في سابقة تاريخية مثلت إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، الخميس 11 يناير/كانون الثاني 2024، للمحاكمة بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في عدوانها على قطاع غزة الذي ما يزال مستمراً منذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعدما قامت جنوب أفريقيا برفع دعوى ضدّها في هذا الخصوص.
وظناً منها أنها قادرة على الإفلات من الاتهامات الموجهة إليها والتي وصفتها بـ"الاتهامات السخيفة التي تفتقر إلى أي أساس واقعي أو قانوني"، قامت إسرائيل بإرسال كبار خبرائها القانونيين إلى لاهاي؛ علّهم يبرئونها من ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة، من بينهم من يدعى أهارون باراك الناجي من الهولوكوست والمعروف بتصريحاته الفاشية وتأييده قتل الأطفال في فلسطين.
من هو أهارون باراك وما المناصب التي شغلها؟
وفق المعلومات الواردة بموقع وزارة القضاء الإسرائيلية، وُلد باراك في ليتوانيا عام 1936، وفي عام 1947 هاجر إلى إسرائيل.
وبين عامي 1970 و1972 شارك بدعوة أممية في إعداد معاهدة دولية بشأن الكمبيالات، وقام بالتدريس في كلية الحقوق بجامعة نيويورك.
وفي الأعوام من 1975-1978 شغل منصب المستشار القضائي لحكومة الاحتلال.
وفي عام 1978، كان باراك عضواً بفريق التفاوض لصياغة اتفاقيات كامب ديفيد، وعمل في العام نفسه قاضياً بالمحكمة العليا في إسرائيل من عام 1995 حتى تقاعده في عام 2006، كما عمل مع رئيس حكومة الاحتلال الراحل مناحيم بيغن مستشاراً قانونياً في مفاوضات كامب ديفيد، وحكم في قضايا تتعلق بتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين.
بين عامي 1982 و1983، كان باراك عضواً في لجنة التحقيق الرسمية عقب مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان.
وابتداءً من 1992، تركّز نشاطه بشكل رئيسي على تعزيز وتشكيل الثورة الدستورية التي، بحسب قوله، خلقت القوانين الأساسية التي تتناول حقوق الإنسان.
في عام 1993، ومع تقاعد نائب رئيس المحكمة العليا مناحيم ألون، جرى تعيينه مكانه، وفي عام 1995، عُيّن في منصب رئيس المحكمة العليا.
وخلال فترة رئاسته للمحكمة سعى باراك لتطوير مفهوم النشاط القضائي الذي بموجبه يجب على المحكمة ألا تكتفي بتفسير القانون، بل سدّ الثغرات في "التشريع القضائي". كما عمل على مدار نحو 20 عاماً، للدفع بمذكرات قوانين مدنية.
من "ناجٍ من المحرقة" إلى ممثل إسرائيل في "العدل الدولية" ضد "الإبادة"
مثّل تعيين باراك للنظر في قضية تتعلق بالإبادة الجماعية صدمة في الأوساط الإسرائيلية والغربية على حدّ سواء؛ ذلك أنه أحد الناجين من المحرقة النازية، حيث إنه عندما وُلد عام 1936 في ليتوانيا، كان صبياً حين قام أحد المزارعين بتهريبه في شاحنة وأخرجه من الحي اليهودي بمسقط رأسه، كوفنو، التي احتلها النازيون، والتي تسمى الآن كاوناس حيث قام النازيون بسجن اليهود بعد غزو ليتوانيا.
ثم هاجر باراك مع والديه إلى فلسطين عام 1947، أي قبل عام من قيام إسرائيل، وفق صحيفة EL PAÍS USA.
في السبعينيات، وبصفته مستشاراً قانونياً للحكومة، أجبر باراك على إسقاط أول مسؤول تنفيذي لإسحاق رابين، لأن زوجته، ليا، كان لديها حساب بالدولار، وهو أمر كان محظوراً في ذلك الوقت. وعندما أنهى حزب الليكود، الحزب اليميني الذي يرأسه نتنياهو حالياً، ثلاثة عقود من هيمنة حزب العمل، احتفظ بمنصبه.
وقد ضمه رئيس الوزراء مناحيم بيغن، إلى فريق التفاوض على اتفاقية السلام مع مصر عام 1978. وعلى أحد الرفوف في مكتبه لديه صورة لتلك اللحظة، تُظهر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، مع باراك ويدعوه "صديقي العزيز"، وفق الصحيفة نفسها.
