تنتهج إسرائيل سياسة الاغتيالات، التي تهدف إلى تصفية خصومها منذ قيامها عام 1948، وهي بالنسبة لها عقيدة أمنية استراتيجية وأداة فعالة ضدهم.
ولإسرائيل تاريخ حافل في اغتيال قيادات لبنانية ترى أنهم يشكّلون خطراً على كيانها، من بينهم باسل الكبيسي، سمير القنطار، عماد مغنية، عباس الموسوي، والشيخ راغب حرب، وأحدثها كان ليلة الثلاثاء؛ حيث قامت إسرائيل باغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، واثنين من قادة كتائب القسام في هجوم بالضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت.
اغتيالات اعتبرها الخبراء سعياً متواصلا لإخماد صوت الشارع الداخلي في ظلّ إخفاقات إسرائيل العسكرية المتواصلة منذ تأسيسها قبل 75 عاماً، وإلى اليوم الـ88 من الحرب على غزة وفشل جيشها في تحقيق أهدافه بمحو حماس، وتحرير الأسرى وهو ما جعلها تمضي في تنفيذ هذه العقيدة، دون الالتفات لأي تبعات سياسية أو قانونية.
سمير القنطار منفّذ عملية "جمال عبد الناصر"
وُلد سمير القنطار في بلدة عبية لعائلة من الطائفة الدرزية في 20 يوليو 1962، وهي بلدة ذات موقع استراتيجي مهم يشرف على العاصمة اللبنانية بيروت.
ويعدّ سمير القنطار من أقدم السجناء اللبنانيين لدى إسرائيل، حيث التحق مبكراً بصفوف جبهة التحرير الفلسطينية، واعتقله جهاز المخابرات الأردنية لأشهر عام 1978 بعد القبض عليه وهو بصدد تجاوز الحدود الأردنية الإسرائيلية في مرج بيسان، مع عضوين آخرين في جبهة التحرير الفلسطينية.
وفي يوم 22 أبريل 1979، نفّذ سمير عملية "نهاريا"، التي تُرف بـ"عملية جمال عبد الناصر" بمصاحبة 3 من رفاقه من جبهة التحرير الفلسطينية، وهم عبدالمجيد أصلان، ومهنا المؤيد، وأحمد الأبرص، على أعتاب مدينة نهاريا، شمال إسرائيل، منطلقين من ﺷﺎﻃﺊ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺻﻮﺭ ﺑﺰﻭﺭﻕ ﻣﻄﺎﻃﻲ ﺻﻐﻴﺮ، بهدف ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ إﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻃﻨﺔ "ﻧﻬﺎﺭﻳﺎ" ﻭأسر ﺭﻫﺎﺋﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﻟﻤﺒﺎﺩﻟﺘﻬﻢ ﺑﻤﻘﺎﻭﻣﻴﻦ ﻣﻌﺘﻘﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﺍلإﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻴﺔ.
غير أن العملية آلت إلى تبادل إطلاق النار بين مجموعة القنطار والشرطة الإسرائيلية، قُتل فيها عالم ذرة إسرائيلي وابنته البالغة من العمر 4 سنوات عام 1978، وتمّ إثرها إلقاء القبض على القنطار، ومثوله أمام المحكمة الإسرائيلية التي قضت بسجنه 5 مؤبدات، مضافاً إليها 47 عاماً يوم 28 يناير/كانون الأول 1980.
قضى سمير القنطار 29 عاماً في السجون الإسرائيلية قبل أن يفرَج عنه ضمن صفقة تبادل عام 2008.
وفي ديسمبر 2015 اغتالت إسرائيل سمير القنطار، في غارة صاروخية شنتها إسرائيل استهدفت مبنى كان يوجد فيه، يقع بمنطقة جرمانا بالعاصمة السورية، بحسب هارتز.
