما يستحق الحياة على هذه الأرض.

على هذه الأرض

تعد هذه القصيدة واحدة من أشهر ما كتب وقرأ شاعر المقاومة بصوته، ورغم قصرها إلا أن لها صدى حاضرًا في وجدان كثير من محبي الشاعر.

على هذه الأرض ما يستحق الحياة: تردد إبريل، رائحة الخبزِ

في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس ، أول

الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ تقفن على خيط ناي، وخوف

الغزاة من الذكرياتْ.

**

على هذه الأرض ما يستحق الحياةْ: نهايةُ أيلولَ، سيّدةٌ تترُكُ

الأربعين بكامل مشمشها، ساعة الشمس في السجن، غيمٌ يُقلّدُ

سِرباً من الكائنات، هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم

باسمين، وخوفُ الطغاة من الأغنياتْ.

**

على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: على هذه الأرض سيدةُ

الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارتْ

تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة.

عابرون في كلام عابر

نعم، أغنية تتر بداية مسلسل "التغريبة الفلسطينية" الخالدة، هي من أبيات شاعر المقاومة.

أيها المارون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا، وانصرفوا

وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة

وخذوا ما شئتم من صور، كي تعرفوا

أنكم لن تعرفوا

كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء

أيها المارون بين الكلمات العابرة

منكم السيف – ومنا دمنا

منكم الفولاذ والنار – ومنا لحمنا

منكم دبابة أخرى – ومنا حجر

منكم قنبلة الغاز – ومنا المطر

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا

وادخلوا حفل عشاء راقص… وانصرفوا

وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء

وعلينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء

أيها المارون بين الكلمات العابرة

كالغبار المر مُرّوا أينما شئتم ولكن

لا تمرّوا بيننا كالحشرات الطائرة

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا قمح نربّيه ونسقيه ندى أجسادنا

ولنا ما ليس يرضيكم هنا

حجر… او خجل

فخذوا الماضي، اذا شئتم إلى سوق التحف

وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، ان شئتم

على صحن خزف

لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل ولنا في أرضنا ما نعمل

أيها المارون بين الكلمات العابرة

كدِّسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا

وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس

أو إلى توقيت موسيقى المسدس

فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا

ولنا ما ليس فيكم: وطن ينزف وشعب ينزف

وطن يصلح للنسيان أو للذاكرة

أيها المارون بين الكلمات العابرة

آن أن تنصرفوا

وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا

آن أن تنصرفوا

ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا الماضي هنا

ولنا صوت الحياة الأول

ولنا الحاضر، والحاضر، والمستقبل

ولنا الدنيا هنا… والآخرة

فاخرجوا من أرضنا

من برِّنا… من بحرنا

من قمحنا… من ملحنا… من جرحنا

من كل شيء، واخرجوا

من مفردات الذاكرة

أيها المارون بين الكلمات العابرة

عاشق من فلسطين

عيونِك شوكةٌ في القلبِ

توجعني… وأعبدُها

وأحميها من الريحِ

وأُغمدها وراء الليل والأوجاع… أُغمدها

فيشعل جُرحُها ضوءَ المصابيحِ

ويجعل حاضري غدُها

أعزَّ عليَّ من روحي

وأنسى، بعد حينٍ، في لقاء العين بالعينِ

بأنّا مرة كنّا، وراءَ الباب، اثنين 

كلامُكِ… كان أغنيهْ

وكنت أُحاول الإنشاد

ولكنَّ الشقاء أحاط بالشفة الربيعيَّة

كلامك، كالسنونو، طار من بيتي

فهاجر باب منزلنا، وعتبتنا الخريفيَّه

وراءك، حيث شاء الشوقُ….

وانكسرت مرايانا

فصار الحزن ألفينِ

ولملمنا شظايا الصوت…

لم نتقن سوى مرثيَّة الوطنِ

سنزرعها معاً في صدر جيتارِ

وفق سطوح نكبتنا، سنعرفها

لأقمارٍ مشوَّهةٍ…وأحجارِ

ولكنّي نسيتُ… نسيتُ… يا مجهولةَ الصوتِ:

رحيلك أصدأ الجيتار… أم صمتي؟

رأيتُك أمسِ في الميناءْ

مسافرة بلا أهل… بلا زادِ

ركضتُ إليكِ كالأيتامُ ،

أسأل حكمة الأجداد:

