توسعت احتجاجات الطلبة لدعم غزة في حرم الجامعات الأمريكية خلال الأسبوع الماضي خاصة بعد دخول شرطة نيويورك إلى حرم جامعة كولومبيا، بطلب من رئيستها بعد يوم من "استجوابها" في الكونغرس، والقبض على 108 من الطلاب، حيث كان عدد منهم قد قاموا صباح الأربعاء 17 أبريل/نيسان بنصب خيام في حرم الجامعة للاعتصام بداخلها تنديداً بالحرب الإسرائيلية على القطاع.
وهو ما يعيد إلى الأذهان الحماسة النضالية التي عمت الولايات المتحدة في فترة ما بعد الستينيات من القرن الماضي، عندما كانت الاحتجاجات الطلابية الهائلة في الجامعات، تتنوع في أسبابها ومطالبها، حيث شملت مواقف رافضة للحرب في فيتنام، ولنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتأييدًا لحركة حقوق الإنسان والمساواة.
وكانت لبعض تلك الاحتجاجات، التي اتخذت منحى عنيفاً في بعض الأحيان، تأثيرات عميقة على المجتمع الأمريكي والمشهد السياسي، وأحدثت تحولات في نضال الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية.
حركة الحقوق المدنية من قبل الطلبة الأفارقة
احتجاجات المساواة أمام القانون لكل الأمريكيين
في 23 أبريل/نيسان 1968، كان الطلاب السود في الجامعات الأمريكية "ينزعجون بشكل متزايد من العنصرية المستمرة على نطاق واسع في المجتمع الأمريكي وخاصة في مورنينجسايد"، وفقاً لما ذكرته مجلة "بارنارد" الطلابية.
في البداية، كان الاحتجاج في جامعة كولومبيا يحمل طابع "كرنفالي"، حيث عزفت فرقة طلابية الموسيقى وتطايرت البالونات مع إغلاق الجامعة.
لكن مع مرور الأسبوع، تصاعدت التوترات تم أخذ العميد كرهينة لفترة وجيزة وطالب المتظاهرون باستقالة رئيس الجامعة، وبتركيز المنهج التعليمي للجامعة على تاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة، وإنشاء نظام قضائي يشمل الطلاب بالإضافة إلى إسقاط الإجراءات التأديبية بحق الطلاب المشاركين في احتجاج سابق.
وتوجّت هذه الاحتجاجات بموافقة الجامعة على الاستجابة للمطلبين الأخيرين، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
الاحتجاجات ضد الحرب والسياسات الجامعية
كما احتج الطلاب على دور الولايات المتحدة في فيتنام والسياسات الجامعية التي اعتبروها عنصرية واستولوا على خمسة مبان، بحسب مجلة بارنارد الطلابية وانقطعت خطوط المياه والكهرباء والهاتف عن المباني.
في وقت مبكر من صباح يوم 30 أبريل 1968، تدفق حوالي 1000 ضابط من لمدينة نيويورك، التي استدعاها رئيس كولومبيا غرايسون إل كيرك، إلى الحرم الجامعي.
وذكرت المجلة أن عملية الإخلاء كانت سلمية في أحد المباني، لكن في مبان أخرى استخدمت الشرطة العصي ما أدّى لإصابة أكثر من 100 شخص. وتم القبض على أكثر من 700 شخص في ذلك اليوم، معظمهم بتهم التعدي الإجرامي والسلوك غير المنضبط وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست".
وقبل عام 1960، شهدت الجامعات الأمريكية موجات من الاحتجاجات التي كانت تهدف إلى تحقيق مجموعة متنوعة من المطالب والتغييرات الاجتماعية والسياسية والتي شكلت جزءًا هامًا من تاريخ النضال الطلابي في الولايات المتحدة..
اعتصامات غرينسبورو 1960
وقعت هذه الأحداث في عام 1960 في مدينة غرينسبورو بولاية كارولاينا بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت بمثابة بداية لحركة النضال غير العنفي ضد التمييز العنصري.