عماد مغنية القائد العسكري في حزب الله اللبناني
ترجع أصول عماد مغنية المولود في 7 ديسمبر/كانون الأول 1962 لعائلة من أصل فلسطيني تقيم في صور بجنوب لبنان، حيث درس مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي.
ثم انضمّ إلى حركة التحرير الفلسطينية (فتح) عندما كانت في لبنان، وبحلول عام 1982 شغل منصب أحد كبار الضباط في قوة مكلفة بحماية قادتها الذين كان من بينهم ياسر عرفات، وكان التحاق عماد مغنية عام 1983 بالمقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله" الحدث المفصلي في حياته، حيث أصبح بعدها من أبرز الشخصيات القيادية في الحزب، فكان يلقب بالحاج رضوان، كما كان المخطط الأول في الحزب خلال حرب يوليو/تموز 2006 وفق مصادر لبنانية.
وتتهم إسرائيل والولايات المتحدة مغنية بالوقوف وراء احتجاز رهائن غربيين في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، وفي تفجير السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين، ما أدى إلى سقوط 29 قتيلاً في 1992.
كما تؤكدان أنه على علاقة بتفجير مقر مشاة البحرية الأمريكية في مطار بيروت في 1983، ما أدى إلى مقتل 241 أمريكياً، وبخطف طائرة تابعة لشركة الطيران الأمريكية "تي دبليو ايه" في 1985، العملية التي قُتل فيها أمريكي واحد، وفق صحيفة واشنطن بوست.
وقد قام جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد بمحاولات عديدة لاغتيال مغنية. قُتل شقيقه فؤاد، صاحب محل سيارات، في تفجير سيارة مفخخة في بيروت عام 1994، وقُتل شقيقه الآخر، جهاد، في محاولة اغتيال بسيارة مفخخة استهدفت القيادي في حزب الله الشيخ فضل الله عام 1985، من عمل وكالة المخابرات المركزية عبر جيش لبنان الجنوب.
بعد اغتياله من قِبل سرائيل لم يكن بإمكان أحد الجزم إن كان مغنية حياً أو ميتاً،حتى أُشيع في ذلك الوقت أنه خضع لعمليات جراحية غيّرت ملامحه بشكل كامل.
وبعد هجمات 2001 عهدت الاستخبارات الأمريكية برصد مكافأة مالية يبلغ قدرها 25 مليون دولار لمن يعثر عليه.
الشيخ راغب حرب "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف"
أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية الشيعية المسلحة أن أحد قادتها قُتل خارج منزله في بيروت، ونفى مسؤول إسرائيلي الاتهامات بالوقوف وراء عملية الاغتيال.
وقالت الجماعة في بيان نشرته اليوم الأربعاء: "حوالي منتصف ليل الثلاثاء، اغتيل أحد قادة المقاومة حسن اللقيس، أمام منزله في منطقة السان تريز بالحدث، أثناء عودته من العمل".
وجاء في البيان أن "الاتهام المباشر يقع على عاتق العدو إسرائيل"، دون تقديم أي تفاصيل حول العملية.
وقال مسؤولون أمنيون لبنانيون لوكالة أسوشيتد برس إن مهاجمين فتحوا النار على اللقيس من بندقية هجومية، بينما كان في سيارته متوقفة في المبنى السكني الذي يعيش فيه، على بُعد حوالي ميلين (3 كيلومترات) جنوب غرب العاصمة.
وقال المسؤولون إنه تم نقله إلى مستشفى قريب، لكنه توفي في وقت مبكر من يوم الأربعاء، متأثراً بجروحه. وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم بما يتماشى مع اللوائح.
وُلد الشيخ راغب حرب سنة 1952، ونشأ في قرية جبشيت بجبل عامل جنوب لبنان.
عام 1969 غادر الشيخ بلدته إلى بيروت لطلب العلم، وبعد سنة ذهب إلى النجف، ثم عاد ثانية إلى لبنان عام 1974 ليقيم في مسقط رأسه في جبشيت.