لماذا تُسحبُ البيَّارة الخضراءْ

إلى سجن، إلى منفى، إلى ميناءْ

وتبقى، رغم رحلتها

ورغم روائح الأملاح والأشواق،

تبقى دائماً خضراء؟

وأكتب في مفكرتي:

أُحبُّ البرتقال . وأكرهُ الميناء

وأَردف في مفكرتي :

على الميناء

وقفتُ. وكانت الدنيا عيونَ شتاءْ

وقشر البرتقال لنا. وخلفي كانت الصحراء

رأيتُكِ في جبال الشوك

راعيةً بلا أغنام

مطارَدةً، وفي الأطلال…

وكنت حديقتي، وأنا غريب الدّار

أدقُّ الباب يا قلبي

على قلبي…

يقرم الباب والشبّاك والإسمنت والأحجار

رأيتكِ في خوابي الماء والقمحِ

محطَّمةً. رأيتك في مقاهي الليل خادمةً

رأيتك في شعاع الدمع والجرحِ.

وأنتِ الرئة الأخرى بصدري…

أنتِ أنتِ الصوتُ في شفتي….

وأنتِ الماء، أنتِ النار

رأيتكِ عند باب الكهف… عند النار

مُعَلَّقَةً على حبل الغسيل ثيابَ أيتامك

رأيتك في المواقد… في الشوارع…

في الزرائب… في دمِ الشمسِ

رأيتك في أغاني اليُتم والبؤسِ

رأيتك ملء ملح البحر والرملِ

وكنتِ جميلة كالأرض… كالأطفال… كالفلِّ

وأُقسم:

من رموش العين سوف أُخيط منديلا

وأنقش فوقه شعراً لعينيكِ

واسما حين أسقيه فؤاداً ذاب ترتيلا…

يمدُّ عرائش الأيكِ…

سأكتب جملة أغلى من الشُهَدَاء والقُبَلِ:

"فلسطينيةً كانتِ. ولم تزلِ"

فتحتُ الباب والشباك في ليل الأعاصيرِ

على قمرٍ تصلَّب في ليالينا

وقلتُ لليلتي: دوري

وراء الليل والسورِ

فلي وعد مع الكلمات والنورِ

وأنتِ حديقتي العذراءُ….

ما دامت أغانينا

سيوفاً حين نشرعها

وأنتِ وفيَّة كالقمح…

ما دامت أغانينا

سماداً حين نزرعها

وأنت كنخلة في البال ،

ما انكسرتْ لعاصفةٍ وحطّابِ

وما جزَّت ضفائرَها

وحوشُ البيد والغابِ….

ولكني أنا المنفيُّ خلف السور والبابِ

خُذينيَ تحت عينيكِ

خذيني، أينما كنتِ

خذيني، كيفما كنتِ

أردِّ إليَّ لون الوجه والبدنِ

وضوء القلب والعينِ

وملح الخبز واللحنِ

وطعم الأرض والوطنِ

خُذيني تحت عينيكِ

خذيني لوحة زيتيَّةً في كوخ حسراتِ

خذيني آيةً من سفر مأساتي

خذيني لعبة… حجراً من البيت

ليذكر جيلُنا الآتي

مساربه إلى البيتِ 

فلسطينيةَ العينين والوشمِ

فلسطينية الاسم

فلسطينية الأحلام والهمِّ

فلسطينية المنديل والقدمَين والجسمِ

فلسطينية الكلمات والصمتِ

فلسطينية الصوتِ

فلسطينية الميلاد والموتِ

حملتُك في دفاتريَ القديمةِ

نار أشعاري

حملتُك زادَ أسفاري

وباسمك ، صحتُ في الوديانْ :

خيولُ الروم … أعرفها

وإن يتبدَّل الميدان 

خُذُوا حَذَراً

من البرق الذي صكَّته أُغنيتي على الصوَّانْ

أنا زينُ الشباب ، وفارس الفرسانْ

أنا. ومحطِّم الأوثانْ .

حدود الشام أزرعها

قصائد تطلق العقبان 

وباسمك ، صحت بالأعداءْ :

كلي لحمي إذا نمت يا ديدانْ

فبيض النمل لا يلد النسورَ

وبيضةُ الأفعى..