في الخامس والعشرين من فبراير، دخل أربعة طلاب من جامعة نورث كارولاينا من أصول أفريقية إلى مقهى ووقفوا في طابور لشراء الطعام، وكانت هذه المقاهي تفرض سياسة تمييزية تمنع دخول السود وقد رفض الطلاب مغادرة المقهى دون تقديم خدمة لهم على غرار باقي الزبائن، وفقاً لموقع history.com
ورغم تعرضهم للانتقادات والتهديدات، استمر الطلاب في الجلوس بصمت لمدة ساعات، حتى تجاوبت وسائل الإعلام المحلية والوطنية مع الحدث.
بحلول الخامس من فبراير، انضم حوالي 300 طالب إلى الاحتجاج في وولوورث، حيث انضم الشباب السود والبيض إلى أشكال مختلفة من الاحتجاج السلمي ضد الفصل العنصري في المكتبات والشواطئ والفنادق والمؤسسات الأخرى..
وبسبب هذه الاحتجاجات والضغط العام، اتخذت العديد من المقاهي في غرينسبورو قرارًا بإلغاء سياسات التمييز، وساهمت هذه الأحداث في تعزيز الوعي بقضية حقوق السود.
مظاهرة جامعة هارفارد 1969
كجزء من الحركة الأوسع المناهضة للحرب في الستينيات، قامت المنظمات الطلابية مثل فرع هارفارد لطلاب المجتمع الديمقراطي (SDS) بمظاهرات مناهضة للحرب في الحرم الجامعي.
ففي نوفمبر 1966 على سبيل المثال، تم منع وزير الدفاع روبرت ماكنمارا من مغادرة الحرم الجامعي من قبل مجموعة من حوالي 800 طالب وتم إجباره على النزول من سيارته، ورفعه على غطاء محرك السيارة المكشوفة، حيث وافق على الإجابة عن أسئلة الجمهور حول حرب فيتنام.
وفي ساعات الصباح الباكر من يوم 10 أبريل 1969، احتشد مئات المنتسبين إلى جامعة هارفارد داخل قاعة الجامعة بينما تجمع حوالي 400 ضابط شرطة في الخارج، استعدادًا لاقتحام المبنى.
وبعد عدة دقائق من الساعة الخامسة صباحًا، اندفعت الشرطة، مسلحة بدروع مكافحة الشغب والهراوات والصولجان، عبر أبواب قاعة الجامعة وأخرجت المتظاهرين بالقوة من المبنى.
وأدى الاشتباك القصير والعنيف إلى اعتقال ما بين 250 و300 طالب وأصيب نحو 75 متظاهرا وضابط شرطة، وتم نقل المنتسبين إلى جامعة هارفارد الذين تم القبض عليهم مباشرة إلى محاكم المقاطعات حيث هتف المتظاهرون في الساحة "Pusey Must Go" و"Strike, Strike" في مشهد رسّخ نفسه في تاريخ جامعة هارفارد لسنوات قادمة.
حادثة جامعة كيت أوهايو 1970
وقعت حادثة جامعة كينت ستيت في أوهايو وقعت في الرابع من مايو عام 1970 خلال فترة توتر كبير في تاريخ الولايات المتحدة، وهي حادثة مشهورة بشكل خاص في تاريخ الاحتجاجات الطلابية في أمريكا.
في الرابع من مايو، قررت إدارة الجامعة تنظيم تجمع ضد الحرب، لكن الوضع سرعان ما تدهور بعدما حاول بعض الطلاب إشعال الحريق في مبنى ROTC (تدريب ضباط الاحتياط) على حدود الحرم الجامعي وفي مواجهة هذه الأحداث، أمر حاكم ولاية أوهايو جيم رود بإرسال قوات الحرس الوطني إلى الجامعة.
بعد وقوع اشتباكات بين الطلاب وقوات الحرس الوطني، أطلقت القوات النار على الطلاب، ما أسفر عن مقتل أربعة طلاب وإصابة آخرين بجروح وكان هذا الحادث مأساويًا وأثار موجة من الغضب والاستياء في جميع أنحاء البلاد، وزاد من التوترات حول سياسة الحكومة فيما يتعلق بالحرب وحقوق الطلاب.
