شارك الآلاف من أبناء المغرب الكبير في القتال في الهند الصينية نيابة عن فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بين عامي 1946 و1954، وفي حين اختار العديد منهم العودة إلى أرض وطنه، بعضهم قرر بناء حياة جديدة في فيتنام، أمّا اليوم فيتولى أحفادهم الدفاع عن ذكراهم المنسية في هذا البلد.
"الحرب الفيتنامية الفرنسية.. صراع الاستعمار والاستقلال في الهند الصينية"
وفقاً لما يرويه لنا موقع britannica شهدت الهند الصينية بين عامي 1946 و1954، صراعاً معقداً يعرف بالحرب الهندوصينية الفرنسية أو الحرب الفيتنامية الفرنسية، وقد كان هذا النزاع بين القوات الفرنسية الاحتلالية وتنظيمات "فيت مين" بقيادة "هو تشي منه"، رئيس اتحاد استقلال فيتنام، ورغم تركيز الأحداث الرئيسية في الثلث الشمالي من فيتنام، والمعروفة باسم "تونكين" من قبل الفرنسيين، إلا أن النزاع تجاوز حدوده ليشمل مناطق أخرى في البلاد، وتأثرت به البلدان المجاورة مثل لاووس وكمبوديا.
انضمام المغاربة وتأثيرهم على الذاكرة الفرنسية والفيتنامية
وقد شارك أكثر من 120 ألف شخص من أبناء المغرب الكبير في الصراع في الهند الصينية، حيث انضم نصفهم من المغرب الذي لم يحصل على استقلاله بعد، إلى صفوف الجيش الفرنسي. وكان والد "بينه" واحداً من نحو 150 مغربياً فاراً أو أسيراً، بقوا في فيتنام الشيوعية لمدة تزيد عن عقد من الزمان بعد التوقف عن القتال.
يقول بيار جورنو، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة بول فاليري في مونبيلييه، إن تاريخ الشجاعة في ديان بيان فو ظل محصوراً لفترة طويلة في الذاكرة الفرنسية، وكان مرتبطاً بالبيض الذين كانوا يشكلون الغالبية في صفوف القوات المسلحة.
ويضيف: "بعد عام 1947، تم الاعتماد على الكتائب الاستعمارية لدعم الجهود الحربية، وأصبحوا فيما بعد الغالبية العظمى"، مشيراً إلى أنهم "فقدوا جزءاً من هذه الذاكرة" للجنود المستعمَرين.
رحلة بينه: رجل من المغرب الكبير في فيتنام
تسلط قصة هذا الرجل الضوء على جانب غير معروف من الحرب التي لا يزال لها تأثير على الذاكرة الفيتنامية والفرنسية، بعد مرور 70 عاماً على معركة ديان بيان فو، وهي معركة مصيرية بين قوات اتحاد تحرير فيتنام والجيش الفرنسي الذي كان مدعوماً من قوات من حلف الناتو، بحسب ما نقله لنا موقع the australian.
يحتفظ لي توان بشاهد قبر والده الجندي المغربي في منزله بقريته شمال هانوي، فقد كان والده مزيد بن علي، أو "محمد" كما يسميه بينه، واحداً من عشرات الآلاف من مواطني شمال أفريقيا الذين خدموا في الجيش الفرنسي أثناء قتاله للحفاظ على حكمه الاستعماري للهند الصينية، وقد حارب من أجل فرنسا ضد "اتحاد استقلال فيتنام" في الخمسينيات، قبل أن يترك الجيش -إما منشقاً أو أسيراً- ويعيش لنفسه في فيتنام.
ويقول بينه، البالغ من العمر 64 عاماً، وهو يحمل شاهد القبر: "إنه أمر عاطفي للغاية بالنسبة لي"، كما ذكر أن والده لم يحظَ بجنازة عندما توفي والده عام 1968، حيث كانت الحرب مع الولايات المتحدة على قدم وساق، واختفى جثمانه منذ ذلك الحين، لكن بينه احتفظ باللوح الحجري، المنقوش عليه جنسية والده: "مغربي".
وقد أدت الحرب مع الولايات المتحدة والتنمية الاقتصادية إلى تشتيت الأسر المغربية الفيتنامية التي عاشت في البلاد منذ عدة عقود، وعاد البعض إلى المغرب في السبعينيات، لكن بينه أراد البقاء مع والدته الفيتنامية وشقيقيه بوجمعة وعبد الله.
ويقول بينه إن والده نادراً ما تحدث عن تجاربه في الحرب -تاركاً قصته يكتنفها الغموض- لكنه من المحتمل أن يكون قد انشق في نهاية الصراع، في عام 1953 أو 1954.
ناضل بينه من أجل الاعتراف بماضيه لسنوات عديدة، وفي عام 2016 حصل أخيراً على جواز سفر مغربي، كما حصل على طفليه المولودين لأم فيتنامية، تحت لقب اختارته السفارة: المكي. وتعيش ابنته ليلى، البالغة من العمر 36 عاماً، الآن في الدار البيضاء، لكن بينه لم تطأ قدمه المغرب قط.
النصب التذكاري لمغربي شارك في الحرب
يقف النصب التذكاري للمغاربة الذين شاركوا في الحرب الفرنسية الفيتنامية في حديقة عائلة ترحب بعدد قليل من الزوار كل شهر، والذين ضمنوا بقاءهم على مر السنين.
وقال أحد أفراد الأسرة، الذي رفض ذكر اسمه، إنه خلال فترة الفقر المدقع في التسعينيات، "سأل تجار الخردة المعدنية عما إذا كان بإمكانهم أخذ أجزاء من البوابة".
لكن تم الحفاظ على البوابة، وتم ترميمها لاحقاً عبر أعمال التجديد التي قامت بها سلطات هانوي والسفارة المغربية في عام 2009، ثم مرة أخرى في عام 2018، في وقت بدأت فيه الأبحاث في تسليط الضوء على دور جنود من المستعمرات الفرنسية في الهند الصينية.