طوال التاريخ كانت أرض فلسطين مسرحاً للعديد من المعارك التاريخية، التي شكلت الصراع بين المسلمين والصليبيين، فقبل بداية الحروب الصليبية، كانت أرض فلسطين ميداناً لعدة معارك بين المسلمين والبيزنطيين، ومن ذلك معركة أجنادين التي تعدّ من المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي.
وقعت معركة أجنادين سنة 634م بالقرب من مدينة "الرملة"، حيث عسكر جيش المسلمين في قرية "عجور" شمال غربي مدينة "الخليل"، في حين عسكر جيش الروم في قرية "بيت جبرين".
وأخذت المعركة اسم اجنادين نسبةً إلى التقاء جيشين كل منهما يسمى أجناد، ومثناها أجنادين وأجناديْن، وكانت معركة أجنادين أول لقاء كبير بين جيوش الخلافة الراشدة والروم البيزنطيين في الصراع على الشام، وجرت قبل حوالي سنتين من اللقاء الفاصل والحاسم في معركة اليرموك عام 636م.
جزء من حملة فتح بلاد الشام
في البداية كان الصحابي خالد بن سعيد بن العاص، أوّل قائدٍ عقد له الخليفة الراشد أبو بكر الصديق لواء فتح الشام، وأمره بأن يعسكر بجيشه في منطقة "تيماء" شمالي الحجاز، موصياً إياه بعدم بدء القتال ضدّ الروم إلا إذا قُوتل، لكن خالد بن سعيد اشتبك مع الروم التي استنفرت بعض القبائل العربية لقتال المسلمين، ولم تكن قوات خالد تكفي لقتال الروم، فهزم واستشهد ابنه في المعركة، ورجع بمن بقي معه إلى "ذي مروة" ينتظر قرار الخليفة، وذلك وفقاً لما ذكره الواقدي في كتابه "فتوح الشام".
كان قرار الخليفة أبو بكر الصديق بدفع وردّ العدوان الروماني، فجهز الخليفة الصديق لهذه المهمة 4 جيوش عسكرية، واختار لها أكفأ قادته.
فكان الجيش الأول تحت قيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، ووجهته "حمص"، والجيش الثاني بقيادة يزيد بن أبي سفيان، ووجهته "دمشق".
وتولى شرحبيل بن حسنة قيادة الجيش الثالث، ووجهته منطقة "بصرى"، أمّا الجيش الرابع فكان بقيادة عمرو بن العاص، ووجهته فلسطين.
كان مجموع الجيوش كلها لا يتجاوز 30 ألف مقاتل، وأمرهم الخليفة أبو بكر الصديق بأن يساعد بعضهم بعضاً، وإذا اجتمعوا معاً فستكون القيادة العامة للصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح.
وبالفعل نجحت تلك الجيوش في التوغل جنوبي الشام، وخاضت اشتباكات عنيفة مع الروم، الأمر الذي أجبر قيصر الروم على حشد جيشٍ ضخمٍ لمواجهة المسلمين في الشام.
أرسل المسلمون إلى خليفتهم أبي بكر الصديق يخبرونه بالمستجدات وإقبال جيشٍ جديدٍ للروم وطلبوا المدد، فأمدهم الخليفة بعكرمة بن أبي جهل، غير أن جبهة القتال لم يحدث فيها تغيير.
والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد
كان استدعاء الخليفة أبي بكر الصديق للقائد العسكري والصحابي خالد بن وليد من جبهة العراق إلى الشام، وإطلاق كلمته الشهيرة "والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد"؛ بمثابة المنعرج الحاسم في مواجهة المسلمين والروم.
وفقد بعث أبو بكر الصديق إلى خالد بن وليد يطلب منه التوجه إلى الشام ومعه نصف قواته التي كانت معه في العراق، حتى يلتقي بأبي عبيدة بن الجراح ومن معه، ويتسلم القيادة العامة للجيوش كلها.
خرج سيف الله المسلول من الحيرة بالعراق؛ حيث قطع أكثر من ألف كيلومتر في الصحراء حتى نزل بجيشه أمام الباب الشرقي لدمشق، ثم سار حتى أتى أبا عبيدة بـ"الجابية"، فالتقيا ومضيا بجيشيهما إلى "بصرى".
تجمعت الجيوش كلها تحت قيادة خالد بن الوليد، فقام بحصار "بصرى"، حتى فتحها، فكانت أول مدينة فتحت من الشام صلحاً.
بعد سقوط "بصرى" استنفر هرقل قواته، من أجل مواجهة جيوش المسلمين، وهذه المرة كان الملتقى في معركة أجنادين.
معركة أجنادين أوّل مواجهة كبرى بين المسلمين والروم في فلسطين
لمواجهة جيش الروم العظيم، تجمعت الجيوش الإسلامية الأربعة مرة أخرى عند أجنادين، وهي موضع يبعد عن "بيت جبرين" بحوالي 11 كيلومتراً، وعن "الرملة" حوالي 39 كيلومتراً، وكان موضع تجمع جيوش المسلمين في السهول الشمالية الغربية لقرية "دير الدبان" إلى الغرب من قرية "عجور" حتى قرى "تل الصافي" و"بركوسيا" التي تعتبر ملتقى مهماً للطرق.
وكان الطريق الروماني القديم يمر من أراضي قرية "البريج" بمحاذاة "وادي الصرار"، وبالقرب من "تل بطاشة" الأثري، إذ نزل الجيش الروماني بقيادة تيودور من هذه الطريق إلى السهول الغربية لـ"البريج"، والأراضي المحيطة بها حتى التلال الجنوبية وصولاً إلى تخوم "زكريا" و"عجور".
أعدّ خالد بن الوليد جيشه البالغ نحو 30 ألف جندي، ووضع خططه الحربية، لأوّل معركة كبرى يخوضها المسلمون ضد الروم الذين استعدوا للقاء بجيش كبير بلغ 70 ألف جندي.
وضع على الميمنة الصحابي معاذ بن جبل، وعلى الميسرة الصحابي سعيد بن عامر، وعلى المشاة في القلب الصحابي أبا عبيدة بن الجراح وعلى الخيل الصحابي سعيد بن زيد.
وفي 30 من يوليو/تموز 634م، بدأت معركة أجنادين بأمر من خالد بن وليد جيشه بالتقدم، وخلال المعركة أبلى المسلمون بلاءً حسناً، حيث برز ضرار بن الأزور، كواحدٍ من أبرز المقاتلين الذين دكوا حصون الروم في معركة أجنادين.
انتهت المعركة في يوم 31 يوليو/تموز من عام 634م، بانتصار المسلمين، وكانت معركة أجنادين أول مواجهة كبرى بين جيوش الخلافة الراشدة والروم البيزنطيين في الصراع على الشام، وجرت قبل حوالي سنتين من اللقاء الفاصل والحاسم في معركة اليرموك عام 636م.