تقاعد باراك في 16 سبتمبر/أيلول 2006، وبعد 3 أشهر، نشر أحكامه الأخيرة، ومن ضمنها عدة سوابق قضائية، منها ما يتعلق بدفع تعويضات للفلسطينيين في الضفة الغربية جراء الأضرار التي لحقت بهم، وقرارات بشأن عمليات الاغتيال. لكن هذه القرارات لم تحجب حقيقة أن المحكمة العليا في عهد باراك كانت تُعتبر درعاً واقيةً لدولة الاحتلال في وجه الدعاوى التي رفعتها ضدها العديد من الدول، والجمعيات، والمنظمات الفلسطينية، أو المؤيدة للقضية الفلسطينية.
باراك مؤيد الفصل العنصري في فلسطين ومعطي الضوء الأخضر لبناء الجدار العازل
ومن المفارقات الأخرى في حياته أنه كان يرأس المحكمة العليا عندما أعلنت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في عام 2004، في رأي غير ملزم، عدم شرعية الجدار العازل الذي بدأت إسرائيل ببنائه في الضفة الغربية. أعطى باراك، الذي ترأس المحكمة العليا الإسرائيلية طوال الانتفاضة الثانية (2000-2005)، الضوء الأخضر لبناء الجدار العازل وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"
حيث إنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2000، وخلال مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت، عن بدء تشييد جدار عازل بطول 74 كلم، لكن لم يبدأ العمل فعلياً حتى يونيو/حزيران 2002 خلال حكومة أرييل شارون، التي وافقت بشكل نهائي على بناء الجدار العازل.
وكان الهدف من تفكير الحكومة الإسرائيلية في تشييد الجدار، الذي تصفه حكومة الاحتلال بالحاجز الأمني، هو منع الفلسطينيين من الوصول إلى داخل الخط الأخضر وتنفيذ عمليات مقاومة مسلحة، خصوصاً بعد أن زادت وتيرة تلك العمليات خلال الانتفاضة الثانية.
أهارون باراك من منتقدي سياسة نتنياهو
وكانت هذه الأخبار مفاجئة، خاصةً أن باراك نفسه كان من بين الأشخاص الذين انتقدوا بشكل صريحٍ الإصلاح القضائي الذي حاولت حكومة نتنياهو تمريره في العام الماضي والذي يهدف إلى الحد من صلاحيات المحكمة، وقد شجع باراك، الذي كان لفترة طويلة رمزاً للتجاوز القضائي لأولئك الذين أرادوا كبح جماح المحكمة، الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد الخطة.
وكان باراك قد وصف إعادة تنظيم النظام القضائي المقترح بأنه "انقلاب بالدبابات" قد يحول إسرائيل إلى "ديمقراطية مجوفة".
رمزية تعيين أهارون باراك ممثلاً لإسرائيل في محكمة العدل الدولية
أشارت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن أهارون باراك يتمتع باحترام واسع على الساحة الدولية، وأن نتنياهو اتخذ قرار تعيينه بناءً على توصية المدعية العامة في إسرائيل، جالي باهاراف ميارا، المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، حسبما أفاد موقع "واينت".
ورحبت عضو لجنة اختيار القضاة، كارين إلهرار، باختيار باراك، وقالت: "لقد احتجوا عليه وجعلوا منه عدواً للأمة، ولكن في لحظة الحقيقة أدركت الحكومة أنه (باراك) خبير قانوني واسع الاطلاع وله ثقل دولي".
ومن أسباب إحضار القاضي الأكثر أهمية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي الممتد لـ75 عاماً إلى لاهاي، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، هو أنه "أكثر شخصية قضائية إسرائيلية معروفة في العالم، وناجٍ من المحرقة، ومن ثم سيكون لرأيه وزن وتأثير على باقي القضاة".
ولفتت الصحيفة إلى أنه منذ إقامة المحكمة الجنائية الدولية في بداية الألفية الثالثة، استخدمت إسرائيل الأحكام التي أصدرها باراك من أجل دحض الدعاوى المرفوعة ضدها، بمعنى أنه كان بمثابة حبل نجاة بالنسبة لدولة الاحتلال، وممارساتها، وجرائمها بحق الفلسطينيين.
كما ألهمت أحكامه القضائية، بحسب "يديعوت أحرونوت"، الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، إذ اعتمد المشرّعون الأمريكيون عليها "في قضايا مثل استهداف الأبرياء، والتوازن بين الحفاظ على أمن الدولة وعلى جهاز القضاء المستقل"، بحسب الصحيفة.