يخبئ قشرُها ثعبانْ 

خيول الروم … أعرفها

وأعرف قبلها أني

أنا زينُ الشباب، وفارس الفرسان

قصيدة الأرض

1

في شهر آذارَ، في سَنَة الانتفاضة، قالتْ لنا الأرضُ

أسرارَها الدمويَّةَ. في شهر آذارَ مَرّتْ أمام

البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ. وقَفْنَ على باب

مدرسة ابتدائية، واشتعلن مع الورد والزعترِ

البلديّ. افتتحنَ نشيد التراب. دخلن العناقَ

النهائي – آذارُ يأتي إلى الأرض من باطن الأرض

يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسجُ مال قليلاً

ليعبر صوتُ البنات. العصافيرُ مَدّتْ مناقيرها

في اتّجاه النشيد وقلبي.

أنا الأرضُ

والأرضُ أنتِ

خديجةُ  لا تغلقي الباب

لا تدخلي في الغياب

سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل

سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل

سنطردهم من هواء الجليل.

وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمسُ

بناتٍ. سقطن على باب مدرسةٍ ابتدائية. للطباشير

فوق الأصابع لونُ العصافيرِ. في شهر آذار قالت

لنا الأرض أسرارها.

2

أُسمّي الترابَ امتداداً لروحي

أُسمّي يديّ رصيفَ الجروحِ

أُسمّي الحصى أجنحهْ

أُسمّي العصافير لوزاً وتين

أُسمّي ضلوعي شجرْ

وأستلّ من تينة الصدر غصناً

وأقذفهُ كالحجرْ

وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين .

3

وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاماً وخمس حروب،

وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.

أبي كان في قبضة الإنجليز. وأمي تربّي جديلتها

وامتدادي على العشب. كنتُ أُحبُّ "جراح

الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة،

مَرّ الرصاصُ على قمري الليلكيِّ فلم ينكسرْ،

غير أنّ الزمان يَمرّ على قَمَري الليلكيِّ فيسقطُ سهواً…

وفي شهر آذار نمتدُّ في الأرضِ

في شهر آذار تنتشرُ الأرضُ فينا

مواعيدَ غامضةً

واحتفالاً بسيطاً

ونكتشف البحرَ تحت النوافذ

والقمرَ الليلكيَّ على السرو

في شهر آذار ندخلُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حُبٍّ

وتنهمرُ الذكرياتُ على قريةً في السياج

وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجلِ

كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟

في شهر آذار ندخلُ أوّل حُبٍّ

وندخلُ أوّل سجنٍ

وتنبلجُ الذكرياتُ عشاءً من اللغة العربية:

قال لي الحبُّ يوماً: دخلتُ إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاعَ بي الحلمُ. قلتُ تكاثرْ تَرَ النهر يمشي

إليك.

وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.

4

بلادي البعيدةَ عنّي.. كقلبي

بلادي القريبةَ مني.. كسجني

لماذا أغنّي

مكاناً، ووجهي مكانْ؟

لماذا أغنّي

لطفلٍ ينامُ على الزعفران؟

وفي طرف النوم خنجر

وأُمّي تناولني

صدرها

وتموتُ أمامي

بنسمةِ عنبر؟

5

وفي شهر آذار تستيقظ الخيلُ

سيّدتي الأرضَ

أيُّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموِّج، بعدي؟

وأيُّ نشيدٍ يلائمُ هذا الندى والبَخُورَ

كأنَّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطينَ في بدئها المتواصل

هذا اخضرارُ المدى واحمرارُ الحجارةِ

هذا نشيدي

وهذا خروجُ المسيح من الجرح والريح

أخضرَ مثل النبات يُغطّي مساميرَهُ وقيودي

وهذا نشيدي

وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.

في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.

سيّدتي الأرضَ

والقممُ اللّولبيَّةُ تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ

بين الرماح وبين دمي.

نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا

ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا

وفي شهر آذار ينخفضُ البحرُ عن أرضنا المستطيلة مثل حصانٍ على وترِ الجنسِ.

في شهر آذار ينتفضُ الجنسُ في شجر الساحل العربيّ

وللموج أن يحبس الموجَ … أن يتموّجَ…أن

يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن

أرجوك – سيّدتي الأرضَ – أن تُسكنيني

صهيلَكِ

أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقيةِ

أرجوك – سيدتي الأرضَ – أن تُخْصبي عُمْريَ المتمايلَ بين سؤالين: كيف؟ وأين؟

وهذا ربيعي الطليعيُّ

وهذا ربيعي النهائيُّ

في شهر آذار زوُّجتُ الأرضُ أشجارها.

6

كأنّي أعودُ إلى ما مضى

كأنّي أسيرُ أمامي

وبين البلاط وبين الرضا

أُعيدُ انسجامي

أنا ولدُ الكلمات البسيطهْ

وشهيدُ الخريطهْ

أنا زهرةُ المشمش العائليَّهْ.

فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل

من البدء حتّى الجليل

أعيدوا إليّ يديَّ

أعيدوا إليّ الهويَّهْ

7

وفي شهر آذار تأتي الظلال حريريةً والغزاةُ بدون ظلالٍ

وتأتي العصافيرُ غامضةً كاعتراف البنات

وواضحةً كالحقول

العصافيرُ ظلُّ الحقول على القلب والكلمات.

خديجةُ

أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبِّهن الجديد؟

ذهبن ليقطفن بعض الحجارة

قالت خديجةُ وهي تحثُّ الندى خلفهنّ.

وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة…

خمسُ بناتٍ يخبّئنَ حقلاً من القمح تحت الضفيرة…

يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن

خمس رسائل:

تحيا بلادي

من الصّفْرِ حتّى الجليل

ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.

خديجةُ لا تغلقي الباب خلفك

لا تذهبي في السحاب

ستمطر هذا النهار

ستمطرُ هذا النهار رصاصاً

ستمطرُ هذا النهار

وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض

أسرارها الدّمويّةَ: خمسُ بناتٍ على باب مدرسة

ابتدائيَّةٍ يقتحمن جنود المظلاّت. يسطعُ بيتٌ

من الشعر أخضرَ… أخضر. خمسُ بناتٍ

على باب مدرسة ابتدائية ينكسرن مرايا مرايا

البناتُ مرايا البلاد على القلبِ..

في شهر آذار أحرقت الأرضُ أزهارها.

8

أنا شاهدُ المذبحهُ

وشهيدُ الخريطهُ

أنا ولدُ الكلماتُ البسيطهُ

رأيتُ الحصى أجنحهْ

رأيت الندى أسلحة

عندما أغلقوا باب قلبي عليّا

وأقاموا الحواجز فيّا

ومنع التجوُّل

صار قلبي حارةْ

وضلوعي حجارةْ

وأطلّ القرنفل

وأطلّ القرنفل

9

وفي شهر آذار رائحةٌ للنباتات. هذا زواجُ العناصر.

"آذار أقسى الشهور" وأكثرها شَبقاً. أيّ

سيفٍ سيعبرُ بين شهيقي وبين زفيري ولا يتكسَّرُ 

هذا عناقي الزّراعيُّ في ذروة الحبّ. هذا انطلاقي

إلى العمر.

فاشتبكي يا نباتاتُ واشتركي في انتفاضة جسمي، وعودة

حلمي إلى جسدي

سوف تنفجرُ الأرضُ حين أُحقّقُ هذا الصراخ المكبّلَ بالريّ والخجل القرويّ.

وفي شهر آذار نأتي إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا

النباتاتُ صاعدةً في اتّجاهات كلّ البدايات. هذا

نموُّ التداعي. أُسمّي صعودي إلى الزنزلخت التداعي. رأيتُ فتاةً على شاطئ البحر قبل ثلاثين عاماً

وقلتُ: أنا الموجُ، فابتعدتْ في التداعي. رأيتُ

شهيدين يستمعان إلى البحر: عكّا تجئ مع الموج.

عكّا تروح مع الموج. وابتعدا في التداعي.

ومالت خديجةُ نحو الندى، فاحترقتُ. خديجةُ لا تغلقي الباب

إنَّ الشعوب ستدخلُ هذا الكتاب وتأفل شمسُ أريحا بدونِ طقوس.

فيا وَطَنَ الأنبياء…تكاملْ

ويا وطن الزارعين .. تكاملْ

ويا وطن الشهداء.. . تكامل

ويا وطن الضائعين .. تكامل

فكلُّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.

وكلُّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونةٍ زمَّلتني.

10

مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مُهملهْ

وعيناك نائمتانْ

أعودُ ثلاثين عاماً

وخمسَ حروب

وأشهدُ أنّ الزمانْ

يخبّئ لي سنبلهْ

يغنّي المغنّي

عن النار والغرباء

وكان المساءُ مساء

وكان المغنّي يُغَنّي

ويستجوبونه:

لماذا تغنّي؟

يردُّ عليهم:

لأنّي أغَنّي

وقد فتّشوا صدرَهُ

فلم يجدوا غير قلبهْ

وقد فتّشوا قلبَهْ

فلم يجدوا غير شعبهْ

وقد فتشوا صوتَهُ

فلم يجدوا غير حزنهْ

وقد فتّشوا حزنَهُ

فلم يجدوا غير سجنهْ

وقد فتَّشوا سجنَهُ

فلم يجدوا غيرهم في القيود

وراء التّلال

ينامُ المغنّي وحيداً

وفي شهر آذار

تصعدُ منه الظلال

11

أنا الأملُ والسهلُ والرحبُ – قالت لي الأرضُ والعشبُ مثل التحيَّة في الفجرِ

هذا احتمالُ الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني لكي يحصدوني

يريد الهواء الجليليُّ أن يتكلّم عنّي، فينعسُ عند خديجةَ

يريد الغزال الجليليّ أن يهدم اليوم سجني، فيحرسُ ظلّ خديجةَ وهي تميلُ على نارها.

يا خديجةُ إنّي رأيتُ .. وصدّقتُ رؤياي تأخذني

في مداها وتأخذني في هواها. أنا العاشق الأبديُّ،

السجين البديهيّ. يقتبس البرتقالُ اخضراري ويصبحُ

هاجسَ يافا

أنا الأرضُ منذ عرفتُ خديجةَ

لم يعرفوني لكي يقتلوني

بوسع النبات الجليليّ أن يترعرع بين أصابع كفّي ويرسم

هذا المكان الموزّعَ بين اجتهادي وحبّ خديجةَ

هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتّى

رحيل الهواء عن الأرضِ

هذا الترابُ ترابي

وهذا السحابُ سحابي

وهذا جبين خديجهْ

أنا العاشقُ الأبديُّ – السجينُ البديهيُّ

رائحةُ الأرض تُوقظني في الصباح المبكّر..

قيدي الحديديُّ يوقظها في المساء المبكّر

هذا احتمال الذهابِ الجديد إلى العمر،

لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم

يسألون عن الأرض: هل نَهَضَتْ

طفلتي الأرضَ

هل عرفوك لكي يذبحوكِ؟

وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرتِ إلى جرحنا في الشتاء؟

وهل عرفوكِ لكي يذبحوكِ؟

وهل قيّدوكِ بأحلامهم فارتفعتِ إلى حلمنا في الربيعْ؟

أنا الأرضُ..

يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها

احرثوا جَسَدي

أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس

مرّوا على جسدي

أيّها العابرون على جسدي

لن تمرّوا

أنا الأرضُ في جَسَدٍ

لن تمروا

أنا الأرض في صحوها

لن تمروا

أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها

لن تمروا

لن تمروا

لن تمروا"

يوميات جريح فلسطيني

1

نحن في حلِّ من التذكار

فالكرمل فينا

وعلى أهدابنا عشب الجليلِ

لا تقولي : ليتنا نركض كالنهر إليها،

لا تقولي

نحن في لحم بلادي..وَهْيَ فينا

2

لم نكن قبلَ حزيرانَ كأفراخ الحمام

ولذا، لم يتفتَّتْ حبنا بين السلاسلْ

نحن يا أُختاه، من عشرين عام

نحن لا نكتب أشعاراً،

ولكنا نقاتل

3

ذلك الظل الذي يسقط في عينيك

شيطان إله

جاء من شهر حزيران

لكي يعصب بالشمس الجباهْ

إنه لون شهيد

إنه طعم صلاهْ

إنه يقتل أويحيي,

وفي الحالين  آه 

4

أوَّلُ الليل على عينيك, كان

في فؤادي , قطرةً من آخر الليل الطويل

والذي يجمعنا, الساعة في هذا المكان

شارعُ العودة

من عصر الذبول.

5

صوتك الليلةَ,

سكينٌ وجرحٌ وضمادُ

ونعاس جاء من صمت الضحايا

أين أهلي؟

خرجوا من خيمة المنفى, وعادوا

مرة أُخرى سبايا 

6

كلمات لم تصدأ, ولكن الحبيبْ

واقعٌ في الأسر – يا حبي الذي حمَّلني

شرفاتٍ خلعتها الريحُ..

أعتابَ بيوت

وذنوب.

لم يسع قلبي سوى عينيك,

في يوم من الأيام,

والآن اغتنى بالوطنِ

7

وعرفنا ما الذي يجعل صوت القُبَّرهْ

خنجراً يلمع في وجه الغزاة

وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبرهْ

مهرجاناً… وبساتين حياة

8

عندما كنت تغنين, رأيت الشرفات

تهجر الجدران

والساحة تمتد إلى خصر الجبلْ

لم نكن نسمع لون الكلمات

كان في الغرفة مليون بطل 

9

في دمي, من وجهه, صيفٌ

ونبض مستعارُ.