عام 1978 حين كان الجيش الإسرائيلي يشنّ غارات عسكرية كثيفة على جنوب لبنان كان الشيخ راغب حرب يقوم بتوزيع المساعدات بصمت وسرية على عوائل الشهداء والجرحى وذوي الأسرى. وفي الأسبوع الأول من حملة إسرائيل العسكرية على لبنان "كان هناك اجتماع في جبشيت في منزل الشيخ عبد الكريم عبيد، ونقاش محتدم بشأن مستقبل الاحتلال الإسرائيلي، وهل سيكون هناك احتلال دائم مثل الضفة وغزة المحتلتين، أم أنّ لدى الاحتلال خططاً أخرى؟.. فاقتحم الشيخ الاجتماع، وقال بوضوح إنّ المفروض هو أن نفكّر في تحرير فلسطين، لأنّه لا بقاء لـ"إسرائيل" في لبنان، ويجب التفكير في موعد وصولنا إلى القدس"، وفق ما صرّح به د. نسيب حطيط، رفيق درب الشيخ راغب، وأحد المعاصرين لانطلاقة المقاومة الإسلامية من بلدة جبشيت، مسقط رأس الشيخ.
وفي عام 1982 حين بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان كان الشيخ مقاوماً لسياسة التطبيع والتهويد التي تنتهجها إسرائيل، عرف بكلمته الشهيرة التي نطق بها في وجه الاحتلال "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف"، حيث كان يرفض مصافحة ضباط الاحتلال الذين يمدون أيديهم إليه في محاولة لإسكات صوته.
تعرّض الشيخ راغب، بسبب مواقفه تجاه جيش الاحتلال، إلى إقتحام الجنود لمنزله بشكل متكرر، كان أبرزها في كانون أوّل عام 1982 لحقته بعدها الجواسيس حتى استطاعوا في نهاية الأمر تحديد المكان الذي يبيت فيه ومداهمته.
في الثامن من آذار عام 1983 تم اقتياده إلى مركز المخابرات في مدينة صور
ليتم اعتقاله وممارسة أبشع أساليب الإرهاب والإذلال عليه، خصوصاً مع رفضه مغادرة الجنوب وتمسكه بالبقاء في أرضه.
في ليلة الجمعة الموافقة 16 شباط من عام 1984 اغتال الاحتلال الإسرائيلي الشيخ راغب حرب، بعد أن أنهى الشيخ قراءة دعاء وتوجه للسهر مع بعض إخوانه في بيت بجوار منزله، وأثناء خروجه صوّب العملاء الرصاص عليه.
عباس الموسوي الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني
وُلد عباس الموسوي سنة 1952 في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت.
تتلمذ الموسوي على يد الإمام محمد باقر الصدر في مدينة النجف بالعراق، حيث تلقى هناك علوم الشريعة الإسلامية، وتعرّف على عناصر المقاومة اللبنانية، أمثال الشيخ صبحي الطفيلي والشيخ حسن نصر الله.
وبعد 4 سنوات من الدراسة عاد إلى لبنان وشارك في تأسيس "تجمع علماء المسلمين" في البقاع عام 1979، اشتهر بنشاطه الدعوي وسط الشيعة في الجنوب، لا يترك خطاباً إلا ويذكّر فيه بضرورة القضاء على الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، الذي كان يُطلق عليه "الغدة السرطانية الإسرائيلية في خاصرة الوطن الكبير".
عام 1991 تقلّد عباس الموسوي منصب الأمين العام لحزب الله اللبناني، غير أنه لم يستمرّ في منصبه لأكثر من 9 أشهر، فقد اغتالته إسرائيل يوم 16 فبراير/شباط 1992 بقصف مروحيات إسرائيلية بعد ساعات من خطاب مؤثر ألقاه في بلدة "جبشيت" بجنوب لبنان في ذكرى استشهاد أحد أفراد الحزب.