احتجاجات جامعة كاليفورنيا 1985
على مدى ستة أسابيع من ربيع عام 1985، شهدت جامعة كاليفورنيا في بيركلي احتجاجات ضخمة من قبل الآلاف من الطلبة للمطالبة بسحب الاستثمارات من الشركات التي تتعامل مع جنوب أفريقيا، وذلك في إطار الرفض لسياسات الفصل العنصري التي كانت تنتهجها جنوب أفريقيا.
قام الطلاب وأفراد المجتمع بمسيرات يومية في سبرول بلازا، وعقدوا اعتصامات ليلاً، ومناقشات وعروض أفلام حول موضوع الفصل العنصري.
وتصاعدت حملة الرفض لسياسة الفصل العنصري بعد اقتحام الشرطة للجامعة واعتقال العديد من المتظاهرين. وفي اليوم التالي، دعا قادة المظاهرة إلى مقاطعة الفصول الدراسية، وحظوا بدعم من بعض أعضاء هيئة التدريس حيث تم تنظيم مسيرات واعتصامات أخرى، وشهدت الأيام التالية اعتقالات جماعية لمئات الطلاب..
في نهاية المطاف، بعد أشهر من الاحتجاجات، قررت جامعة كاليفورنيا بيركلي سحب 3 مليارات دولار من الاستثمارات المرتبطة بجنوب إفريقيا، وهو قرار أثر بشكل كبير على جنوب أفريقيا وأسهم في إنهاء حكم الأقلية البيضاء في البلاد في عام 1990.
احتجاجات تغيير المناخ 2019
تمثل هذه الاحتجاجات استمرارًا للحركة العالمية للمناخ التي بدأها الشباب في جميع أنحاء العالم، والتي شهدت ذروتها في عام 2019 ، بما فيها مظاهرات "الجمعة من أجل المستقبل" التي بدأتها غريتا ثونبرغ.
وفي مارس 2019، نظم طلاب كولومبيا واحدة من أكبر التجمعات في مدينة نيويورك، خلال إضراب وطني حول تغير المناخ وتغيب الطلاب في أكثر من 130 مدينة عن الدروس.
احتجاجات الحرب على غزة
وتتواصل حركة الاحتجاجات والاعتصامات في الجامعات الأميركية إلى اليوم، مطالبة من الطلاب بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي استمر لأكثر من 200 يوم، وبوقف تسليح الولايات المتحدة لإسرائيل.
من جهتها، قامت جامعة كولومبيا في نيويورك بإلغاء الدروس الحضورية داخل الحرم الجامعي، في حين تم اعتقال عشرات المحتجين في جامعتي نيويورك وييل، وتم إغلاق بوابات ساحة جامعة هارفارد أمام الجمهور يوم الإثنين يوم الإثنين 15 أبريل/نيسان .
وانتشرت مخيمات مماثلة في الجامعات بجميع أنحاء البلاد، ما وضع إدارة الجامعات في مواجهة تحديات في تحديد حدود السماح بحرية التعبير مع الحفاظ على أمن الحرم الجامعي وتوفير بيئة شاملة وآمنة للجميع.
وأدانت منظمة العفو الدولية بشدة ما وصفته بـ "التعامل العرقي والقمع" في مواجهة الاحتجاجات الداعمة لحقوق الفلسطينيين في الجامعات الأمريكية، مؤكدة على أن الاحتجاج ضد الوضع في غزة أصبح ذا أهمية بالغة.
وفي بيان صادر مساء الأربعاء، أكدت المنظمة أن الردود العنصرية والقمعية التي تلقتها الاحتجاجات المناوئة للحرب الإسرائيلية في غزة والمؤيدة لحقوق الفلسطينيين عمومًا داخل حرم الجامعات، هي مخالفة صارخة لضرورة تسهيل الاحتجاج وحماية حقوق الطلاب.
وأوضح البيان أن الجهود المبذولة من إدارات الجامعات لقمع هذه الاحتجاجات، بما في ذلك مشاركة السلطات المحلية والدعوة للاعتقالات، تتعارض مع الحق في التعبير السلمي للطلاب.
وأضاف البيان: "بذلت إدارات الجامعات جهودًا كبيرة لقمع هذه الاحتجاجات، حتى أنها وقفت الطلاب المشاركين في المظاهرات السلمية عن ممارسة حقهم في العمل".