عدتُ خجلان إلى البيت,

فقد خرَّ على جرحي.. شهيدا

كان مأوى ليلة الميلاد

كان الانتظار

وأنا أقطف من ذاكراه.. عيدا 

10

الندى والنار عيناه،

إذا ازددت اقتراباً منه غنىَّ

وتبخرت على ساعده لحظة صمت, وصلاه

آه سميه كما شئت شهيدا

غادر الكوخ فتى

ثم أتى, لما أتى

وجه إله 

11

هذه الأرض التي تمتصُّ جلد الشهداءْ

تَعِدُ الصيف بقمح وكواكبْ

فاعبديها

نحن في أحشائها ملح وماء

وعلى أحضانها جرح… يحارب

12

دمعتي في الحلق, يا أخت,

وفي عينيَّ نار

وتحررت من الشكوى على باب الخليفه

كل من ماتوا

ومن سوف يموتون على باب النهار

عانقوني, صنعوا مني… قذيفه 

13

منزل الأحباب مهجور،

ويافا تُرجمتْ حتى النخاع

والتي تبحث عني

لم تجد مني سوى جبهتها

أُتركي لي كل هذا الضياع

فأنا أضفره نجماً على نكبتها

14

آه يا جرحي المكابر

وطني ليس حقيبهْ

وأنا لست مسافر

إنني العاشق, والأرض حبيبهْ 

15

وإذا استرسلت في الذكرى 

نما في جبهتي عشب الندمْ

وتحسرت على شئ بعيدْ

وإذا استسلمت للشوق،

تَبَنَّيْتُ أساطير العبيد

وأنا آثرت أن أجعل من صوتي حصاة

ومن الصخر نغم 

16

جبهتي لا تحمل الظل،

وظلي لا أراه

وأنا أبصق في الجرح الذي

لا يشعل الليل جباه 

خبئي الدمعة للعيد

فلن نبكي سوى من فرح

وَلْنُسَمِّ الموت في الساحة

عرساً.. وحياه 

17

وترعرعتُ على الجرح, وما قلت لأمي

ما الذي يجعلها في الليل خيمهْ

أنا ما ضيَّعتُ ينبوعي وعنوانيَ واسمي

ولذا أبصرت في أسمالها

مليون نجمهْ 

18

رايتى سوداءُ,

والميناء تابوتٌ

وظهري قنطرهْ

يا خريف العالم المنهار فينا

يا ربيع العالم المولود فينا

زهرتي حمراءُ,

والميناء مفتوح,

وقلبي شجرهْ 

19

لغتي صوت خرير الماء

في نهر الزوابعْ

ومرايا الشمس والحنطة

في ساحة حربِ

ربما أخطأت في التعبير أحياناً

ولكنْ كنت – لا أخجل – رائع

عندما استبدلت بالقاموس قلبي 

20

كان لا بد من الأعداء

كي نعرف أنا توأمان 

كان لا بد من الريح

لكي نسكن جذع السنديان 

ولو أن السيد المصلوب لم يكبر على عرش الصليب

ظل طفلاً ضائع الجرح … جبان.

21

لك عندي كلمهْ

لم أقلها بعد,

فالظل على الشرفة يحتل القمرْ

وبلادي ملحمهْ

كنت فيها عازفا… صرت وترْ 

22

عالِمُ الآثار مشغول بتحليل الحجارهْ

إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير

لكي يثبت أني :

عابر في الدرب لا عينين لي 

لا حرف في سفر الحضارهْ 

وأنا أزرع أشجاري, على مهلي,

وعن حبي أغني 

23

غيمة الصيف التي.. يحملها ظهر الهزيمهْ

عَلَّقَتْ نسل السلاطين

على حبل السراب

وأنا المقتول والمولود في ليل الجريمهْ

ها أنا ازددت التصاقاً… بالتراب 

24

آن لي أن أبدل اللفظة بالفعل, وآنْ

ليَ أن أثبت حبي للثرى والقُبَّرهْ

فالعصا تفترس القيثار في هذا الزمان

وأنا أصفَرُّ في المرآة,

مذ لاحت ورائي شجرهْ 

قد يهمك أيضاً: كتب وثيقة استقلال فلسطين وعارض اتفاقية أوسلو، الوجه الآخر لمحمود درويش "الشاعر الرائع والزوج الفاشل"

تحميل المزيد